صالح القزويني*

لم يكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سكرانا ولا غائب عن الوعي ولا اعتراه الجنون عندما تبنى عملية اغتيال الشهيد قاسم سليماني في بغداد وقال: قتلنا اليوم عدو أميركا الأول.

فهو بالفعل قتل الشخص الذي أحبط المخطط الكارثي الذي بدأت المخابرات الأميركية بتنفيذه في المنطقة وكانت الضحية الأولى سوريا ثم العراق، ولو لم تكن ايران والشهيد سليماني وابطال القوات العراقية والسورية والحشد الشعبي وفاطميون وزينبيون والنجباء وحزب الله و..و.. وتضحياتهم لانتشر المخطط وتوسع إلى إيران وسائر دول المنطقة.

كيف؟

سمعنا جميعا بمصطلح الفوضى الخلاقة الذي استخدمته للمرة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، البعض لم يسبر أغوار المصطلح كما هو الحال لم يسبر أغوار كلمة ترامب “قتلنا العدو الأول لأميركا”، فالفوضى الخلاقة هي الخطة الأميركية البديلة لتراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة وضعف سيطرتها عليها وقد تجلى ذلك واضحا في العديد من قضايا العالم، وفي مقدمتها الانسحاب الأميركي من العراق.

إبقاء سيطرة الولايات المتحدة على المنطقة يستلزم المزيد من إنفاق الأموال وأنواع التدخل وفي مقدمة ذلك التدخل العسكري، غير أن الولايات المتحدة كانت ولا تزال تواجه عجزا ماليا كبيرا، لذلك لجأت الى خطة خبيثة للغاية وهي اثارة الفوضى في المنطقة، وكانت الوسيلة الى ذلك هي ظهور داعش.

واشنطن سعت إلى تحقيق عدة أهداف من صناعة داعش:

أولا: أن تضطر الدول التي تدخلها داعش إلى اللجوء لأميركا وطلب حمايتها وتوفير ما يستلزم لمواجهة داعش.

ثانيا: تزايد الطلب على شراء الأسلحة والمعدات والذخائر.

ثالثا: استنزاف إمكانيات الدول التي تدخلها داعش.

رابعا: تهديد أية دولة يمكن أن تتمرد على أميركا، حتى لو كانت حليفة.

ولكن ما الذي حدث؟

ظهرت داعش في سوريا وبدأت تسيطر على المناطق السورية الواحدة تلو الأخرى حتى قيل انها سيطرت على ثلثي سوريا، ثم انتقلت إلى العراق واحتلت محافظة الموصل وبدأت تتوسع في العراق حتى وصلت إلى اسوار بغداد، غير أن فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها المرجع السيستاني أوقفت داعش عند حدها واستبسل العراقيون في الدفاع عن وطنهم وحرروا مناطقهم من رجس داعش، وتوجوا بطولاتهم في تحرير الموصل.

الغريب أنه وعلى الرغم من وجود اتفاقية بين العراق والولايات المتحدة إلا أن واشنطن لم تسارع في دعم العراقيين، بل تصدرت وسائل الإعلام تصريحات أميركية مثبطة للغاية، من بينها، أنه لا يمكن القضاء على داعش بأقل من عشرين عاما.

هذه التصريحات تشير إلى أن المخابرات الأميركية خططت لتبقى المنطقة في فوضى عارمة لمدة عشرين عاما، وهي الفترة التي خططت لها لتستعيد قدراتها وامكانياتها وفي نهاية المطاف سيطرتها على المنطقة والعالم.

غير أن تصدي الشهيد سليماني لداعش والدعم الكبير الذي قدمه للقوات العراقية والحشد الشعبي والفصائل العراقية، والقوات السورية وكذلك تأسيسه لكتائب عسكرية في سوريا، وفوق كل ذلك إقناعه للقيادة الروسية بضرورة التدخل في سوريا، قلب الموازين والمخطط الأميركي رأسا على عقب.

المثير في الموضوع هو دعم ترامب لمخطط المخابرات الأميركية وعدم اعتراضه على توفير الغطاء لداعش على الرغم من أنه أفشى سرا أميركيا عندما وجه خطابه في حملته الانتخابية لكلينتون وقال لها أنت التي أسست داعش.

يبدو قد استهوته فكرة العبث بأمن المنطقة وعدم استقرارها، وإلى جانب المضي قدما في المخطط المخابراتي، فإنه استخدم سياسة أخرى من أجل استعادة المجد والقوة والهيمنة لبلاده، وهي ابتزاز دول العالم لدفع الإتاوات وابرام صفقات الأسلحة الكبيرة، وغلف كل ذلك بكلمة شهيرة أطلقها وهي، من يريد حمايتنا فعليه أن يدفع.

القضاء على داعش حطم الحلم الأميركي في فرض السيطرة على المنطقة من خلال فوضى داعش، وكان الشهيد سليماني هو القائد الذي أحبط المخطط الأميركي.

كاتب وباحث متخصص في الشأن الإيراني

* المصدر: رأي اليوم

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع