علي ظافر

 

بعد الحراك الدبلوماسي النشط العماني والسعودي والأممي والنقاشات الثنائية التي شهدتها صنعاء الأسبوع الماضي، كثرت التكهنات والتحليلات والتسريبات حول مخرجات اللقاءات التي وصفتها صنعاء بالإيجابية، وذهب البعض نحو استنتاجات أبعد من الواقع بكثير.

بعيداً من تلك التكهنات، تفيد مصادر مطلعة بأن وفداً سعودياً يترأسه السفير محمد آل جابر قدم إلى العاصمة صنعاء بالتزامن مع وصول الوفد العماني الأسبوع المنصرم، وجرى نقاش عدد من الملفات الإنسانية، أبرزها ملف المرتبات لجميع الموظفين من الإيرادات النفطية لليمن، وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة بنحو تام، وإنهاء ملف الأسرى…

وبعد 4 أيام من النقاشات المكثفة، تم الخروج بأفكار وصفتها صنعاء بـ”الإيجابية” حول الملف الإنساني. وقد حمل الوفد السعودي، وكذلك الوسيط العماني، تلك الأفكار وتولّيا نقلها إلى قيادتهما وإلى أطراف العدوان، وخصوصاً القيادة السعودية، ولا تزال النقاشات جارية ومستمرة بانتظار الرد السعودي.

ومن خلال هذه المعلومات، يتضح أن لا شيء محسوماً حتى اللحظة، وأن الأفكار التي وصفتها صنعاء بالإيجابية لا تزال قيد الدراسة لدى دول العدوان، ولم يُصَر بعد إلى الاتفاق، فيما لا يزال النقاش مستمراً والاحتمالات مفتوحة بانتظار الرد السعودي ليُبنى على الشيء مقتضاه، فإما يتم التوصل إلى نقاط التقاء، ومن ثم إلى اتفاق تعلنه الأمم المتحدة، أو تتحول المنطقة إلى ساحة معركة.

الملف الإنساني: ممر إجباري نحو السلام

من الواضح أن السعودية في هذه المرحلة، على وقع المتغيرات الدولية والأزمات العالمية، محكومة بأولويات ثلاث، وهي مضطرة إلى إعادة ضبط علاقاتها وسياساتها الخارجية. تتلخّص هذه الأولويات بالآتي:

– تصفير المشاكل من خلال الحوار مع المحيط العربي والإسلامي.

– التوجه نحو تنمية الاقتصاد السعودي والاستثمارات الداخلية والخارجية.

– تأمين الطاقة (مصادرها، ومنابعها، وطرقها البحرية).

هذه الأولويات الثلاث، وخصوصاً الاقتصادية، تتطلب حواراً وتصفيراً للمشاكل، ونقطة البداية من اليمن، وليس من أي مكان آخر. إذا أرادت السعودية تحقيق أولوياتها، فعليها أن تستجيب فوراً وبنحو سريع لأولويات الشعب اليمني.

ونحن نعتقد أنّ السعودية لم تعد تملك كثيراً من الخيارات في هذه المرحلة الحرجة، وهي بحاجة ماسة إلى التهدئة في اليمن، و”إيجاد سبيل لإعادة الهدنة في اليمن، والعمل على تحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار”، بحسب ما كشفه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان خلال لقاء جمعه الأربعاء بالممثل الأممي هانس غراندبرغ.

ربما يقدم ذلك تفسيراً للحراك الدبلوماسي غير المعلن للوفود السعودية ذهاباً وإياباً إلى صنعاء (3 مرات منذ تشرين الأول/أكتوبر العام المنصرم). ومن الإيجابي أن تبحث السعودية عن مخارج من ورطتها، وألا تستمر بالمكابرة إلى ما لانهاية، لأنَّ تجربة السنوات الثماني الماضية لا تشجعها على الغرق في المستنقع اليمني إلى ما لانهاية.

 

السبيل الوحيد لتمديد الهدنة وتوسيعها

يبدو أنَّ الهوة لم تُردم بنحو نهائي، وإن اتَّسم المسار الدبلوماسي بنوع من الإيجابية والتفاؤل الحذر، ذلك أن السعودية وواشنطن تحرصان على تجميد العمليات العسكرية اليمنية والوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار عسكرياً، مع استمرارهما في الحرب الاقتصادية والإنسانية.

وإن افترضنا جدلاً بأن هناك تحولاً نسبياً في مقاربة الرياض لحل الأزمة في اليمن لناحية الاستجابة لمطالب صنعاء، فإنّ واشنطن، في موازاة ذلك، تتعامل بانتهازية مع الملف اليمني، فهي تريد تجميده متى تشاء، وإشعاله متى تشاء وفقاً للمصلحة من ناحيتين: استمرار إمدادات النفط وبيع صفقات الأسلحة، وتكريس الحضور العسكري الأميركي في المنطقة.

وبعيداً من ذلك، فإن صنعاء تصرّ على أولوية إنجاح الملف الإنساني، كممر إجباري للعبور نحو السلام العادل والشامل، ولن يكون ذلك، وفق مصادر سياسية في صنعاء، إلا بتسليم عائدات المرتبات من النفط والغاز لمصلحة المرتبات والخدمات لكل الموظفين والمواطنين من المهرة إلى صعدة، ومن دون استثناء، ورفع الحصار بشكل تام عن مطار صنعاء وميناء الحديدة وحل ملف المرتبات، كخطوات تمهيدية تليها خطوات لإعادة إعمار كل حجر دمره العدوان في اليمن، مع جبر الضرر والتعويض للمتضررين، ليصار بعد ذلك إلى مفاوضات سياسية شاملة بين الفرقاء اليمنيين، وأي مقاربات من خارج هذا السياق تدفع الأمور نحو انسداد جديد.

 

مهددات التفاهم بين صنعاء والرياض

من المتوقع أن تتفق الأطراف على تمديد الهدنة وتوسيعها، وهذا ما تقتضيه المصلحة الاقتصادية السعودية والمصلحة الإنسانية في اليمن، وهذا عين الحكمة والمنطق بلغة المصلحة، وليس بمنطق المنتصر والمهزوم.

وفي موازاة ذلك، فإن هناك عدداً من المؤشرات يهدد هذا المسعى، من أبرزها:

– تسلّم القوات البريطانية مهام القوة 151 في البحر، وفرضية تعزيز الحصار الاقتصادي على اليمن.

– تحديات التسلسل فيما يتعلق بالقضايا العالقة، وكذلك المخاوف بشأن الضمانات لجميع الأطراف، وفق ما أدلى به الممثل الأممي في إحاطته.

– استمرار التحريض الأميركي لدول العدوان بالاستمرار في عدوانها العسكري وحصارها ومحاولة عسكرة الملف الإنساني. هذا الأمر ظهر في الكلمة التحريضية لنائب المندوب الأميركي ريتشارد ميلز في جلسة مجلس الأمن الاثنين الماضي بمحاولته عسكرة الملف الإنساني، وربط تسخير عائدات النفط والغاز ودفع مرتبات الموظفين بالحوار السياسي مع حكومة المرتزقة (حكومة المنفى) تحت رعاية الأمم المتحدة، والوصول إلى اتفاق سياسي يمني يمني حول كيفية استخدام موارد اليمن، وكذلك قوله: “لا يمكن إلا لاتفاق سياسي يمني يمني أن يعكس الأزمة الإنسانية الرهيبة في اليمن”.

– بيان البيت الأبيض التحريضي ضد صنعاء بالتزامن مع ذكرى عملية إعصار اليمن الأولى باتجاه الإمارات، في مسعى لتوريط الأخيرة مجدداً وتشجيعها على مواصلة العدوان وعرقلة جهود السلام الحالية، على أن “أمن وسلامة الإمارات وغيرها يتحقَّق بتشجيعها على السلام وإنهاء وجودها العسكري وشراكتها في العدوان، وليس بالتعهّد الأميركي بحمايتها”، وفق وزارة الخارجية اليمنية التي اعتبرت أنَّ “الانخراط في جهود السلام العادل والدائم هو الخيار الوحيد لأمن المنطقة”.

إذاً، هناك فرص وتحديات أمام أي اتفاق قادم، ولا تزال هناك مفارقة وهوة بين المقاربات، وخصوصاً الإقليمية والدولية، وكلٌ ينظر إلى الأمور من زاويته ومصلحته، ولا سيما الأميركي، فهل تتجرّأ السعودية هذه المرة انطلاقاً مما تحتّمه مصلحتها وأمنها للخروج من ورطتها في اليمن والتسليم بالواقع أو أنها ستظل مجرد تابع بانتظار التعليمات والأوامر والتوجيهات الأميركية؟ هذا ما ستكشفه الفترة القليلة المقبلة.

  • المصدر: الميادين نت
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع