(مدونة صحيفة”mediapart” الفرنسية, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

على مدى أربع سنوات تقريباً، يعيش اليمن تحت وابل من الغارات الجوية التي تشنها عليه قوات دول التحالف العربي المنضوية تحت قيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، فهذا النسيج هو المسؤول عن ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية, وبالرغم من ذلك تواصل دول التحالف سعيها الدؤوب في ابرام صفقات بيع الاسلحة مع قصر الاليزية الفرنسي الذي بدوره ينتهك التزاماته الدولية, بما في ذلك المادة 6 من معاهدة تجارة الأسلحة.

تواصل جميع الأطراف المنخرطة في حيثيات الصراع اليمني في إغراق السكان في شرك أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم والتي اسفرت عن سقوط أكثر من 60 الف شخص منذ اندلاع الصراع في أواخر مارس من العام 2015 ، وبالرغم من ذلك, لم يتم تسليط الضوء بشكل كبير على مدى خطورة هذا الوضع, حيث أكدت التقارير الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة, إن نحو 22 مليون شخص من أصل 29 مليون نسمة بحاجة ماسة للمساعدات الأمن الغذائي هذا العام في اليمن، منهم أكثر من 12 مليون شخص أصبحوا على حافة الموت جوعاً.

كما يواجهه ما يقرب من 240 الف شخص “مستويات كارثية جراء نقص المواد الغذائية”, إذ يعج اليمن بأكثر من 250 منظمة عمل إنساني تعمل فيه, ومن جانبها صرح مجموعة الخبراء التابعة للأمم المتحدة إن ملايين المدنيين يعانون أيضا من “النتائج السلبية المدمرة” جراء القيود التعسفية التي تفرضها قوات التحالف العربي على عمليات النقل والشحن البحري والبري والجوي.

كان من المفترض أن تمنع سيطرة قوات التحالف على السفن تهريب الأسلحة إلى الجماعات المسلحة  ولكنها أصبحت بحكم الامر الواقع “حصاراً فعلياً” طال الضروريات الأساسية مثل المواد الغذائية والدوائية والوقود.

تسلط القرارات الأخيرة، التي اتخذتها دول أوروبية مثل ألمانيا وفنلندا والنرويج وهولندا وسويسرا بتعليق صادرات الأسلحة إلى دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة, الضوء على حكومات تلك الدول من خلال حشد جزء من المجتمع المدني، بما في ذلك البرلمانيين والمنظمات غير الحكومية التي تتناول الأسئلة التي يطرحها القانون الدولي ولاسيما فيما يخص قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من حيث المسؤولية.

وعلى الرغم من ذلك، فإن حكومات أخرى وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا العظمى, لم تعمل على بيع كل أنواع المواد الحربية إلى دول التحالف العربي فحسب، بل فهي تعمل كذلك على إسداء المشهورة والتدخل بشكل مباشر على ارض الواقع.

فمنذ بداية مشاركته في الحرب اصبح التحالف الذي تقوده السعودية ودولة الإمارات، هو المسؤول عن الانتهاكات الخطيرة والجسيمة التي طالت اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية الموقعة في العام 1949، التي تضم أكثر القواعد أهمية للحد من همجية الحروب.

ووفقا للتقرير المفصل الذي تقدم به فريق لجنة الخبراء التابع للمفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في أغسطس من العام  2018، فقد اعزى سقوط معظم الضحايا المدنيين في اليمن إلى الغارات الجوية والعمليات العسكرية التي تنفذها قوات التحالف العربي.

وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، جعلت هذه الغارات الجوية التي تستخدم فيها الأسلحة الذكية على المناطق السكنية والأسواق، والجنازات، وحفلات الزفاف، والسجون، والزوارق الصيد المدنية والمستشفيات والمرافق الطبية في مرمى نيرانها, ناهيك عن انتهاج قوات التحالف العربي في بعض الغارات نهج “الضربات الجوية المزدوجة” بهدف استهداف مركبات إسعاف الجرحى وهذا يعد مصدر قلق كبير للمجتمع الدولي.

كما يتهم تقرير فريق لجنة الخبراء قوات التحالف العربي الذي تقوده الرياض بالفشل بشكل منهجي في تحديد قائمة الاهداف المدرجة عسكرياً وتعدتها لتستهدف أكثر من 30 ألف موقع في اليمن من مخيمات للاجئين ومستشفيات.

كما تطرق الفريق أيضاً إلى أن القوات الجوية السعودية رفضت التعاون مع المحققين الدوليين فيما يتعلق بإجراءات الاستهداف الخاصة بهم, ناهيك عن توصل لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي حول اليمن إلى نتائج مماثلة في يناير من العام المنصرم.

هناك أدلة تزداد يوماً بعد يوم على أن هذه الأعمال – الغارات الجوية – تنتهك مراراً وتكراراً المبادئ الأساسية للتمييز والتناسب والاحتراز فيما يخص القانون الانساني في سير الأعمال العدائية، والتي تشكل انتهاكات خطيرة لاتفاقيات جنيف لعام 1949 التي يمكن أن تشكل جرائم حرب أو حتى جرائم حرب ضد الإنسانية.

ومن جانبه, أشار مدير منظمة اليونيسف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جيرت كابيلير: “منذ توقيع اتفاقية استكهولم في 13 ديسمبر 2018، لم تكن هناك أي تغييرات حقيقية بالنسبة لحياة الأطفال في اليمن, فمنذ توقيع ذلك الاتفاق، لا يزال يقتل أو يجرح ثمانيه أطفال كل يوم، حيث أن معظمهم هؤلاء الأطفال يلعبون في الخارج مع الأصدقاء أو عائدون من المدرسة أو ذاهبون اليها, وذلك بحسب صحيفة “الجارديان البريطانية، في عددها الصادر في 26 فبراير 2019.

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية, وفرنسا, وإيطاليا والمملكة المتحدة من بين الدول الموقعة على معاهدة تجارة الأسلحة, وعلى هذا النحو، يتعين على هذه الدول أن تحترم جوهر  وأهداف هذه المعاهدة, بالإضافة إلى وضع أعلى المعايير الدولية المشتركة والممكنة لتنظيم وتحسين التجارة الدولية للأسلحة التقليدية والحد من المعاناة الإنسانية, حيث أن الحكومات الفرنسية, والإيطالية, والبريطانية أطراف موقعة على معاهدة تجارة الأسلحة وبالتالي, يتحتم منها احترام جميع بنود المعاهدة, إذ تشمل هذه الالتزامات حظر نقل أي أسلحة إذا كانوا يدركون أنه يمكن أن تستخدم هذه الأسلحة أو الممتلكات لارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي أو جرائم حرب دولية.

ومن جانبه, فقد كان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بطيئاً وحزبياً بشكل خاص في قراراته المتعلقة بالحرب في اليمن, ففي العام 2013، أدان مجلس الأمن الدولي عمليات النقل غير القانونية للأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة, بالإضافة إلى تكديسها وإساءة استخدامها في حرب  اليمن، كما فرض في أبريل من العام 2015 حظرا على توريد الأسلحة إلى المعارضة فقط والمتمثلة في الحركة الحوثية.

كما شمل الحظر الجماعات الارهابية وذلك وقف تصنيف الأمم المتحدة لها, مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والتكفيريين من تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف ايضاً باسم تنظيم داعش في اليمن, حيث خصت بالذكر هذا التنظيم الأخير الذي جعل من مهاجمة المدنيين هدفاً نصب عينيه.

وفي يناير من العام  2018، اتهم فريق لجنة الخبراء التابع لمجلس الأمن الحكومة الإيرانية بنقل القذائف والطائرات بدون طيار التي تستخدمها قوات الحوثي في اليمن.

كما أشار فريق الخبراء إلى أنه لم يتم الإبلاغ عن أي عمليات مصادرة للأسلحة في العام 2017 عبر الممرات البحرية, حيث لم يتم سوى ضبط كميات محدودة جداً على الطرق الرئيسية, ومع ذلك، فإن مجلس الأمن لم يفرض حظرا على نقل الأسلحة إلى اليمن على هذا النحو.

والسؤال المطروح الآن بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني غير الحكومية هو: ما هي القوة التي يمكن من خلالها إجبار الدول المعنية على تعليق عمليات نقل الأسلحة إلى دول التحالف العربي المنخرطة في حرب اليمن؟ يوجد احتمالان للعمل على أقل تقدير: الأول قانوني والثاني سياسي, فعلى الصعيد القانوني، هل يمكن للمنظمات الدولية غير الحكومية التحرك ايجابيا في فرض أو بالأحرى بالضغط على حكوماتها؟ وفيما يتعلق بفرنسا، تمنح المادة 55 من الدستور الفرنسي قيمة تتخطى التشريعات على المعاهدات التي يصدق عليها البرلمان.

ففى الشكوى المقدمة من قبل منظمة أخلاقيات الأمن الجمهوري “ASER”, المتخصصة في قضايا التسلح ضد الحكومة الفرنسية, حيث أن هذه القضية أصبحت مصدر جدل على الساحة الفرنسية, أذ تطرقت إلى الحرب فى اليمن فى تقريرها الذي أستهدف وزارة الدفاع ووزارة الامن الوطني بالتواطؤ مع التحالف وهذا يعد مخالفاً للمادة 6 أو للمادة 7 ؟

وفقاً لتقارير الصادر عن المنظمة قبل العام 2015 ، فإن اللجوء إلى المادة 7 التي تنطبق فقط في حالة عدم حظر التصدير بموجب المادة 6, كان يمكن تبريره بالكامل في غياب معلومات واقعية عن قواعد التزامات دول التحالف العربي, ثم يتعين على كل دولة مصدرة للأسلحة بتقييم مخاطر استخدام الأسلحة في ضوء المعلومات التي كانت على علم مسبقاً بها.

ومع ذلك، فمنذ العام 2015، ثبت وجود انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان التي ارتكبها التحالف العربي والتي ثبت أنها تتلقى الدعم بشكل كبير وفقاً للتقارير الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة, فضلا عن تقارير المنظمات غير الحكومية.

يشرح تقرير الأمم المتحدة الصادر مطلع العام 2017 بعناية كيف يتم تكرار الهجمات التي تستهدف مرافق مدنية، مما يدل على أن إرادة دول التحالف في استهداف السكان المدنيين, ولذلك، فمن الضروري تطبيق المادة 6 من قانون معاهدة تجارة الأسلحة التي ينبغي أن تنطبق.

وبالتالي, لماذا العديد من المنظمات تقوم في أعمالها على أساس القرار المشترك للاتحاد الأوروبي-الموقف الموحد السابق- على الرغم من أن قيمته أقل من معاهدة تجارة الأسلحة؟

ولكن من خلال مفاوضات معاهدة تجارة الأسلحة، أكدنا مجددا البعد العالمي، لاسيما فيما يتعلق بمواجهة التركيز الأوروبي المدمر, لذا، يبدو أن هذا التحديد يتعارض تماماً مع روح معاهدة تجارة الأسلحة.

إن الدول فعالة للغاية في استبعاد المنظمات غير الحكومية في حججها القائمة على الموقف الموحد للاتحاد الأوروبي والمعتمدة على المادة 7 من معاهدة تجارة الأسلحة.

وفي الواقع هذه الدول تحترم عملية تقييم المخاطر، لكنها تتجنب بعناية بالغة الخوض في المادة 6 من نفس المعاهدة، والتي تنطبق بشكل طبيعي.

ومع بعض السخرية، تطلب الحكومات دليلاً على استخدام الأسلحة مع العلم أن المنظمات غير الحكومية الرئيسية العاملة في مجال حقوق الإنسان قد خفضت إلى حد كبير من أبحاثها لأسباب تتعلق بالميزانية السياسية.

من ناحية أخرى، فإن الموجز الدفاعي للأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني رداً على استيلاءنا على السلطة الإدارية في فرنسا، لا يطعن بأي شكل من الأشكال في حججنا القائمة على الفقرتين 2 و 3 من المادة 6 من قانون الإجراءات الجنائية, والذي يعتبر بمثابة اعتراف جميل في حد ذاته, إذ تنص في الواقع الفقرة 3 على ما يلي: لا يجوز لأي دولة موقعة على معاهدة تجارة الأسلحة أن تسمح بنقل الأسلحة التقليدية, إذا كانت على علم مسبقا او في وقت الإذن المطلوب، بأنه يمكن أن يتم استخدام هذه الأسلحة أو الذخائر العسكرية في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، أو جرائم حرب ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف الموقعة في العام 1949، والهجمات ضد المدنيين أو الممتلكات ذات الطابع المدني والمحمية بهذه الصفة، أو جرائم الحرب الأخرى, وهذا ما تظهره تقارير الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية بشكل لا لبس فيه منذ العام 2016.

إن معارضة الحكومة الفرنسية للاعتراف بحق المحكمة الإدارية في التفتيش بانتظام على إجراءات صادرات الأسلحة الفرنسية ومطابقتها لها هي سياسية تتعارض، من وجهة نظرنا، مع الدستور الفرنسي وكذلك مع المادة 27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات والتي تنص على:”لا يجوز لأي طرف الاحتجاج بأحكام قانونه المحلي لتبرير عدم تنفيذ المعاهدة, إذ يكشف هذا الموقف عن رؤية من القرن التاسع عشر حيث لم يكن للمواطنين الحق في حرية الرأي والتعبير”.

هذا التمثيل للمواطنة لا يحسب لبلدنا، ولكن فنحن مصممون على تطوير وإقناع القضاء بإصدار نتائج ايجابية مباشرة من خلال المعاهدة في القانون الداخلي المحلي.

تتعلق السياسة الخارجية لفرنسا بجميع المواطنين الذين يعيشون على ترابها لاسيما من حيث الأمن واحترام حقوق الإنسان.

إن العمل الذي قامت به منظمة ASER يشكل سابقة في الفضاء الفرنسي, حيث لم تجرؤ أي منظمة غير حكومية حتى الآن على تحدي الدولة بشكل قانوني في مجال التصاريح الخاصة بتصدير الأسلحة, ولكن الإجراءات القانونية للمنظمات غير الحكومية يجب أن تكون مصحوبة كذلك بتعبئة المجتمع المدني على المستوى السياسي.

إننا نتفق مع تصريحات وزارة الدفاع التي تقول إن “جميع قرارات تصدير الأسلحة من فرنسا تعتبر قرارات سياسية”, ومن هذا المنطلق نأمل أن يشترك العقل والمنطق في مشاركة المنظمات غير الحكومية الأخرى في الانضمام إلينا.