ماذا تبقّى من مبادرة “السلام” العربية؟
إيهاب شوقي*
ربما لم يمثل الصمت الإماراتي عن مجزرة العدو الإسرائيلي في جنين ولا حتى الإدانة الإماراتية لعملية القدس البطولية، صدمة أو مفاجأة، بعد التوسع الإماراتي الكبير غير المبرر في التطبيع ومع الشروع في تدريس أكذوبة الهولوكست في المدارس الإماراتية.
كذلك لم تشكل الإدانات التركية أو المصرية أو الأردنية أو البحرينية مفاجآت، مع وجود علاقات تطبيعية واتفاقات وتفاهمات مع العدو، ناهيك عن أزمات اقتصادية تجعل من هذه الدول مرتهنة للمؤسسات الدولية والتي تشكل مهادنة الصهاينة ومعاداة المقاومة أهم بواباتها الرئيسية.
لكن ما كان بارزًا إلى حد كبير هو الموقف السعودي، حيث كانت السعودية في غنى عن بيانها الذي ساوى بين عملية القدس ومجزرة العدو، خاصة وأن السعودية لم تعلن رسميًا بعد عملية التطبيع وتحرص دوما على النفي الرسمي لكل ما يرشح من لقاءات مع العدو، كما أنها لا تتعرض لضغوط من مؤسسات دولية، مما يجعل من البيان السعودي تقاربا مجانيا مع العدو ومغازلة مكشوفة.
ولكن السؤال الآن هو حول مصير ما يعرف بمبادرة السلام العربية، وهي مبادرة سعودية بالأساس، أطلقها الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز، والتي هدفها المعلن إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع الكيان.
هذه المبادرة كانت في عام 2002، وتم الإعلان عنها في القمة العربية في بيروت، وبرغم تخليها عن الثوابت واعترافها بالعدو، إلا أنها نالت تأييداً عربياً. ورغم هذا التفريط العربي الذي حملته المبادرة، إلا أن العدو لم يعرها اهتمامًا، وقابلها باستهانة وبمزيد من الابتلاع للحقوق، والأدهى والأمر، هو أن العرب وسعوا عمليات التطبيع المجاني رغم تجاهل العدو للمبادرة، بمن فيهم الدولة صاحبة المبادرة، وهي السعودية والتي ألمحت لشروط للتطبيع بعيدة كل البعد عن روح المبادرة وبنودها.
ولإنعاش الذاكرة حول المبادرة، يمكننا التذكير باختصار ببعض ما ورد فيها:
يطلب المجلس من “إسرائيل” إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي أيضا، كما يطالبها بالقيام بما يلي:
– الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو (حزيران) 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.
– التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
– قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو (حزيران) في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
والسؤال الآن هو: ماذا تبقى من هذه المبادرة؟ وكيف يجرؤ العرب على الإعلان عن تبنيهم رسميا لها إلى وقتنا الراهن؟
والسؤال الأهم هو عن الموقف السعودي، والذي وصف المغتصبين للقدس والساعين لطرد العرب منها وتهويدها بالكامل بأنهم مدنيون، وأن المقاومة ضدهم تعد إرهابا يستوجب الإدانة السعودية!
ألم تكن العملية في القدس الشرقية التي ترفع الأنظمة العربية لافتة أنها عاصمة الدولة الفلسطينية؟
الا تعد مستوطنة مقامة على عاصمة فلسطين بمثابة احتلال يستوجب المقاومة؟
ماذا تبقى اذًا من مصداقية الأنظمة حتى لو سلمنا بأنها مفرطة؟
باختصار شديد، وبكلمات مباشرة، فإن الأنظمة الرسمية التي أدانت عملية القدس لا يحق لها حتى التظاهر والادعاء بامتلاك الموقف (المفرط والمرفوض) وهو حل الدولتين وأن القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية.
فالعملية كانت في مستوطنة بالقدس الشرقية، أي بمنطقهم المفرّط حتى، كانت عملية دفاعية وكانت مقاومة لشطر مغتصب من شطري القدس وفقا لمنظورهم المفرّط.
معنى ذلك انهم باعوا القدس كاملة وانهم والصهاينة سواء، وهو ما يتطلب موقفًا رسميًا من الفصائل والدول التي لم تفرّط بعد، وعلى الأقل يتم وضعه في حسابات من لا يزال يحمل بعض رهانات ولو على أنصاف مواقف من هؤلاء.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع