زلزال سوريا والدور الإنساني الغائب
حالة المؤازرة الكبيرة والجهود الفلسطينية بمختلف أشكالها تعكس موقفاً فلسطينياً أصيلاً عنوانه النخوة والشهامة، وترسخ روابط العلاقات بين الشعبين الفلسطيني والسوري.
سوريون تحت الأنقاض من جرّاء زلزال عنيف ومدمّر أوقع آلاف الضحايا وعشرات الآلاف من المنكوبين، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر الإغاثة والفرج، وآخرون يبحثون عن الأمل بين ركام منازل هدمت ومبانٍ تخفي تحت أنقاضها أصواتاً خفتت، وبعض آخر يصارع الموت أملاً في إنقاذه حياً، وآخرون يبحثون عن صرخة أحياء من تحت ركام منازل انهالت على رؤوس ساكنيها. الكارثة التي حلت بسوريا لم يمضِ عليها سوى أيام معدودة، لكنها بكل أسف حملت طابعاً سياسياً منذ اللحظة الأولى، في وقت ما زالت سوريا تتعرّض لعقوبات قانون قيصر الأميركي والحصار الغربي العربي على وجه سواء، سوى محاولات عربية محدودة وإيرانية أخرى كسرت الحصار ولم تلتفت إلى أي تداعيات لاستمرار العقوبات وقامت بدورها الإنساني والأخلاقي. حجم الكارثة التي حلت بسوريا في ظل أزمات اقتصادية خانقة تمر بها من جرّاء استمرار فرض الحصار عليها، يضع المشهد بعد الزلزال وسبل الإغاثة للسوريين أكبر من إمكانيات دولة وحكومات. مثل هذه الكارثة لا يمكن أن تُحتوى إلا بجهود الجهات كافة وأصحاب النخوة والشهامة وحملات التضامن والدعم والإسناد رسمياً وشعبياً، فمعادن البشر تظهر وقت الشدائد التي تعد أكبر اختبار إنساني وأخلاقي. التعاطف مع ضحايا الكوارث الطبيعية من شِيم الإنسانية، والأصل في الكوارث أن القيم الإنسانية وروابط العروبة لا تتجزأ، ويجب أن تتقدّم على أي خلافات سياسية، فسوريا تستحق الإغاثة العاجلة، كما تستحق تركيا أيضاً الإغاثة. أما تسييس الملف الإنساني، فهو جريمة أثرها أكبر وأقسى من نتيجة الزلزال الذي حل بالسوريين. سوريا الدولة العربية الأصيلة صاحبة النخوة قدّمت الكثير لفلسطين وشعبها، وما زالت تقف وتقدّم، ووقفت معه في كثير من الأزمات منذ احتلال فلسطين عام 1948، كيف لا وهي من احتضنت أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين على مدار عقود من الزمن. من عمق الألم والحصار يولد الأمل، ومعه النخوة والشهامة. هكذا هي فلسطين دائماً وأبداً رسمياً وفصائلياً، وحتى شعبياً، بشبابها وشيوخها وأطفالها. وانطلاقاً من الواجب الإنساني، والأخوّة التي تجمع الشعبين اللذين يعيشان المعاناة نفسها وأكثر، من ظلم وبطش وعدوان وحصار، تحرّكت فلسطين تضامناً مع سوريا المكلومة ومؤازرة لها ولشعبها الأبي بالقدر الذي تملكه وتستطيع فعله وهي تعيش أيضاً ظلم وبطش الاحتلال والحصار معاً، فهذا لم يمنعها من المشاركة في حملة دعم وإسناد للدولة والشعب السوري الشقيق. وفق بروتوكولات الكوارث والأزمات، باشر الرئيس الفلسطيني محمود عباس فوراً الاتصال بالرئيس السوري بشار الأسد، معبّراً عن تعازيه الحارة للشعب السوري الشقيق بضحايا الزلزال، مؤكداً وقوف القيادة الفلسطينية وشعب فلسطين إلى جانب الأشقاء في سوريا، والاستعداد لتقديم كل أشكال الدعم وفق الإمكانيات المتاحة، فيما تقدّمت حركتا حماس والجهاد الإسلامي ببرقيات تعزية منفصلة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، جاءت من السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة أعربا فيها عن كامل تضامنهما، والشعب الفلسطيني مع سوريا من جرّاء الزلزال المدمّر. أما عملياً، وعلى صعيد الدعم والإسناد، وانطلاقاً من باب الواجب والأخوّة العربية الأصيلة، فأطلقت وزارة الأوقاف الفلسطينية حملة لمساعدة المنكوبين من الزلازل التي ضربت شمال سوريا وتركيا تحت شعار “أغيثوهم”، وافتتحت الحملة بتبرّع قدره 100 ألف دولار، تبعها فريق فلسطيني للتدخّل والاستجابة العاجلة توجّه إلى سوريا لدعم جهود الإغاثة يضم عشرات المختصين من جهاز الدفاع المدني الفلسطيني وجمعية الهلال الأحمر ووزارة الصحة والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الفلسطينية. لم تتوقّف الحملات هنا، فقد انطلقت سلسلة حملات إغاثية عاجلة دعماً وإسناداً للأشقاء في سوريا، كان أبرزها حملة للتبرع بالدم من فلسطين لضحايا الزلزال المدمر في سوريا تحت عنوان “غزة تتبرع بالدم”، أطلقتها جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لجرحى الزلزال في سوريا، في لفتة إنسانية لتوضيح حجم التعاطف والتضامن مع سوريا، ومِن باب رد الجميل للبلد الذي يبدي تعاطفاً ودعماً كبيراً مع الشعب الفلسطيني وقضاياه ومقاومته، وأيضاً حملة “فلسطين معكم”، التي أطلقها ناشطون فلسطينيون لإغاثة ودعم المنكوبين من جراء الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا. ولم تتغيّب الجاليات الفلسطينية خارج فلسطين عن سوريا، فأطلقت الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة حملات دعم لمتضرّري الزلزال المدمّر عبر المنصات الإلكترونية لجمع الدعم للمنكوبين، فيما وقف أطفال غزة وقفات متعددة تضامناً منهم مع سوريا، برزت فيها لافتات “سوريا في القلب” و”دعماً لأشقائنا السوريين”، و”قلوبنا معكم ودعاؤنا لكم”. حالة المؤازرة الكبيرة والجهود الفلسطينية بمختلف أشكالها تعكس موقفاً فلسطينياً أصيلاً عنوانه النخوة والشهامة، وترسخ في الوقت ذاته روابط العلاقات بين الشعبين الفلسطيني والسوري. أما اختبار الإنسانية، فقد فشلت فيه بعض الدول التي تخلّفت عن إغاثة وإسناد سوريا بالتذرّع بالخوف من العقوبات، ولكنها في المقابل انهالت بمساعداتها تجاه تركيا. هذه الجريمة فاقت نتائج الزلزال نفسه. إذا كان قانون قيصر يمنع المساعدات الإنسانية عن سوريا في وقت هي بأمسّ الحاجة للدعم والإسناد، فهي فرصة لكل الدول الحرة التي ترفض الرضوخ للسياسة الأميركية لتعبّر عن موقفها بشكل عملي، كما هو دور المنظمات الدولية والإنسانية، أنه قد آن الأوان لرفع الحصار عن سوريا وعدم الرضوخ وتسييس الملف الإنساني في هكذا كارثة. أخيراً، ستستعيد سوريا عافيتها ولن تترك وحيدة، لكن الحقيقة يجب ألّا تغيب أمام هذا الألم والوجع الكبيرين من جراء ما شاهدناه من مشاهد مؤلمة بفعل الزلزال المدمّر في سوريا، من تخلّف عن دعم وإسناد سوريا، وهي في أشد المحن والحاجة للإغاثة. والإسناد هو نفسه من عجز عن النيل منها ومن عزتها وكرامتها خلال 12 عاماً من الحرب الإرهابية عليها؛ حرب استخدمت فيها كل الوسائل غير الشرعية وغير الأخلاقية والإنسانية. واليوم، تسقط الأقنعة مجدداً ومعها كل القيم الإنسانية والأخلاقية عن أنظمة ودول تخلّفت عن القيام بدورها. أما رسالة الشعب الفلسطيني قولاً وعملاً، فثابتة راسخة إلى جانب سوريا، ومفادها: “فلسطين معكم. لستم وحدكم”.شرحبيل الغريب
المصدر: الميادين نت
المقاله الصحفية نقلت حرفيا من المصدر وتعبر عن جه نظر الكاتب