عباس الجمري

 

وصلت مخاوف واشنطن إلى سلطنة عُمان منذ عام 2019 في شأن مشروع “الحزام والطريق”، حين عُقد اجتماع في بكين ضم عشرات الدول، بينها مسقط، للتباحث في الشراكة والمقوّمات والفوائد لهذا المشروع الواسع.

عُمانياً؛ فإن المشروع يضفي على الاقتصاد المتواضع للدولة الخليجية الشيء الكثير، إذ من المفترض أن تستثمر الصين في موانئ صحار وصلالة بشكل مضاعف، كما سيزيد المشروع في تمتين البنية التحتية التجارية والاستثمارية لمنطقة الدقم، ويطوّر ميناء جوادر الباكستاني الذي تستفيد منه عُمان لتقارب تخوم سواحل السلطنة مع سواحل باكستان المطلة على بحر العرب.

أدرك العمانيون مدى التحدي الذي هم فيه منذ 2019، وأن مصلحتهم القومية تقتضي اقتناص فرصة الانضمام إلى “الحزام والطريق”، ولو اطلعنا على الإعلام العماني آنذاك، لرأينا بجلاء طرح الإشكالات عن تحفظات واشنطن ورغبة بكين ومصلحة مسقط. في هذا الثلاثي الصعب، ينحو العمانيون إلى الإقدام على الانضمام، وبسرعة، إلى هذا المشروع، وفي الوقت عينه، يقدّمون التطمينات للجانب الأميركي في هذا الشأن، فالخطاب العماني يؤكد أن المشروع الصيني مشروع اقتصادي بحت يرفد مصلحة الجميع بحصص متناسبة، ويستند الإعلام العماني في صوغ هذا الخطاب إلى التصريحات الرسمية للجانب الصيني، والتي ينفي فيها التنين الآسيوي أي أهداف سياسية أو طموحات إمبريالية توسعية للصين.

لكن الولايات المتحدة الأميركية وبما أنها في رأس هرم الإمبريالية الغربية، لا تعير هذه التصريحات أي أهمية، خصوصاً أن الاقتصاد والعولمة أهم أسلحتها الناعمة التي تسيطر بها على كثير من الدول. وفي الاستراتيجية الأميركية المعلنة السنة الماضية، ترى واشنطن أن الصين هي التحدي الأول للولايات المتحدة، والذي قد يرقى لاعتبارها عدواً.

لذلك، لم تعر أميركا اهتماماً لأي تطمينات تأتيها من أي مكان في شأن “الحزام والطريق”، ولإفساد المشروع أو تأخيره، عمدت القوة الكبرى في العالم إلى القيام بعدة خطوات، منها إسقاط رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في نيسان/أبريل من العام الماضي، وهو الرئيس الذي سعى لتغيير وجهة باكستان، وتحويلها إلى قوة إقليمية مستقلة لا تخضع للإرادة الغربية.

ولو صُيّر لعمران خان البقاء والاستمرار لتيسّرت الشراكة مع الصين بشكل قياسي، لكن تعثر المشروع الصيني في باكستان بمجيء رئيس وزراء موال للغرب، قد يؤخر بعض الترتيبات المهمة لانضمام عُمان، لأن اللوجستيات في شبه القارة الهندية لمشروع الحرير متصلة تماماً ببحر العرب، لكن ذلك لا ينفي أنه يمكن عمل جزء من البنية التحتية اللازمة لهذا المشروع.

لكن الكلام هنا يتمحور حول الفيتو الأميركي والدور الغربي في تطويق التطلع الصيني، لذلك أطلق الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما مشروع التجارة الحرة عبر الهادئ المعروف بـــ TPP، وجاء الرئيس ترامب ليعوق التبادل التجاري مع الصين للغرض نفسه، وهو تحجيم الدور الاقتصادي للصين في العالم.

ومع أن عُمان ممر فرعي، بحسب التقسيم، في مشروع “الحزام والطريق”، لكنه ينعش السلطنة. يختلف العرض الصيني عن أي مشروع غربي، ويكمن الفرق الجوهري في نقطتين:

الأولى: أن المؤسسات والشركات الصينية والتي ستبني البنى التحتية سواء بحرية أو برية، ستكون كلفتها التشغيلية أقل بكثير من نظيرتها الغربية.

الثانية: الحوافز الصينية المعلنة للمنضمّين إلى المشروع تشجيعية أكثر من الحوافز الغربية، فنسبة الفوائد أقل من الفوائد والشروط والالتزامات التي يفرضها صندوق النقد الدولي مثلاً، وهذا تماماً ما تحتاجه عمان في ظل محدودية في الموارد مقارنة بدول الخليج الأخرى، فكيف ستتعامل واشنطن مع السلطنة الحليفة؟

أولاً: البنية التحتية التي تحتاجها الصين في عُمان هي من الطرق الفرعية، وليست الطرق الأساسية، وبالتالي لا يشكل الطريق في الدولة الخليجية نقلة للصين، بعكس ما تحتاجه بكين في كل من باكستان وإيران، وهذا ما قد يجعل الأميركي يتعامل مع الموضوع ببرود، إذ لم يبدِ انزعاجاً من اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس الصيني شي جين بينغ مع نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء العماني فهد بن محمود آل سعيد، على هامش أعمال القمة الخليجية في ديسمبر الماضي في الرياض، وقد تناول آل سعيد في اللقاء بحسب وسائل إعلام رسمية مسألة التعاون والشراكة، ولا سيما مشروع “الحزام والطريق”.

ثانياً: لسلطنة عُمان دور وظيفي مهم للغرب في حوض الخليج، وهذا الدور يفرض على القوى الغربية نوعاً خاصاً من التعامل مع بيت الحكم في مسقط، وإبداء التحفظ على علاقة مسقط ببكين يكفي في الوقت الحالي، إذ تنصب جهود الأميركي على مشاغلة الصين في أكثر من جبهة، كمضيق تايوان، وباب المندب، وبحر الصين الجنوبي، فضلاً عن مشاغلتها في الأسواق والبورصات، ولا ننسى الدعاية الأميركية في الإعلام والتي تسعى لرسم صورة قاتمة لغريمتها الآسيوية.

ثالثاً: في المقابل، تشاغل الصين الولايات المتحدة في مسائل عدة من أبرزها الدعم الكبير المقدم لروسيا وإيران ومساعدتهما على الإفلات من العقوبات الأميركية، ما يتيح لموسكو مساحة أكبر في خاصرة الناتو (أوكرانيا)، و يتيح لطهران مساحة مهمة في تمتين محور المقاومة وإفشال خطط واشنطن و”تل أبيب” في المنطقة، وكل ذلك يجعل من ملف عُمان في ما يتعلق بـ”الحزام والطريق” ملفاً صغيراً لواشنطن، لأن مساعدة الصين لخصمين بحجم روسيا وإيران تفرض على إدارة البيت الأبيض رسم استراتيجيات تتناسب وهذا التحدي المستجد من عامين.

رابعاً: بحسب الاستراتيجية الأميركية المعلنة -أيضاً- في شأن الصين، فإن الثقل الأهم من الاهتمام يرتكز على ثلاثة أمور: تعديل الميزان التجاري بين البلدين، وتقليص الغزو الاقتصادي الصيني للغرب، ومراقبة المفاعيل السياسية التي ينتجها الاقتصاد المتنامي للجمهورية الشيوعية الصاعدة، وهذا يتطلب كثيراً من الاختراقات في وزن العلاقات الدولية المشتركة بين الصين والولايات المتحدة، بمعنى؛ أن سياسة الزجر الأميركية للدول الصغيرة لن تكون فاعلة دائماً في ظل سياسة الحوافز الكبيرة من الصين لتلك الدول، ما يجعل مثل هذه المنافسة يصب في مصلحة تلك الدول، ومنها عُمان.

وعليه؛ فإن سخونة الجبهات الاقتصادية والسياسية والجيواستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين تستعر، لكن ليس بينها سلطنة عُمان، على الأقل في الوقت الحالي.

  • المصدر: الميادين نت
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع