هل تعب الثور فاهتزت الأرض؟
السياسية ـ وكالات:
صاغت المخيلة البشرية ما يعرف بأساطير الخلق، وهي تصورات للوجود وللظواهر الطبيعية بطريقة قصصية رمزية. وحفل التراث الإنساني بتفسيرات للزلازل بطريقة رمزية خلابة.
تلك الأساطير الشفهية التي توارثتها الأجيال لم تكن للتسلية، بل كانت بالنسبة لأصحابها ومبدعيها حقائق لا شك فيها. وهي كانت متزامنة مع التطور البشري الطويل قبل أن يدخل الإنسان باب العلم ويتمكن من أدواته، ثم يطير إلى الفضاء ويـتأمل موطنه الأرض من ارتفاعات شاهقة.
الزلازل أثارت فضول الإنسان القديم الذي رأى جبروتها واختبر عنفها المدمر، وحاول بالأساطير أن يضع تصورا يريحه ويشبع فضوله وينهي حيرته الأبدية وعجزه أمامها.
الأسطورة الأكثر شهرة في تفسير الزلازل تنسب إلى شرق إفريقيا، وتفترض أن الكرة الأرضية تقف على قرن ثور، وحين يتعب الثور من عبء حملها، ينقلها إلى القرن الثاني، وفي هذه النقلة تحدث الزلازل.
أما في غرب القارة الإفريقية، فكان القدماء يعتقدون أن عملاقا يحمل الأرض على رأسه، وأن الأرض تهتز كلما أدار رأسه في هذا الاتجاه أو ذاك.
الأساطير الهندوسية تضع صورة مركبة أكثر تعقيدا من غيرها، حيث يعتقد أن أربعة أفيال تسند الأرض، وأن سلحفاة تحمل على ظهرها الأفيال، وأن كوبرا تحمل السلحفاة، وإذا ما تحرك أي من هذه المخلوقات، تهز الأرض الزلازل!
وضعت الأساطير اليونانية تصورها الخاص للزلازل، موكلة الشديد منها إلى بوسيدون، إله البحر. منحت الأسطورة الإغريقية بوسيدون مزاجا متقلبا وسيئا، وصورته على أنه حين يغضب، يصدم الأرض برأسه الثلاثي الشعب مسببا الزلازل.
آسام الهندية تفترض في أساطيرها أن جنسا من البشر يعيش داخل الأرض، وهو من وقت إلى آخر، يهزها ليكتشف من لا يزال يعيش عليها. يحدث الزلزال جراء ذلك، ويتصارخ الأطفال، وتتناهي أصواتهم إلى مسامع من بداخل الأرض فيتوقفون فتهدأ الأرض!
اليابان تقول في ثقافتها الأسطورية عن الزلازل، إن سمكة السلور العظيم، أو نمازو، ترقد ملتفة تحت سطح البحر، فيما تستريح جزر اليابان على ظهرها. وإن نصف إله، أو ديموجين، يمسك بحجر ثقيل فوق رأسها لمنعها من الحركة. من حين إلى آخر، يتشتت انتباه ديموجين، وتتحرك نمازو، وترتجف الأرض.
كبير الشياطين يظهر في أسطورة مكسيكية تفسر الزلازل، وتفترض رواية الأسطورة أن “El Diablo”، يحدث شقوقا عملاقة تطلع من باطن الأرض، ويستخدم والشياطين الآخرين هذه الشقوق طريقا للوصول إلى السطح، حين يرغب في إثارة المشاكل على الأرض.
وفي موزمبيق، ظهرت أسطورة مختلفة في أجوائها، وهي تفترض أن الأرض كائن حي، يواجه مشاكل مشابهة لتلك التي تواجه الإنسان، وأحيانا يمرض ويصاب بالحمى وبالقشعريرة، وتلك هي الزلازل!
سكان نيوزيلندا يرون في أساطيرهم أن أمنا الأرض تحمل طفلا بين أحشائهاـ وأن الإله الصغير رو، حين يتثاءب أو يتمدد كما يفعل الأطفال، تحدث الزلازل!
أسطورة تجريدية أخرى تداولها سكان رومانيا القدماء، وهي تفترض أن العالم يرتكز على أركان الإيمان والرجاء والمحبة الإلهية، وحين تضعف في أفعال البشر أحد الأركان، تهتز الأرض.
وتعود الأساطير في سيبيريا إلى أسلوبها التقليدي، فترى أن الأرض موضوعة على زلاجة يقودها إله يدعى تولي، فيما الكلاب التي تسحب الزلاجة يوجد بها براغيث. وحين تتوثب الكلاب للهرش والنباح بغية التخلص من البراغيث، تهتز الأرض.
تلك مختارات من نظرة الأساطير العالمية للكارثة الطبيعية المتمثلة في الزلازل. وبها تصورات مختلفة تعتمد على الثقافة السائدة وطبيعة الحياة والظروف المناخية، وهي تعبير عن زمنها وظروفها، حين كان الإنسان في بدايات تطوره الحضاري.
لاحقا فتح العلم أبواب المجهول وكشف الكثير من الأسرار بما في ذلك الزلازل. وهو يقول عن هذه الظاهرة الطبيعية إنها ناجمة عن احتكاك الصفائح التكتونية بعضها ببعض.
العلم لم يجد لا الثور ولا السلاحف ولا أي كائنات أخرى، إلا أن الأساطير المشبعة بهذه الحقائق الجامدة لم تفقد توهجها بقصصها الخلابة والمدهشة، وهي تواصل السير مع الإنسان، ولكن كتصورات خيالية مبدعة في أزمنة غابرة.