الصين أمام فرصة نادرة لقيادة العالم اقتصاديًا
السياسية:
قال الكاتب هان فيزي (إسم مستعار) في مقالة نُشرت على موقع "Asia Times" إن الصين أقدمت على خطوة كبيرة بفرض رسوم جمركية بنسبة ٣٤٪ على الواردات من الولايات المتحدة، وفرض قيود على الصادرات من المعادن النادرة، وكذلك فرض العقوبات على إحدى عشر شركة أميركية.
وأضاف الكاتب أن الصين وجهت بالتالي رسالة أنها لا تحاول أن تلتقي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منتصف الطريق، بل تسعى إلى الضربة القاضية.
وتابع أن الصين عززت موقف التفاوض لدى الجميع من خلال المبادرة إلى التحرك أولًا وبقوة، مشيرًا إلى أن الاقتصادات الأصغر حجمًا والاتحاد الأوروبي يدركان أن الصين لن تقوضها في المفاوضات، مردفًا أن التحرك المبكر يمنح غطاء للاقتصادات الأخرى من أجل اعتماد موقف أكثر قوة في المساومة، الأمر الذي يعزز من تأثير الإجراء الذي أقدمت عليه الصين.
وأشار الكاتب إلى أن العجز التجاري الأميركي بلغ ١.٢ ترليون دولار عام ٢٠٢٤، حيث بلغت قيمة الواردات ٤.١ تريليون دولار. ورأى أن العالم باع للولايات المتحدة منتجات أكثر مما اشترت الأخيرة، لافتًا إلى أن الحصة الأجنبية من الأصول الأميركية آخذة في الارتفاع، حيث إن نسبة ٤٠٪ من الأسهم الأميركية باتت في أيدي الأجانب، بعد ما كانت هذه النسبة بلغت ٥٪ فقط عام ١٩٦٥.
وأضاف الكاتب أن أعظم حدث في التاريخ الاقتصادي كان فتح قارة أميركا الشمالية أمام الاستغلال الرأسمالي، وأن الولايات المتحدة دائمًا ما قايضت الأصول باليد العاملة، سواء عبر استعمار المستوطنين أو الرواد أو العبودية والهجرة أو التجارة.
كما قال "إن الاقتصاد السياسي لتوزيع الأصول واليد العاملة الأميركية جعل العجز في التجارة أمر لا بد منه"، مردفًا أن "أميركا لديها نقص في إنتاج السلع يصل إلى قيمة ١.٢ ترليون دولار سنويًا، واستحضار القدرة المحلية لسد هذه الفجوة أمر مستبعد جدًا على الأمد القصير".
وأكد أن المعضلة ليست صعبة إلى هذا الحد بالنسبة لبقية العالم، وأن المنتجات التي كانت تقدم مقابل الأصول الأميركية يجب أن تقدم الآن مقابل منتجات أخرى، وأن القدرة الإنتاجية لذلك هي موجودة أصلًا.
وبحسب الكاتب، فإن إعادة هيكلة السوق بحيث يجد القدرة الإنتاجية الحالية المشترين تفترض أن تكون عقبة أقل صعوبة مقارنة بإيجاد القدرة من الصفر.
كما قال "إن الاستراتيجية الأكثر طموحة هي في إيجاد مجموعة جديدة من الأصول لتحل مكان الأصول الأميركية. كذلك شدد على أن الأصول الجديدة المثلى تتمثل في البنية التحتية في الجنوب العالمي (Global South)"، مؤكدًا أن ذلك هو "الكأس المقدس" للتنمية الاقتصادية العاقلة والأساس النظري لمبادرة الرئيس الصيني شي جينبينغ التي تحمل اسم الحزام والطريق.
وتابع الكاتب أن صناع السياسة الصينيين أدركوا منذ فترة تسبق بكثير رسوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمركية أن تدفق الرأسمال من آسيا لتمويل الاستهلاك في أميركا يثير مشاكل كثيرة. كما أضاف أن مشروع الحزام والطريق صمم من أجل تصحيح هذا النموذج التنموي غير الطبيعي للجنوب العالمي، حيث يتدفق الرأسمال من الصين إلى الدول الأقل نموًا اقتصاديًا لتمويل بناء البنية التحتية.
كذلك أوضح أن الاستراتيجيين المتمثلين بزيادة الاستهلاك المحلي وتسريع عجلة مشروع الحزام والطريق يمكن أن يشكلان الضربة القاضية، مشيرًا إلى أن الحكومة الصينية اعتمدت بشكل كبير على الاستثمار، والذي تذهب فوائده إلى المستهلكين على شاكلة تحسين البنية التحتية وانخفاض الأسعار والمنتجات الأكثر ابتكارية. كما أشار إلى أن الصين (إلى جانب هونغ كونغ) قامت بتصدير منتجات إلى الولايات المتحدة بقيمة ٤٧٧ مليار دولار عام ٢٠٢٤، إلى جانب تصدير منتجات بقيمة تتراوح بين ١٠٠ و٢٠٠ مليار دولار عبر دول ثالثة مثل فيتنام والمكسيك. وشدد على أن اعلان تحفيز الاستهلاك من شأنه تخفيف الضغوط على الأسواق العالمية التي تستعد لتدفق المنتجات الصينية، الأمر الذي سيمنع التأثيرات المتتالية للرسوم الجمركية حول العالم.
كما تابع الكاتب أن ذلك لن يشكل شبكة أمان من الانكماش الناتج عن رسوم ترامب الجمركية فحسب، بل إنه سيفاقم التضخم الأميركي، الأمر الذي يضع المصرف الاحتياطي الفدرالي في مشكلة الركود التضخمي.
وبالنسبة إلى قدرة الصين على التعويض عن تراجع الطلب الأميركي وقوة بكين المالية، قال الكاتب "إن نسبة الدين الصيني مقابل الناتج المحلي الإجمالي وفق عدد من الوكالات هي ٣٠٠٪، أي أكثر من الولايات المتحدة حيث إن نسبة الدين مقابل الناتج المحلي الإجمالي للأخيرة حددت بـ ٢٧٥٪".
وبهذا الصدد، بيّن الكاتب أن هذه التقديرات ليست صحيحة إطلاقًا، وأن نسبة الدين الصيني مقابل ناتجها المحلي الإجمالي هي في الحقيقة أقرب إلى ١٥٠٪ أو أقل حتى. وأوضح أن ذلك يعني أن هناك ٥٠٠ مليون صيني يستهلكون على مستوى العالم المتقدم، وهؤلاء هم الذين يجعلون الصين السوق الأكبر للسيارات والسلع الفاخرة. وأردف أن هناك ٩٠٠ مليون يستهلكون في جنوب شرق آسيا والذين سينتقلون إلى نمط استهلاك العالم المتقدم خلال الأعوام العشرين المقبلة.
بناء عليه، خلص إلى أن هناك ما يكفي من الناس الذين يستطيعون سد الفجوة، وتحدث ختامًا عن إمكانية توجيه الصين الضربة القاضية لمكانة أميركا في الاقتصاد العالمي، بحيث تنشئ الصين نظامًا عالميًا للتجارة لا يقود فحسب بل يترك الولايات المتحدة معزولة، بينما رسوم ترامب الجمركية قد تنزل في التاريخ على أنها كارثة أسوأ بكثير من "Brexit"، وذلك إذا ما أحسنت الصين لعب أوراقها. كما قال "إن ترامب ارتكب خطأ كان يمكن تفاديه وأعطى الصين فرصة لن تأتي مثلها في قرون".
* المادة نقلت حرفيا من موقع العهد الاخباري