أميركا بلا قناع الديمقراطية: الهان عمر مطرودة
د. علي دربج – باحث واستاذ جامعي
في الوقت الذي ينصّب فيه مجلس النواب الأمريكي نفسه حارسًا للحريات الإنسانية في مختلف دول العالم بحيث لا يتوانى عن اصدار تشريعات وقرارات، يجرّم فيها الأفراد، ويفرض العقوبات على البلدان والشعوب بحجة انعدام الديمقراطية، وقمع آراء المعارضين لأنظمة بلدانهم، نراه لم يتحمل صوت نائبة مسلمة تجرّأت ووجهت انتقادًا مجازيًا غير مباشر لـلكيان “الاسرائيلي” وحلفائها في الولايات المتحدة وجادلت بشأن السياسات الخارجية لأمريكا.
النتيجة كانت طرد إلهان عمر (النائبة الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا) من لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب في تصويت حزبي أعقبه نقاش مثير للجدل في القاعة الرئيسية، وتخلله دفاع من قبل عمر. القرار أثبت مجددًا أن هذا المجلس الذي يسيطر عليه حاليًا الجمهوريون هو أداة ترهيب كسائر الديكتوريات: لا سيما بعدما صبّت هذه الأغلبية الجمهورية كافة أحقادها المجبولة بالكراهية والعنصرية الدفينة ضد النائبة عمر.
ما هي الدوافع الحقيقية لإقالة عمر؟ وما علاقة الكيان الصهيوني بذلك؟
اختلق الجمهوريون مجموعة من المبررات لطرد عمر، لذلك أصرّوا على الانتقام منها “لأنهم لا يحبون ما تقوله”، بحسب زميلها الجمهوري (الترامبي) مات كيتز Matt Gaetz، فعمدوا إلى اقالتها بعد أن أدلت بما وصفه رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي مؤخرًا بأنه “ملاحظات متكررة معادية للسامية ومعادية لأمريكا” طوال فترة عضويتها في مجلس النواب، والتي واجهت خلالها عددًا من الاتهامات الملفقة.
لكن ما يجدر التوقف عنده، أن الحجج التي تذرع بها الحزب الجمهوري ضد تعليقات عمر “المعادية للسامية” ولأمريكا المنصوص عليها في قرار الطرد، هي مبالغات ضعيفة للغاية وفقًا لمراقبين أميركيين، وذلك استنادًا إلى الأمور التالية:
أولًا: فيما يتعلق بكلامها حول الكيان الصهيوني، فإن جلّ ما قالته عمر في تغريدة في العام 2019 أن حلفاء “إسرائيل” في السياسة الأمريكية كانوا مدفوعين بالمال وليس بالمبدأ، الأمر كله يتعلق بالطفل بنيامين (اشارة الى رئيس وزارء العدو بنيامين نتنياهو) ومع ذلك اعتذرت عن كلامها في العلن، لكن هذا التراجع لم يشفع لها، وتم النيل منها.
ثانيًا: بالنسبة للتعليقات الأخرى المذكورة في القرار والمعادية لأمريكا، مثل تصريحاتها حول 11 سبتمبر/ايلول، فقد جرى تحريف وتشويه مضمون كلامها، تماشيًا مع الخداع الذي استخدمه الجمهوريون بشأن تعليقاتها لسنوات عديدة كما صرح أحد الساسة الديمقراطيين. حيث يُظهر السياق الكامل لحديث أنها كانت تتحدث بإسهاب عن التمييز وفقدان الحريات المدنية التي عانى منها مسلمو الولايات المتحدة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
ثالثًا: أما تهمة التعصب الأعمى التي ألصقها بها الجمهوريون، فمن المفارقات أنه قد لا يكون هناك عضو آخر في الكونغرس مثل عمر، واجه شخصيًا كمًّا هائلًا من الألفاظ العنصرية المسيئة (من النواب جمهوريون وزعيمهم ترامب) فقط كونها مسلمة كانت وصلت إلى الولايات المتحدة كلاجئة منذ عقود.
والأمثلة كثيرة في هذا الاطار، منها الأوصاف التي نعتها بها كل من النائبين مارغوري تايلور غرين (جورجيا) ولورين بويبرت (كولورادو) حينما قالا بأنها “متعاطفة مع الإرهاب ومتعطشة للدماء”.
على عكس عمر، رفضت غرين الاعتذار للنائبة الهان بشأن مواقفها العنصرية ضد المسلمين. إضافة الى ذلك، لم يُحاسب غرين وبويبيرت بشكل عادل من قبل القادة الجمهوريين على التعصب العلني ضد المسلمين، والأسوأ أنه لم يواجه ترامب أية انتقادات (حتى لو كانت قليلة) من الحزب الجمهوري.
الأدهى من ذلك أن جميع الجمهوريين تقريبًا، كانوا صوتوا ضد قرار ديمقراطي في العام 2021 لتجريد غرين من مهام اللجان، على الرغم من أن سلوكها وفقا لسياسيين امريكيين كان ـ بكافة مقاييسهم – “أسوأ بكثير” من سلوك عمر، ويعد انحرفًا إلى ما هو أبعد من التعبير عن “وجهات النظر” ويصل إلى التأييد المتكرر للعنف السياسي، بل يمكن القول إنه تحريض واضح على عمر.
ما كان رد عمر على قرار الطرد؟
تحدثت عمر في دفاعها قائلة: “من يصبح أميركيًا؟ ما هي الآراء التي يجب أن تعتبرها أمريكية؟ هذا ما يدور حوله هذا النقاش. هناك فكرة أنك مشتبه به إذا كنت مهاجرًا أو إذا كنت من جزء معين من العالم، من لون بشرة معين أو مسلم”.
ماذا عن التهديدات التي تلقتها عمر بسبب مواقفها؟
تعد عمر اللاجئة الصومالية واحدة من أوائل المسلمات اللواتي خدمن في مجلس النواب، وغالبًا ما واجهت تهديدات بالقتل وأخرى بالعنف، حيث كانت نشرت الأربعاء الماضي رسالة صوتية على “تويتر” كانت قد تلقتها مليئة بالكلمات البذيئة، يتوجه أحد الأشخاص بالرسالة اليها قائلًا “سأضع رصاصة في رأسك واخرجي من بلدي”. بدورها علقت عمر على هذه التهديدات قائلة “يمكنهم الاستمرار في استهدافي، لكنهم لن يمنعوني أبدًا من القتال من أجل عالم أكثر عدلاً” على حد تعبيرها.
ماذا عن معاناتها العنصرية مع النواب الجمهوريين وزعيمهم ترامب؟
كانت عمر هدفًا قديمًا لدونالد ترامب، إذ انه طوال حملته الانتخابية الرئاسية في العام 2020، هاجمها ساخراً، كقوله أنها “تخبرنا كيف ندير بلدنا”، كما صورها على أنها غازية أجنبية على الرغم من كونها مواطنة لأكثر من عقدين.
ولم يتوقف ترامب عند هذا الحد، بل المخزي أنه ذهب بعيدا في تحقيرها بعدما أطلق خلال تجمع حاشد في عام 2019 الهتاف الشهير “أعيدوها” (الى بلدها قبل التهجير).
المثير للاشمئزاز أن الحشد الذي كان يخطب به ترامب، صاح بأنه يجب إعادة عمر إلى البلد الذي فرت منه، لمدة 13 ثانية كاملة. فضلا عن ذلك اتهمها ترامب بمعاداة السامية و”كراهية اليهود”، وهذا وحده كفيل بتأجيج حملات الكراهية ضدها.
في المحصّلة، إن طرد عمر لا يختلف مطلقًا عن سياسات الترهيب وكمّ الأفواه كما تفعل تمامًا الأنظمة الديكتاتورية التسلّطية ضد سياسييها وشعوبها لتطويعهم وترهيبهم، فضلًا عن أنه يشكل إدانة للنظام السياسي الأمريكي الذي ما زال يحمل في أحشائه بذور العنصرية المقيتة التي يبدو أنها تنمو مع كل جيل من السياسيين الأمريكيين. إنها الديمقراطية الأميركية المزيّفة بأفضح صورها.
المصدر : موقع العهد الاخباري
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع