نصر القريطي

في زحمة ارهاصات هذه الحرب المشتعلة منذ ثمان سنوات قد تختلط علينا الكثير من المفاهيم بما في ذلك حقيقية موقفنا الراسخ تجاه الولايات المتحدة الأمريكية..
منهجية كرهنا للأمريكان ليست مرتبطةً بمفاهيم عقائدية فقط كما يحاول ان يحصرها البعض في هذا الجانب من الاختلاف العقائدي..
في مقالٍ نشره “معهد بروكينجز” للأبحاث والدراسات يقول السياسي الأمريكي المخضرم “بروس ريدل” ان العداء المنهجي للحوثيين ضد الامريكان دفعهم للعب دور المدافعين الوطنيين عن بلادهم في مواجهة دولة جارةً غنية مدعومة بصورةٍ كليةٍ من واشنطن..
هذا الطرح يمثل الحقيقة لكنه يتسامى فوق أسباب هذا العداء المنهجي للأمريكان الذين كانوا بالأساس أصحاب القرار في شن هذه الحرب العدوانية على بلادنا وللأسف أنهم لا يزالون السبب الرئيسي وراء عرقلة كل جهود السلام القائمة والمنتظرة..
الحقيقة ان عداءنا لواشنطن هو نتاجٌ للعديد من المقدمات السلبية المنتظمة التي مثلت السياسات الدائمة للحكومات الامريكية المتعاقبة تجاه بلداننا وشعوبنا لأكثر من ثمانية عقود..
عداؤنا للأمريكان هو نتيجة حتمية لجملة الجرائم الممنهجة والمبرمجة التي يرتكبها الساسة والعسكر في العاصمة الامريكية بحق شعوب هذه المنطقة بصورة عامة وبحق شعبنا خلال سنوات هذه الحرب على وجه الخصوص..
الأكثر أهميةً وهو ما يجب ان يبقى حاضراً دوماً في وعينا وتوجهنا نحو المستقبل ان الاستهداف الأمريكي المباشر لليمن ليس وليد هذه الحرب فقد شهد العقدين الأولين من الألفية الثانية جملة من المؤامرات والاعتداءات الامريكية على السيادة اليمنية التي توجت لاحقاً بهذه الحرب الشاملة..
ومثّلت عمليات التدمير الممنهج لمنظومات الدفاع الجوي بإشراف مباشر من الاستخبارات الامريكية وكذا اغتيال واستهداف ضباط القوات الجوية وعناصر الاستخبارات احد أهم مقدمات اضعاف المنظومة الدفاعية لهذا البلد ناهيك عن اقحام الجيش اليمني في حروبٍ عبثية استهلكت الكثير من مخزونه الاستراتيجي واوجدت شرخاً بنيوياً في منظومة السلم الاجتماعي..
حينما يربط البعض العداء للولايات المتحدة في بنيتنا الفكرية بنظرية المؤامرة فإن ذاك ليس اكثر من تسطيحٍ للحقائق وتهميشٍ لكل ما يجري على هذه الأرض من جرائم منذ عقود..
بالنسبة لنا فإن الأمريكان مثلهم مثل غيرهم من الشعوب التي تنتمي لعقائد نختلف معها لكننا لا نعاديها إلا حينما تصبح هذه المناظرة واجباً شرعياً وواقعاً مشروعاً للدفاع عن النفس وكذا الحق في الحياة والعيش بكرامة..
ألا تمثّل الملفات الإنسانية المطروحة اليوم على طاولة التفاوض المدخل الرئيسي لإنهاء هذا العدوان وبالتالي فإن العبث بهذه الملفات وخلط أوراقها ليس له سوى مدلولٍ واحد هو الرغبة في المزيد من استثمار هذه الحرب وإطالة أمدها..
وفقاً لـ”ريدل” فإن الولايات المتحدة دعمت ولا تزال الحرب السعودية على اليمن والتي مثلت الغارات الجوية والحصار والعقاب الجماعي لشعب بأكمله المثلث الرئيسي لها..
يقول رجل الاستخبارات الامريكية ومنظرها لأكثر من ثلاثة عقود ان البحرية الامريكية تواصل اعتراض السفن في البحر الأحمر مدعية انها تعمل على تهريب الأسلحة من إيران الى قوات صنعاء..
ويضيف أن الواقع يؤكد ان واشنطن هي شريكٌ رئيسيٌ في الحصار السعودي الإماراتي على اليمن..
إنها الحقيقة التي لم يعد الإعلام الأمريكي والغربي قادراً على القفز فوقها والتغطية على آثارها اللا إنسانية الاجرامية..
ان الحصار الذي تفرضه قوى العدوان على بلادنا بدعم وشراكة أمريكية بريطانية غربية كاملة هو السبب الرئيسي في اكبر كارثة إنسانية من صنع البشر وفقاً لتقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني..
لا تملك السعودية ولا الامارات القدرة على حصارنا بحراً وجواً وبصورةٍ شبه كاملة دون شراكةٍ ميدانيةٍ فاعلة من واشنطن فكل ما تفعله بوارج وسفن الامريكان هو حصارٌ لهذا الشعب بأكمله..
في الوقت الذي تدعي فيه البحرية الامريكية أنها تكافح الإرهاب والتهريب في مياهنا الإقليمية والدولية لكن كل ما تقوم به في الحقيقة هو قرصنة واعتراض شحنات الغداء والدواء وامدادات الطاقة الرئيسية التي تمثل شريانات الحياة الرئيسية لأي بلد..
يشير الكاتب إلى أن العداء اليمني للأمريكان مرتبطٌ بكل الجرائم التي ارتكبت في هذه الحرب والتي تشاركها الأمريكان مع السعوديين كما يتشاركون أيضاً كره اليمنيين للأنظمة الحاكمة في واشنطن والرياض..
أنها الحقيقة التي تأبى الفطرة الإنسانية السليمة إلا المضي وفق ظواهرها والتي تؤكد أننا لا يمكن ان نحب من يكرهنا ولا يمكن ان نكون سعداء برؤية قتلة أطفالنا ولا يمكن ان نتسامح مع من يحاصرنا ويمارس سياسة العقاب الجماعي للملايين من شعبنا دونما وجه حق..
في ختام مقالته يدعو السياسي الأمريكي الذي عمل مستشاراً لأربعة رؤساء أمريكيين متعاقبين الى ان تكون الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة هي تبني قرارٍ أمميٍ جديدٍ في مجلس الأمن ينص على رفع الحصار الكامل عن اليمن وضمان حرية التنقل الدولي لليمنيين..
مشدداً ان على واشنطن ان ارادت أن تكون شريكاً رئيسياً للسلام في هذا البلد ان توقف الحصار وأن تعمل على ادخال المساعدات لليمنيين..
خلاصة ما نريد ان يفهمه الآخرون اننا لا نكره الأمريكان لمجرد انهم من هذا البلد أو حتى لانهم شركاء رئيسيون للصهيونية العالمية وحاضنة خصبة لكل توجهاتها المعادية لنا كعربٍ وكمسلمين..
إن كل ما نتعرض له من حربٍ وحصار مرتبط بـ”البيت الأبيض والبنتاجون” قبل ان يكون مصدره قصر الدرعية أو قصور مشيخة عيال زايد الزجاجية..
اننا كشعبٍ يمنيٍ نكره السياسات الامريكية المعادية لبلادنا والتي لا تكتفي بالعداء لنا فقط بل تشارك بدورٍ رئيسيٍ ومحوري في الحرب علينا وحصارنا وقتلنا..