ايهاب شوقي

 

تبدو المعركة بين معسكر الهيمنة ومعسكر المقاومة متعددة الأبعاد والمستويات، وبالتالي هي معركة متشابكة تنطوي على محطات خطيرة.
وينشأ التعقيد من التشابك في المجالات المتعددة للمواجهة من جهة، ومن جهة أخرى تشابك التحالفات ووجود عناصر مزدوجة المصالح، أو تتميز بالمناورة بمعنى أصح، في المعسكرات المختلفة والمتصارعة.

وعلى سبيل المثال، دولة مثل تركيا بانتمائها للناتو وعلاقاتها الأخرى مع روسيا، تؤدي إلى خلط كثير من الأوراق، كما تؤدي إلى الارتباك في كثير من المعالجات الاستراتيجية لجميع الأطراف.

ودولة مثل باكستان بعلاقاتها المترامية الأطراف مع الصين من جهة، وأمريكا والخليج من جهة أخرى، تؤدي أيضًا إلى خلط الأوراق وارتباك العلاقات الدولية على الأقل مع غريمها التقليدي والذي يعد دولة مهمة وكبيرة مثل الهند.

وتبدو سوريا مثالًا صارخًا لهذه التعقيدات على خلفية الخلط الكبير والتعقيدات في علاقات الدول المتداخلة في الملف السوري مثل تركيا وروسيا وإيران والعدو الاسرائيلي.
وبملاحظة الوضع الراهن للتوازنات والذي فرض حالة من حالات اللا سلم واللا حرب، وبملاحظة أن التسويات والتفاهمات تبدو بعيده المنال، فإننا أمام حالة يمكن توصيف ملامحها كما يلي:

أولًا: تكاد تتشابه الرهانات بين المعسكرات المختلفة في الشكل وإن اختلفت في المضمون.

وللتوضيح فإن الرهانات الأمريكية والروسية تقوم على فض التحالفات شكلًا، بينما مضمونًا تهدف أمريكا لاستمرارية الهيمنة، على عكس الروس الهادفين لتعدد الأقطاب.
وبينما تراهن أمريكا على فض التحالفات الروسية الإيرانية الصينية عن طريق الضغوط والحصار وإطالة أمد المعركة واتباع سياسة الاستنزاف،
فإننا نجد أن الرهانات الروسية تقوم على خراب التحالف بين أمريكا وأوروبا على خلفية الأزمة الاقتصادية في أوروبا وأزمات الطاقة والتهديدات الأمنية المتولدة نتيجة تداعيات التدخلات العسكرية والمساعدات لأوكرانيا بما ينذر باتساع جبهة المعارك وانزلاقاتها.

ثانيًا: ما ينطبق على العنوان العام للصراع، ينطبق أيضًا على العناوين الفرعية والملفات المختلفة.

فمثلًا، وفي الملف السوري هناك رهانات أمريكية إسرائيلية على الوقيعة بين روسيا وتركيا من جانب، وروسيا وإيران من جانب آخر، بينما تراهن المقاومة على الصمود وتثبيت المعادلات وقواعد الاشتباك، بما يرفع من كلفة التحالف الأمريكي الصهيوني ويفشله ويفقده جدواه ويجعله عبئا.

ثالثًا: السبب الرئيسي لحالة اللا سلم واللا حرب بين المعسكرات، هي حالة التوازن التي فرضتها معادلات المقاومة بما امتلكته من قوة وبصيرة وحنكة كبيرة، وهو ما ولد معركة كبرى للإرادة، تميزت من جانب معسكر المقاومة الواسع بالصمود والشجاعة وجدية المواجهة للحصار والمؤامرات ووضع خطوط حمراء وأسقف لحالة الحصار والتجويع والمؤامرات التي ميزت السلوك الصهيو-أمريكي في سياق حربه الضروس والتي يجبن فيها عن المواجهات المباشرة.

وهنا نجد أن أهم ما يميز مستقبل الصراع، هو استمرار التآمر والحصار ومحاولات الوقيعة وفض التحالفات بين زملاء المحور المقاوم والحفاظ على الشعرة الدقيقة بين الحرب واللا حرب.

وعلى جانب المقاومة، فإنها لن تسمح بتجاوز الخطوط الحمر والعبث بقواعد الاشتباك، كما أنها ستحتفظ بحكمتها وبصيرتها وعدم الانجرار للاستفزازات.
ونظرا لتميز الأوضاع الداخلية في معظم بلدان المنطقة بحالة من حالات الحرج البالغ على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وتداعيات ذلك على حالات الاستقرار الداخلية وانعكاساتها على الاستقرار السياسي، فإن طول الرهان على الحصار، هو بمثابة المقامرة والمجازفة غير المحسوبة؛ لأنها قد تؤدي إلى اختراق الحواجز بين المسموح به وغير المسموح به في معادلات المقاومة ومقاربتها للصراع.

أي أن استمرار الرهان على سياسة حافة الهاوية قد ينزلق إلى الهاوية بسبب اختلال مقود التحكم الذي يبدو أن أمريكا بدأت تفقد السيطرة عليه بتماديها في السياسات الحمقاء، وعدم استيعابها، أو بالأحرى مكابرتها وعدم اعترافها بالتوازنات المستجدة.

ولا شك أن الشعوب تدفع ثمنًا باهظًا وسط هذه المعركة، وهو ما يفرض عليها أن تخرج من حالة السلبية والاستسلام لتقول كلمتها المنحازة إلى المقاومة، والرافضة للحصار، وهي لا شك تميز بين المعسكرات وتميز جيدًا بين من يراعي مصالحها ويعمل لها، وبين من يتجاهل مصالحها خدمة لمصالحه الشخصية، أو كموظف لدى الاستعمار وقوى الهيمنة والاستكبار العالمية.

  • المصدر: موقع العهد الاخباري
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع