خليل نصرالله*

لم يكن فجر الثامن من كانون الثاني/ يناير عام ٢٠٢٠ يوما عابرا. هو أرّخ لفصل جديد من المواجهة، ووضع للنشاط العسكري الأميركي المعادي في المنطقة حدودا لا يسمح بتخطيها.

خمسة أيام على جريمة اغتيال واشنطن لقائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق ورفاقهما قرب مطار بغداد. الصفعة الأولى لواشنطن هو مشهد المشيعين من بغداد إلى طهران ومجمل محافظات البلدين، اما الثانية فهي أول عمل عسكري نفذه الحرس الثوري الإيراني، عندما وجهه صواريخه الدقيقة باتجاه قواعد تشغلها قوات أميركية في العراق، فضرب في قاعدة “عين الأسد” غرب العراق، وقاعدة حرير في أربيل وموقعين آخرين اعترف بهما البنتاغون دون إعلان عنهما من قبل الطرفين.

تلك الضربة، والتي شكلت بداية مسار الانتقام الطويل الأمد، لم تكن مجرد رد فعل او حدث عادي. أدرك الأميركيون ذلك منذ اللحظات الأولى، وانكفؤا عن أي رد فعل مضاد سواء داخل الجمهورية الإسلامية او خارجها، واكتفوا يومها، بعد مؤتمر صحافي شهير للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بأنهم سوف يصعدون العقوبات، كونهم لا يريدون تصعيدا.

أولى مميزات تلك الضربة، انها علنية، وقد نفذتها دولة ضد قواعد عسكرية تشغلها دولة أخرى، أي إيران ضربت أميركا، وهو ما لم يحدث اتجاه الأميركيين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

تباعا، بدأت تتكشف نوعية الضربة، وهو ما كتبت عنه مراكز أبحاث إسرائيلية، عندما كشفت عن دقة الصواريخ التي استهدفت نقاطا محددة، منها نقطة تحكم بالمسيرات.

“ما بعد عين الأسد لا يشبه ما قبله”، قاعدة سادت بعد تلك الصفعة، فما أظهره الإيرانيون من قدرات، إضافة إلى جرأة في اتخاذ القرار، وضع المنطقة في مسار مختلف، فالخطأ سيكون مكلفا. وهو ما تجلى لاحقا باستهداف الحرس الثوري لمنشاة في أربيل كان يشغلها الموساد الإسرائيلي.

ما بعد عين الأسد وفي ذروة مسار التطبيع الذي انتهجته دول خليجية، برزت تصريحات إيرانية تهدد باستهداف أي مصدر من أي مكان أتى، بمعنى آخر ان عبث الموساد سيدفع طهران إلى تدفيع الثمن حتى لمن فتح له الأبواب، وهو ما أدركته دول طبعت مع الكيان، لترسل موفدين إلى طهران تعطي ضمانات وتطمينات انها ليست بوارد السماح بأعمال تهدد أمن طهران. مرد الأمر إلى احداث وقعت في المنطقة، وعلى رأسها استهداف الثامن من كانون الثاني ٢٠٢٠ لقواعد أميركية.

حتى الأميركيين، باتوا يحسبون تحركاتهم في المنطقة بدقة عالية، قبل الأقدام على أي خطوة قد تجلب ردات فعل إيرانية. من يتابع مجريات تحركاتهم في غرب آسيا والخليج، يتضح له أنهم عملوا على أكثر من إعادة تموضع عسكري وأمني بما يحاكي محاولة تفادي ضربات في المستقبل. ورغم تصريحاتهم التي تتحدث عن ردع في مواجهة طهران وحلفائها، إلا أن تصرفاتهم تحاكي عكس ذلك. فهم تعرضوا لأكثر من ضربة، تحديدا في سوريا، دون أن يقدموا على ردات فعل منها هجوم التنف في آب/ أغسطس ٢٠٢١، عندما اعترفوا به، متهمين جهات تتبع لإيران، كما وصفوا، ومحتفظين بحق الرد، الذي لم يأت. هذه الضربات هي قليل مما يحصل ضمن الاشتباك القائم، لكن ما بعد ضربة عين الأسد يتبين أن الأميركيين حذرين جدا، وأنهم اكتشفوا نقاط ضعف لتواجدهم العسكري، المكشوف إلى حد كبير. وربما إعادة تموضعهم في العراق تحديدا، هو محاولة لتخفيف تواجد، خشية من اضرار تلحق بهم حال وقوع نوع من الاشتباك او ردات فعل على أعمال يقدمون عليها.

ما بعد ضربة عين الأسد أيضا، وسعت قوى محور المقاومة من فرض قواعد اشتباك، تحديدا في منطقة القائم البوكمال، عندما فرضت على الأميركيين الحد من مسهم بالمكان، عبر توجيه ضربات لقواعدهم القريبة والبعيدة من المكان، ورغم محاولات الأميركيين التعديل في قواعد الاشتباك تلك، عبر ضربات مقننة، إلا انهم، حتى اليوم، فشلوا في إعادة الأمور لما قبل عام ٢٠٢٠.

بعد ثلاثة أعوام من ضربة عين الأسد، يمكن الحسم بأن قواعد الاشتباك باتت تميل أكثر لصالح قوى المقاومة، من جهة، ومن جهة أخرى أطلقت يد طهران أكثر، وهي القادرة على التعامل مع التهديد من أي جهة أتى وفي المكان الذي تريد، والأمثلة كثيرة.

اليوم يمكن القول إن الأميركيين، ومعهم الإسرائيليون، باتوا يحسبون خطواتهم انطلاقا مما جرى في عين الأسد نظرا لدلالاته الكثيرة.

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع