عباس الجمري*

حفل عام 2022 بكثير من المنعطفات التي مرّت فيها مملكة البحرين، والتي أثّرت بصورة مباشرة وغير مباشرة في مجرى السياسات العامة.

سوف نرتب الأحداث، بحسب ما نعتقده مهماً، على الصعيد السياسي، وليس بحسب تسلسلها الزمني، مع ذكر زمانها وظروفها وبعض التوقعات التي صاحبتها.

1- تشكيل الحكومة

فتح قصر الصخير، في صباح 22 تشرين الثاني/نوفمبر، أبوابه لأداء قسَم الحكومة الجديدة، التي لم يتفاجأ بها المواطنون، وكانت ذات صبغة ملكية تتخذ من الولاء لحمد بن عيسى مبدأً لها. ولم يتغير كثير من وجوه الحكومة، بينما بقيت الحقائب السيادية في مكانها تقريباً.

ومع احتفاظ وزير الداخلية راشد بن عبد الله آل خليفة بحقيبة وزارة الداخلية، وهي الوزارة التي تنفذ سياسات القصر بحذافيرها، بالرصاص والمقلاع والسَّجن، وبالمراقبة والملاحقة والتضييق في الإجراءات الرسمية، مع هذا الكمّ من الذاكرة الوطنية المثقلة بالدم والألم من هذه الوزارة بالذات، فإن الشارع البحريني لم يتفاءل بتشكيل الحكومة أبداً، وخصوصا مع ارتفاع الضريبة ونسبة التضخم والتحديات الاقتصادية الأخرى.

2- مجلس النواب

وسط مقاطعة واسعة من جانب البحرينيين، شهدت انتخابات مجلس النواب في تشرين الثاني/نوفمبر انحساراً واسعاً في عدد المقترعين، لكن بعض المراقبين يعزو الانحسار الكبير إلى عدد من العوامل، التي لا تقتصر على المقاطعة، فلقد شطبت اللجنة المشرفة على الانتخابات 94 ألف اسم من كشوف الناخبين؛ أي ما نسبته 27% من المؤهَّلين للاقتراع.

وترشح للبرلمان أربعون نائباً، لا علاقة لأغلبيتهم بالعمل السياسي، وتقلصت صلاحيات المجلس كثيراً في ظل غياب تمثيل شعبي حقيقي، وانسداد سياسي شهدته البلاد منذ اندلاع الأحداث، في شباط/فبراير 2011.

3- زيارة البابا

الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر هو الموعد لزيارة البابا فرنسيس للبحرين، وهي الزيارة الأولى من نوعها، وبالتأكيد يحتاج إليها الملك حمد بن عيسى من أجل غسل صورة النظام، الذي تأذّت سمعته الخارجية.

استَبَقَت المعارضةُ الزيارةَ بكثير من الخطوات، التي منها مخاطبة البابا مباشرة عبر رسائل أُرسلت إليه من قوى معارضة وشخصيات وازنة، دينياً ووطنياً. تحدثت تلك الرسائل عن الوضع المأسَوي في البلاد، وخصوصا فيما يتعلق بحقوق الإنسان المنتهَكة واضطهاد السلطة لفئة رئيسة من الشعب على أساس طائفي وسياسي. وصاحب تكثيفَ الرسائل إلى البابا فرنسيس نشاطٌ إعلاميٌّ كبير، صنع رأياً عاماً ساعد على الضغط المؤثّر في البابا فرنسيس، الذي لم يكتفِ بالنصائح الخاصة للملك، بل اختار أن تكون نصيحته متضمِّنة كلمتَه المقررة في لقائه الملك، وأمام عشرات من القنوات والصحف.

نصح البابا فرنسيس ملك البلاد بالحوار مع الشعب وخفض التصعيد الأمني، وتلقّت المعارضة موقف البابا بكثير من الترحيب، إذ لم يكن من المتوقع أن يكون موقفه بهذا الشكل الصريح وفي العلن.

4- سياسة تهويد البحرين

انتشرت تحذيرات واسعة، في شهر تموز/يوليو، من شراء بيوت في العاصمة البحرينية المنامة. التفت المواطنون إلى هذه الخطوة، وامتنعوا عن بيع العقارات على رغم سخاء العروض، وخصوصاً بعد رسائل وجَّهها آية الله الشيخ عيسى قاسم إلى المواطنين، دعاهم فيها إلى الامتناع عن مساعدة السلطة على تهويد المنامة.

خمدت الموجة بضعةَ أشهر، وعاودت في شهر كانون الأول/ديسمبر، لكن في مدينة عيسى، حيث تلقى مواطنون اتصالات من شركات عقارية بشأن شراء بيوتهم بأضعاف سعرها. وبعد التدقيق من جانب المواطنين أنفسهم، وجدوا أن المشترين النهائيين هم من اليهود.

يأتي ذلك بعد عامين من اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتي رافقتها حزمةٌ من الاتفاقيات الواسعة، بينها اتفاقيات أمنية وعسكرية، الأمر الذي وضع البحرين في دائرة الصراع الإقليمي الحاد والخطير من دون أي داعٍ حقيقي إلى ذلك، وخصوصاً أن البلاد ذات جغرافيا صغيرة جداً وإمكانات محدودة، فضلاً عن أن مشاكلها الداخلية كثيرة وكبيرة.

5- إكمال الشيخ علي سلمان ثمانية أعوام في السّجن

يمثّل الشيخ علي سلمان قامة وطنية معروفة باعتدالها وخطابها الوطني الجامع، وأكمل في كانون الأول/ديسمبر عامه الثامن، وهو في السجن بتهم ملفقة أهمها التخابر مع قطر، اعتماداً على اتصال جرى بينه وبين وزير الخارجية القطري الأسبق حمد بن جاسم، وكان الاتصال تحت إشراف وزير الخارجية السعودي الأسبق سعود الفيصل والملك حمد نفسه. ويهدف الاتصال، الذي جرى عام 2011، إلى التوصل إلى صيغة حل سياسية توافقية تُخمد فتيل الأزمة.

تداول ناشطون مقطعاً للشيخ علي سلمان في أعوام سابقة، وخلال كلمة جماهيرية، أعلن فيها أنه تم تهديده بالسَّجن والقتل. ولوحق سلمان قبل سَجنه بسيارات مشبوهة، يُعتقد أنها تابعة للاستخبارات البحرينية.

وتُعَدّ سياسة الفجور في الخصومة إحدى ركائز العقلية الأمنية في البحرين، والتي دفعت أجهزة الأمن إلى اعتقال الشيخ علي سلمان، على رغم أنه كان ولا يزال عامل ضمانة للواقعية السياسية.

6- الملف الاقتصادي

بحسب بيانات رسمية أصدرتها الحكومة البحرينية في أيلول/سبتمبر، فإن إيرادات حقل أبو سعفة النفطي ارتفع، وسجّل في الميزانية العامة أكثر من 1.33 مليار دينار عام 2021 مقارنة بإيرادات تبلغ نحو 730 مليون دينار عام 2020، وبنسبة نمو تبلغ نحو 82%، نتيجة ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية.

وعلى رغم ارتفاع إيرادات الحقل النفطي الأهم في البلاد، والذي يشكل 51% من ميزانية الدولة، فإن الوضع الاقتصادي لم يتحسن. ففي الشهر نفسه، اضطُرت شركة ممتلكات القابضة إلى دفع عشرات الملايين من الدنانير البحرينية من أجل إنقاذ شركة مكلارين للسيارات الفاخرة، والتي تستحوذ ممتلكات على النسبة الأكبر من أسهمها (تمتلك 60% من الأسهم). وسجّلت الشركة خسائر نصف سنوية تقدَّر بنحو 120 مليون جنيه إسترليني (52 مليون دينار)، خلافاً للنظرة المستقبلية التي أعلنتها الشركة، أي ما نسبته 594%.

اتجهت حكومة البحرين إلى الاقتراض مجدداً من السوق المحلية من خلال إصدار سندات تنمية قيمتها 200 مليون دينار (نصف مليار دولار)، على الرغم من الارتفاع الكبير في أسعار النفط.

وطلب مصرف البحرين المركزي من البورصة إعلان إصدار السندات الجديدة للمستثمرين، والتي من المتوقع إدراجها في الـ 28 من شهر تموز/يوليو 2027.

وبحسب اقتصاديين، فإن الفائدة تبلغ 6.20% سنوياً، يتم خلالها دفع فوائد الإصدار كل ستة شهور تستحق في 17 كانون الثاني/يناير، و17 تموز/يوليو من كل عام، خلال مدة الإصدار التي تنتهي في تموز/يوليو 2027.

هذا في الوقت الذي تؤكد البيانات الرسمية أرقاماً مرعبة في الدين العام. فبحسب تقرير أصدره مصرف البحرين المركزي في أيار/مايو، فإن ارتفاع الدين العام بلغ ما نسبته 9% على أساس سنوي في نهاية الربع الأول من عام 2022.

وتتّبع السياسة الاقتصادية في البلاد توسيع حد الدين العام كلما اصطدم الواقع الاقتصادي بالعجز والتضخم. ففي عام 2020، صدر مرسوم بقانون بإصدار سندات التنمية ورفع سقف الدين العام إلى 15 مليار دينار بدلاً من 13 مليار دينار بحريني لتمويل عجز الميزانية العامة.

7- الخلاصة المُرّة

البحرين في حاجة إلى مصالحة عاجلة وترتيب البيت الداخلي، وإسعاف السياسات الخارجية من المراهقة السياسية التي تتجلى، بصورة فاقعة، في معاداة قطر وإيران ومصادقة الكيان الصهيوني، في حين تحتاج السياسات الداخلية إلى إنعاش علّها تستيقظ وتتيقظ لحجم المشكل الداخلي الذي مُنِيَت به البلاد من جراء تلك السياسات، ومنها الانسداد السياسي والجمود الذي يفاقم المشكلة الاقتصادية نتيجة وجود أسباب متعدّدة لفقدان ثقة المستثمرين، بالإضافة إلى حاجة البلاد إلى المصالحة السياسية التي تعقبها مصالحة اجتماعية وتَعافٍ متوقَّع في لغة التحريض الذي يملأ الإعلام الرسمي، ويسمم الجو العام.

كما أن الملف الاقتصادي الثقيل يحتاج إلى حلول واقعية ونزاهة في تخليص الموازنات السرية من اختبائها في الظل، لترفد الموازنة العامة بالمليارات، التي من المؤكد أنها ستساهم في خفض الدين العام والتضخم، والاستغناء عن ضريبة القيمة المضافة التي أثقلت جيب المواطن، الذي يشعر بأنه يدفع فاتورة السياسات الاقتصادية والسياسية من إمكاناته المحدودة، في ظل تحديات عالمية لا تنقصها إضافة تحديات أخرى.

* المصدر: موقع الميادين نت

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع