الغرب يكشر عن أنيابه: انتحار القيم والأخلاق
يونس عودة
لا بد لأي مراقب أن يلاحظ كيف تقاد السياسات الغربية، لا سيما عندما تطفو النزاعات بين أركان الحلف الأطلسي على قضية ما. ولأن الغرب اليوم برمّته في حيرة وارتباك على مستوى التخطيط الاستراتيجي في السياسة وادارة الحروب والمعارك العسكرية والاقتصادية وأيضًا الاجتماعية في ضوء تبعيّته العمياء للولايات المتحدة ــ المنتج الخبيث لكل الأزمات ــ بات نزيف الغرب متسارعًا على كل المستويات ولا سيما الأخلاقية منها، مع انهيار ضوابط كانت حتى الأمس ضمن محاولات بعض المستشرقين لمنع سقوطها الانتحاري.
تمكنت الولايات المتحدة بعقلها الشيطاني من إدخال دول أوروبا والدول الاسكندنافية في حالة استنزاف على كل المستويات من ضمن خطتها المركزية في السيطرة. ولعل المحور الأساسي يقوم على تدمير القيم والأخلاق، وهذا الأمر على رأس جدول الأعمال الأميركي دومًا، حيث يصح قول الشاعر العربي أحمد شوقي: “إِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ، فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا”.
ليس ما شهدته الأعوام الأخيرة من محاولات حثيثة للتطاول على الإسلام والشعائر والقرآن الكريم وعلى نبي الله الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا نتاج إحدى حلقات التدهور الأخلاقي في الغرب، وكل ما يمت إلى الإنسانية والانسان والخالق بصلة، مع أن واضعي مخطط تسيّب الأخلاق والمثل والقيم يدركون جيدًا أن التاريخ لا يمكن لأحد أن يتحكم بحركته، وانما يمكن فقط المساهمة في صنعه من جانب أولئك القادرين بقناعة على التضحية بكل شيء ولا تحكم سلوكياتهم الازدواجية، وهم الذين يدافعون عن القيم واليقين.
إن ما حصل في السويد وقبله في فرنسا والدنمارك وهولندا، وإعادة نشر الخطايا في مطبوعات في المانيا واسبانيا وإيطاليا وطبعًا مع سبق أميركي في هذا السياق الاجرامي ليس أبدًا ردة فعل أو مناسبة ما دفعت صحيفة أو كاتبًا أو رسامًا لارتكاب خطيئة بحق أمّة، أو التطاول على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانما في سياق شيطاني يستهدف الذات الإلهية لأن من يسبّ الرسول محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كأنما يسب اختيار الله عز وجل، فهو لا يتطاول على نبي الله فقط بل على الذات الإلهية.
هناك حقائق لا يمكن طمسها، ووفقًا لدراسات أجريت في الغرب تظهر أن أبـرز النتــائج مسنودة باستبيانات للرأي العام تشــكل انعكاسـًا للصــورة النمطية المشـوهة للإسـلام ولشخص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأظهرت عـدم اطلاع القـائمين على النشـر على مكانة النبي محمـد صلى الله عليه وآله وسلم لدى المســلمين فــي العـالم وأن هــذا يسـاهم فـي تعميـق مفهـوم الاسـلاموفوبيا، وما يعمل عليه الغرب منذ انهيار الاتحاد السوفياتي بشكل أكثر نشاطًا وفق منهجية قائمة على دراسة سيكولوجيا الشعوب الغربية من جهة، ودراسات أكثر شدة لسيكولوجيا الشعوب الإسلامية. ولذلك أطلقت مصطلحات الاسلاموفوبيا والملامح الشرق أوسطية أو آسيوية مع كل حادث يقع في الغرب حتى قبل التحقق من الأمر.
في الواقع إن الحملة التي تستهدف الإسلام حاليًا بموازاة الأزمات الغربية وحروبها الخاسرة في العالم ليست جديدة، وهي ما إن تشتد حتى تخبو منذ ما قبل الحملات الصليبية، لا بل منذ هبوط الوحي على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لا سيما مع هزيمة الفاشلين في المحاججة العلمية قبل الدينية، فيما يتطلب نشره فقط تحت عنوان “حرية الرأي” دون الوعي بأن الإسلام ليس نظام حكم يحركه السياسيون أو الاعلام.
إن الذين يثيرون الفتنة اليوم هم من انتاج المصنّع نفسه الذي انتج تنظيم “داعش”، وهو الذي وضع التزييف في الإسلام بما يتواءم مع الإرهاب لأنه مدرك أن الأزمة لم تكن يومًا في الإسلام ونبيّه بل بالعمل على نسف جوهر المفاهيم، وانتحار الأخلاق. وما الخطيئة التي سمحت بها السلطات السويدية المتمثلة بحرق المصحف الشريف قرب السفارة التركية إلا في سياق الإرهاب المعتمد في سياسة الغرب عمومًا، والخطوة – الخطيئة في توقيتها مع تمنع تركيا عن الموافقة على انضمام السويد الى الحلف الأطلسي تهدف الى ترهيب المسلمين جميعًا مع رسالة إلى أنقرة، وكأن القرآن الكريم فقط لمسلمي تركيا التي ردت على استفزازها بإلغاء زيارة وزير الدفاع السويدي التي كانت مقررة إلى تركيا وتعليق اجتماعات أخرى.
هناك 57 دولة تقول بالإسلام دينًا وهي الدول المنضوية تحت سقف منظمة التعاون الإسلامي، إلا أن هناك دولاً ذات غالبية من المسلمين وليست من أعضاء هذه المنظمة، وكلها أبدت ردود فعل مستنكرة وتوصيفية لا أكثر، أي لم تكن ردود فعلها على مستوى الخطيئة بحقها وبحق شعوبها، فكيف سترتقي إلى مكانة الدفاع عن الدين والعزة الإلهية ولو بالمطالبة بطلب الغفران؟.. والله غفور رحيم.
إن رد الفعل في الدول العربية التي تدرك أن القرآن أنزل عربيًا يذكّر ببيانات الاستنكار لاحتلال فلسطين ومعراج الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
والغريب استخدام العبارات نفسها بأن “ما جرى مشين” و”يؤجج مشاعر الكراهية والعنف” و”يجب اعلاء قيم التسامح ومنع الإساءة” الخ.. من دون أن يأتي أي منهم بكلمة تلوح باجراء ولو من باب رفع العتب. وهذا أقرب إلى التواطؤ تمامًا مثل ما يفعل “مطبعو الابراهيميات” الذين يطلقون تصريحات عن الدولة الفلسطينية المرتجاة لكنهم باتوا شركاء الكيان المؤقت في الأمن والسياسة والاقتصاد مع التطبيع النفسي مع عدو الأمة مقابل خطاب كريه ضد فئات من أبناء جلدتهم.
إن الخطاب العربي عمومًا لا يقارب القرآن الكريم الذي أنزل عربيًا، لا بل هو مجرد محاولة لفت النظر بأن يؤخذوا ولو برمشة من عين الاعتبار، علمًا أن لدى العرب أوراقًا كثيرة يمكن أن تكون إجراءات رادعة وقادرة على الاستفزاز، الصمت المغطي للخطيئة من الدول الغربية وحكوماتها وأحزابها وتياراتها الدينية الساكتة عن الحق، والساكت عن الحق شيطان أخرس، ليس فقط خوفًا من غضب الشيطان الأكبر وانما أيضًا جريمة، في وقت اعتبر الشيطان نفسه – أي الولايات المتحدة – أن حرق القرآن يمكن أن يحد من توسع الناتو – أي ضم السويد وفنلندا للحلف ضمن العمل على تطويق روسيا، وهو ما تتمنع تركيا عن الموافقة عليه بسبب سماح الدولتين المذكورتين للمعارضة التركية ولا سيما الاكراد بنشاطات معادية لتركيا على أراضيهما ومنها.
من المدهش أن يكون تشخيص الكنيسة الروسية للخطيئة أرفع مستوى من الخطاب العربي، واعتبارها عملية حرق القرآن أمام السفارة التركية في ستوكهولم، “عملا تخريبيا غير مقبول”، وأنه لا يمكنك الاستهتار بما هو مقدس لشخص آخر، لا يمكنك تجاوز حدود الإنسانية وإهانة الأضرحة الدينية في صراع سياسي.
فيما قال نائب رئيس قسم السينودس للعلاقات الكنسية مع المجتمع إن تدنيس الأشياء المقدسة موجه ضد جميع المؤمنين ومحاولة لفرض نظرة عالمية لا مكان فيها لاحترام الأضرحة الدينية، بغض النظر عن الدين الذي تنتمي إليه. والملفت في السياق أن المتطرف راسموس بالودان، هدد بتنظيم تجمع أمام السفارة الروسية في ستوكهولم، واحراق نسخة أخرى من القرآن الكريم كعنصر استفزاز لروسيا والكنيسة الشرقية أيضا .
بلا شك أن الحكومات الغربية كلما اصطدمت بأزمة يصعب معالجتها أمام شعوبها، تلجأ خوفًا من الانقسام الداخلي للمس بمحرمات دينية مصحوبة باثارة مخاوف تحاكي الغرائز التي غرستها في معتقدات “الديمقراطية “على أمل منها أنها تدفع الناس للالتفاف حولها دفاعًا عن الأكاذيب التي تم تنشئتهم عليها، وباتوا يعتقدون أنها حقائق باعتبار من شبّ على شيء شاب عليه.
إن الغرب مصاب بمرض عدم فهم الواقع ولا جذور الثقافات التي تستفيق كبراكين تعتبر خامدة عند الملمات، وهذا يعمّق مآزقه المتعددة، بدءًا من التدهور العميق للمجتمع الأوروبي.. وما يتم تقديمه على أنه مظهر من مظاهر حرية التعبير وحرية الدين، فيما هو في الواقع ليس أكثر من انتهاك بربري للقيم الروحية للبشرية واستهداف لجميع الأديان والقيم ومعبر لمظاهر العنصرية وكراهية الأجانب وخصوصًا الإسلام.
- المصدر: موقع العهد الاخباري
- المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع