حقيقة ضربة عين الأسد.. إيران لم تحذر واشنطن مسبقاً
علي دربج*
بعد اغتيال قائد فيلق القدس الشهيد قاسم سليماني، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحيداً إلى حدّ كبير على المسرح العالمي. ولم تعرب أي قوة أوروبية كبرى، ولا حتى بريطانيا، عن دعمها لضربة الطائرات بدون طيار هذه، حتى مع ادعاء القادة الأوروبيين مسؤولية الجنرال سليماني، عن “قتل مواطنين غربيين”. وقد عبّرت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن هذا الأمر، بالقول “إن الخلاف يشير إلى “مرحلة جديدة في الطلاق عبر الأطلسي حول الشرق الأوسط”.
هل أبلغت إدارة ترامب حلفاءها قبل حصول الاغتيال؟
في الواقع، في حين أن ترامب، كان أبلغ صقراً من صقوره الجمهوريين، وهو السيناتور ليندسي غراهام (جمهوري من ساوث كارولينا) وكان الأخير في زيارة لفلوريدا، أن إدارته لم ترسل تحذيراً مسبقاً لحلفائها الأوروبيين أو شركائها في الخليج قبل الضربة، لكنه استثنى من ذلك “إسرائيل”. إذ اتضح أن الزعيم الأجنبي الوحيد الذي كان على علم بالضربة هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان قد تحدث مع بومبيو قبل الهجوم، وقدم لاحقاً تلميحاً عاماً غامضاً قبل ساعات من وقوعه.
ما هي حقائق الردّ الصاروخي الإيراني بعد الاغتيال؟
بخلاف ما تم ترويجه طوال الفترة التي تلت الاغتيال، عن معرفة إدارة ترامب مسبقاً بالرد الإيراني، وأن واشنطن تلقت رسالة من طهران عبر طرف ثالث في هذا الشأن، فإن الوقائع التي نقلتها قيادات أميركية ليلة الضربة الإيرانية، تدحض وتكذب هذه الأخبار والروايات كافة، والتي كان قد نشرها البيت الأبيض، بهدف التقليل من أهمية الردّ الإيراني، وإفراغه من تداعياته الاستراتيجية الفائقة الخطورة على أميركا نفسها.
وفي هذه النقطة بالذات، لنقرأ ما كشفه مسؤولون أميركيون، عن أن مركز الدفاع الصاروخي والملاحة الفضائية الخاص، التابع لوكالة الأمن القومي، جمع في 8 كانون الثاني/يناير 2020 خيوطاً متعددة من المعلومات، بما في ذلك صور علوية واعتراض الاتصالات، ليخرجوا باستنتاج مفاده أن ضربة صاروخية إيرانية على قواعد عراقية قادمة. على الفور، أرسل المركز التحذير إلى البيت الأبيض.
بعدها، توجّه نائب الرئيس مايك بنس، ومستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، روبرت أوبراين، إلى غرفة العمليات في الطابق السفلي، وانضم إليهما لاحقاً الرئيس ترامب ووزير الخارجية بومبيو. أما في البنتاغون، فكان وزير الدفاع مارك إسبر في موقع أكثر أماناً.
بعد الساعة 5:30 مساءً بقليل (بتوقيت واشنطن)، جاء صوت شبه آلي عبر مكبّر صوت في غرفة العمليات. “سيدي، لدينا مؤشرات على إطلاق الساعة 22:30 بتوقيت الزولو من غرب إيران في اتجاه العراق وسوريا والأردن”. ثم، بدأت التقارير تأتي بشكل أسرع. كانت الصواريخ متداخلة لكن معظمها كان متجهاً نحو قاعدة الأسد الجوية في العراق، التي تضم نحو 2000 جندي أميركي.
انتهى وابل القصف الصاروخي بعد ساعة، لكن قادة القاعدة أمروا القوات بالبقاء في المخابئ في حالة وصول مزيد من الصواريخ. ما يقرب الساعة 7:30، أي بعد نحو ساعة من انتهاء الضربات، توجّه إسبر، والجنرال ميلي إلى البيت الأبيض للقاء ترامب.
لاحقاً، أقرّ الجيش الأميركي بوقوع قتلى في صفوف جنوده على إثر القصف الصاروخي الإيراني على قاعدة عين الأسد الجوية، وذلك على الرغم من نفي واشنطن في حينه وعلى أعلى المستويات وقوع أي أضرار بشرية. وفي هذا الإطار، اعترفت وزارة الدفاع الأميركية في بيان إن 109 من جنودها، أصيبوا بارتجاج دماغي نتيجة الهجوم الصاروخي الإيراني.
ماذا عن الجدل الذي حصل في الكونغرس حول الضربة، وصراخ المشرّعين على بومبيو؟
أثارت الطريقة (المنافية للقوانين الدولية بحسب اعترافات مسؤولين في المنظمة الأممية الأعلى في العالم) التي تمت بها الضربة لغطاً وجدلاً واسعاً في الولايات المتحدة، من قبل عدد كبير من المسؤولين الأميركيين، إضافة إلى أعضاء مجلس الشيوخ والنواب، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
فخلال إحاطة في مجلس النواب، قدم بومبيو مقدمة موجزة، تلتها عروض قدمها كل من: جينا هاسبل رئيسة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وزير الدفاع إسبر، رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، وجوزيف ماجواير، القائم بأعمال مدير الاستخبارات الوطنية. قدّم الثلاثة تأكيدات غامضة لكنها مؤكدة بزعمهم بشأن معلومات استخبارية تشير إلى وجود تهديد وشيك من قبل الجنرال سليماني. قال الجنرال ميلي إن الدليل لا يمكن أن يكون أكثر وضوحاً وكان “أفضل معلومات استخبارية” رآها خلال مسيرته المهنية.
لكن، ما أثار صدمة النواب الأميركيين، أن هؤلاء القادة الثلاثة رفضوا وصف هذه التهديدات التي تحدثوا عنها بالتفصيل. هنا، قال أحد المشرّعين إن المعلومات ليست أكثر سرية مما يمكن العثور عليه في موسوعة ويكيبيديا. وفي وقت من الأوقات، قال الجنرال ميلي إن المعلومات الاستخبارية أظهرت مناقشة الجنرال سليماني لـ “هجمات إرهابية” محتملة في تواريخ ثلاثة محددة في أواخر كانون الأول/ديسمبر أو مطلع كانون الثاني/يناير.
في إثر ذلك، صرخ عدد من المشرّعين بالحضور “ما هي التهديدات؟”، لكن الجنرال ميلي رفض التصريح. لكنّ مشرعاً آخر أشار إلى أن التواريخ الثلاثة التي ذكرها الجنرال ميلي كانت جميعها قبل الضربة على الجنرال سليماني، ولم تقع أي هجمات بالفعل في ذلك الوقت.
في هذه اللحظة، انبرى النائب جيرالد كونولي، الديمقراطي عن ولاية فرجينيا: وقال” ما حدث بالفعل هو شعور بازدراء وازدراء السلطة التشريعية”. وأردف “لم يتظاهروا حتى بالمشاركة في تبادل المعلومات والتشاور.” من جهته، وصف السيناتور مايك لي، جمهوري من ولاية يوتا، جلسة أعضاء مجلس الشيوخ هذه بالقول “ربما هي أسوأ إحاطة إعلامية” خلال سنواته التسعة في المنصب وتابع “لم نصل إلى التفاصيل. في كل مرة نقترب، يقولون، حسناً، لا يمكننا مناقشة ذلك هنا لأنه حساس “.
كيف كانت توقعات المسؤولين الأميركيين للثأر الإيراني؟ ومن هم القادة المستهدفون؟
بعد سبعة أيام من قعقعة السيوف، وقرع طبول الحرب في المنطقة، تراجعت احتمالات وقوع مواجهة شاملة بين طهران وواشنطن. لكن، لم تكن سوى قلة داخل المؤسسة الأمنية ترى أن الأزمة قد انتهت، إذ كانوا يتوقعون أن تعيد إيران تنظيم صفوفها، وتجد طرائق للرد في الأشهر المقبلة.
ليس هذا فحسب، فالمواقف التي صدرت بعد الاغتيال لكثير من السياسيين والمسؤولين الأميركيين اتسمت بالخوف والقلق على مستقبل الوجود الأميركي في منطقة الشرق الأوسط.
ثمة قناعة كانت قد تكوّنت لدى عدد من المسؤولين الأميركيين، مفادها أن قتل سليماني سراً، ربما سيؤدي إلى نوع من الرد الإيراني الفتاك، خصوصاً إذا تمكنت إيران من تأكيد الدور الأميركي وإثباته بشكل خاص. لكن، في المقابل، هناك فريق آخر، وفي مقدمته نائب مساعد وزير الدفاع السابق لمنطقة الشرق الأوسط مايكل مولروي، الذي خدم في البنتاغون من عام 2017 إلى عام 2019، رأى “إن قرار إدارة ترامب إقصاء الجنرال الإيراني بوقاحة شديدة، فرض يد إيران”.
ومع أن مولروي لم يكن معارضاً لقتل سليماني، الذي فعل، برأيه،” ما يكفي ليستحق ذلك عندما كان أوباما رئيساً، وبصراحة تامة في أي وقت”، لكنه شكك في الطريقة التي تم بها تنفيذ ذلك.
ولهذا قال مولروي: “نحن مهووسون باستخدام الطائرات بدون طيار وما شابه، ولكن هناك كثير من الأشياء التي كان بإمكاننا القيام بها لعرقلة بصمات أصابع الولايات المتحدة”. وأضاف “إذا كانت أميركا قد رفضت تحمّل الفضل في العملية، فلن يشعر الإيرانيون بالحاجة إلى الانتقام الصريح، وإطلاق الصواريخ على سفارتنا وجيشنا”.
ما زاد الطين بلّة بالنسبة إلى واشنطن، التي تعيش هذه الأيام هاجس انتقام طهران، والذي يظهر من خلال التحذيرات التي تصدرها بين فترة وأخرى وكالة الاستخبارات المركزية، عن نية إيران قتل أحد المسؤولين المتورطين في الاغتيال، هو إطلاق إيران معادلة الحساب المفتوح مع أميركا، والذي لن يقفل إلا بعد الاقتصاص من كل من تلطخت يداه بدماء سليماني.
وفي كانون الثاني/ يناير 2022، كشف مسؤولون أميركيون أنهم اعترضوا اتصالات بين عملاء فيلق القدس يناقشون مؤامرة لمهاجمة فورت ماكنير، وهي قاعدة عسكرية في واشنطن العاصمة، فضلاً عن محاولة اغتيال نائب رئيس أركان الجيش. أكثر من ذلك، جزمت واشنطن أن طهران لديها أهداف فتاكة أكثر بروزاً. وبحلول نهاية رئاسة ترامب، كانت هناك “تهديدات جدية” من قبل الإيرانيين فيما يتعلق بكبار المسؤولين الأميركيين، وفقاً لميلر، القائم بأعمال وزير الدفاع السابق، الذي أكد بدوره أن كلاً من مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، وكينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأميركية، وبومبيو، وبراين هوك، كبير مبعوثي الإدارة إلى إيران، كانوا مستهدفين بشكل خاص.
ما الأسماء التي تضمنتها القائمة الإيرانية للانتقام بحسب الأميركيين؟
فيما أخذ المسؤولون تهديدات إيران العلنية بالانتقام على محمل الجد، بنت الولايات قائمة محتملة من المسؤولين المهددين. وفي هذا الإطار، أوضح ميلر أن كيفية الحفاظ على أمن هؤلاء المسؤولين بعد مغادرتهم الحكومة كانت “موضوع نقاش على أعلى المستويات” في البنتاغون.
علاوة على ذلك، أشار ميلر إلى أنه في الأسابيع الأخيرة لإدارة ترامب، كان المسؤولون قلقين من أن فريق بايدن القادم، سيتجاهل جدية هذه التهديدات الإيرانية ضد المسؤولين في عهد ترامب. لكن المتحدث باسم البيت الأبيض قال: “نحن نتخذ جميع الإجراءات الأمنية المناسبة على محمل الجد، ولكننا لا نستطيع التعليق على قضايا المخابرات”).
ما هي التدابير الوقائية التي اتخذتها إدارة ترامب لحماية قادتها؟
عملياً، اتخذت إدارة ترامب تدابير وقائية بهدوء مخافة قتل المسؤولين، إذ تم تخصيص 15 مليون دولار، المدرجة في مشروع قانون الاعتمادات الذي وقعه الرئيس ترامب في الأيام الأخيرة من عام 2020، لتوفير خدمات الحماية لـ “كبار المسؤولين السابقين أو المتقاعدين في وزارة الخارجية” الذين “يواجهون تهديداً خطيراً وموثوقاً من قوة أجنبية أو وكيل لقوة أجنبية، بسبب العمل الذي قاموا به في أثناء وجودهم في مناصبهم”.
وفي حين لم يحدد أي مسؤولين معينين، رفضت وزارة الخارجية التعليق على هويات أولئك الذين قد يتلقون الحماية. لكن، وفقاً لمسؤولين سابقين، فإن هذا البند تم تصميمه مع وضع اثنين في الاعتبار، هما: بومبيو وهوك، كبير مبعوثي الإدارة إلى إيران. وليس بعيداً من ذلك، أكد مساعد سابق للبيت الأبيض أن الأموال خصصت لهوك وبومبيو. “فالإيرانيون يشكلون خطراً جسيماً على هذين الاثنين”.
في المحصلة، المؤشرات كلها، تقود إلى أن الثأر الإيراني، قادم لا محالة في يوم من الأيام، والدليل الأبلغ على ذلك، هو وضع صورة الشهيد في مقر وزارة الخارجية الإيرانية، فوق المنصة التي يقف عليها الزوار الأجانب للإدلاء بتصريحاتهم، وهذا يعني بجميع اللغات السياسية والدبلوماسية أن الحساب مع واشنطن لم يغلق بعد.
* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع