بقلم: سمير شاول* (صحيفة” ledevoir”  الكندية الناطقة بالفرنسية, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

يتسم الصراع الدائر في اليمن، من بين جميع تلك الصراعات الجارية التي يعيشها العالم، بكونه أحدى الصراعات العنيفة, بالإضافة إلى كونه واحد من بين تلك الصراعات التي لم يحظى بتغطية إعلامية كافيه.

كان لعملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلده في مدينة اسطنبول التركية مطلع أكتوبر من العام المنصرم صداها حول العالم, حيث سلط  هذا العمل الدنيء الضوء على بعض الأعمال السعودية المشبوهة, من بينها الحرب على اليمن.

وكمبرر لدخولها في هذه الحرب، تستذكر الرياض التي تعتبر راس الحربة في الصراع اليمني عدائها مع  إيران, حيث عملت على تشبيه القوى اليمنية التي أخذت على عاتقها مجابهة عمليات التدخل العسكري السعودي بأنها أذرع  طهران في اليمن.

كما أن هذه الحرب تكشف عن تأكيد وجود عداء علماني أزلي بين المذهب السني والمذهب الشيعي, فهذه ذريعة يتشدق بها المحافظون الغربيون الجدد والمسؤولون عن الحروب التي لا نهاية لها في منطقة الشرق الأوسط.

وهذا ليس صحيحاً, فالوجود الإيراني لا وجود له في اليمن, في حين أن العقيدة بعيدة كل البعد عن هذا الصراع, إذ يتفاقم هذا الصراع الداخلي حول لامركزية الدولة بالتدخل الخارجي.

إن الحاصل في اليمن اليوم احد أشكال الحروب “المهجنة” التي تم إطلاقها في منطقة الشرق الأوسط، فمثل هذا النوع من الحروب  يتكون من تحول الصراع المحلي إلى صراع دولي وذلك عن طريق دخول قوات أجنبية إلى مسرح الأحداث لتحقيق أهدافها الخاصة.

ظهرت كارثية هذا النوع من الحروب بشكل جلي في الصراعات المشتعلة في كلاً من ليبيا وسوريا، وفي الصراع اليمني تتجلى الخسائر الكارثية في السكان المدنيين الذين أصبحوا هدفاً رئيسياً للقوات السعودية.

يعتبر اليمن بالفعل واحدة من افقر بلدان العالم, حيث تتذلل مؤشر التنمية البشرية الصادر عن هيئة الامم المتحدة, إذ حصد المركز 160 من أصل 186 دولة.

والحاصل اليوم, تتعرض اليمن لحملة قصف وتدمير ممنهجة, ترتب عليها تدمير للبنية التحتية وانتشار الأوبئة – الكوليرا- بالإضافة إلى إطباق سوء التغذية خناقة على شريحة واسعة من السكان المدنيين.

بلغت حصيلة القتلى 150 ألف شخص، من بينهم 8000 طفل, حيث كانت المجاعة صاحبة نصيب الاسد في حصد ارواح السكان المدنيين, إذ بلغ عدد المدنيين الذين لقوا نحبهم جراء المجاعة والمرض 85000 شخص, ناهيك عن كون الموت يخطف روح طفل واحد كل عشر دقائق جراء اصابتهم بسوء التغذية, فهذا هو المصير الذي يواجه نصف سكان البلد البالغ عددهم 28 مليون شخص.

في الأصل المسألة داخلية:

سمحت الأراضي الزراعية الخصبة التي تحتضنها اليمن، بالإضافة إلى هطول الأمطار الموسمية ونظام الري الجيد بدعم عدد كبير من السكان. وفي الوقت نفسه، كان الجزء الداخلي الجبلي يمتاز ببنية اجتماعية مترابطة تتكون من قبائل تعتز بمكونها القبلي.

وبوضع حساس، استندت طرائق الحكم المتبعة في اليمن عبر إدارة العلاقات بين القبائل, ناهيك عن كون الصراع على السلطة أمر شائع بين اليمنيون الذين لا يستغنون عن حمل السلاح الشخصي.

شهد اليمن خلال ثمانينات القرن الماضي تجديد “الزيدية” أحدى  فرع المذهب الشيعي الخاص باليمن، وذلك تحت راية عائلة الحوثي, تكون على أثرها ميليشيا أنصار الله الشعبية “الحوثية” المتمردة  ضد السلطة المركزية في العاصمة صنعاء.

تخلى الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن السلطة أثر اندلاع ثورات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة في العام 2011, والتي كان لليمن نصيب منها, ولكن الانتفاضة الشعبية آلت في نهاية المطاف لتكون جزءاً من النضال القديم من أجل السلطة بين مختلف فصائل النظام, وبالتالي بقيت النخب السياسية القديمة في مكانها ممسكة بزمام الأمور, حيث حافظت على نفس الممارسات.

خلف الرئيس صالح نائبه في ذلك الوقت عبد ربه منصور هادي الذي تبنى المشروع الدستوري الذي يقضي بتقسيم اليمن إلى ست اقاليم.

وفي يوليو من العام 2014، خاض الحوثيون الذين يؤيدون وحدة البلد مواجهات عسكرية مع القوات الحكومية، إذ تحالفوا مع الرئيس السابق صالح وجيشه الذي ظل يدين بالولاء له حتى بعد خروجه من السلطة, توالت الأحداث في البلد إلى أن تمكنت جماعة أنصار الله الحوثية من بسط سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 من سبتمبر من نفس العام, كما تمكن الرئيس هادي من الهروب إلى العاصمة السعودية الرياض التي اعلنت بدورها في 25 مارس 2015  بالاشتراك مع دولة الإمارات العربية المتحدة، بدء عمليات التدخل العسكري في اليمن, حيث حضي هذا التحالف بدعم لوجستي وتوفير معلومات استخباراتية وتزود بالوقود الجوي “عبر الجو” من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

تدويل الصراع:

تم اتخاذ هذه الخطوة كون الرياض تستظل تحت مظلة معارضتها لإيران “الشيعية”, ومع ذلك فان شيعة طهران لم تعمل على تقويض مضجع المملكة العربية السعودية في عهد الشاه، في حين لم تمنع الرياض الطائفة الزيدية من دعم الملكيين اليمنيين في الحرب الأهلية التي دار رحاها في الفترة  ما بين 1962 إلى 1970.

تعتبر الحركة الحوثية سياسية أكثر من كونها دينية، وإيران ليست سوى متفرج مهتم بالتأكيد ولكنها غير معنية بهذا الصراع.

إن ينابيع التمرد وطنية وأسبابه داخلية, حيث يهدف هذا التمرد إلى ابقاء البلد موحد ومستقل، في حين تهدف المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية إلى تقطيع اوصاله.

نحن اليوم نراقب واحدة من الحروب الأهلية المدولة في العالم وهو صراع محلي تفاقم بفعل تدخل جهات خارجية على نطاق عالمي.

ما أسباب مشاركة الدول الكبرى في الحرب على اليمن؟ يوفر الجواب الموقع الجغرافي لليمن, إذ يعتبر المنفذ الاستراتيجي باب المندب مفتاح السيطرة على عنق الزجاجة في البحر الأحمر وقارتي آسيا وأوروبا.

حيث يعتبر هذا المنفذ البحري الثالث أو الرابع في العالم لإمدادات الطاقة والذي يمر من خلاله معظم صادرات الصين إلى قارة  أوروبا.

بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، فإن استمر اليمن موحداً فسيكون له حق التأثير والسيطرة حيث سينهي استخدام مضيق باب المندب كنقطة ضغط ضد خصومهم ومنافسيهم.

لذا فالأفضل هو تقطيع أوصال هذا البلد الذي يعيش حالة تمرد, ألم نرَ “منطق” المحافظين الجدد هذا في كلا من العراق وليبيا وسوريا وغيرها؟ أليس هذا مثالاً على التقسيم الحالي للعالم بين معسكر زعزعة استقرار الدولة والدفاع عن الاستقلال والسيادة الوطنية؟

* أستاذ التاريخ، جامعة مونتريال – سيريوم