فقدان الدواء تابع .. الحل في ثلاث نقاط
فاطمة سلامة *
رغم مرور عام ونصف على خروجه من وزارة الصحة، لا يزال الوزير السابق الدكتور حمد حسن يتلقى عشرات الاتصالات يوميًا من المواطنين. كُثر يهاتفونه للسؤال عن شؤون صحية وطبية على رأسها الدواء. يُعرف حسن بمتابعته الدقيقة للملفات، وهو وإن لم يعد وزيرًا يبذل كل ما بوسعه لمساعدة المرضى. يُشهد له عندما كان في وزارة الصحة تأدية واجبه على أكمل وجه، اذ لا يزال البعض يردّد مقولته الشهيرة بأنّ “تكليفه لا يقتصر على تأمين سرير للمريض بل أن يسابق الموت لإنقاذه”.
وعلى مدى فترة 18 شهرًا تقريبًا قضاها حسن في الوزارة عمل جاهدًا لتصحيح المسار الدوائي الذي أنهكته “الكارتيلات” وحيتان المال وسارت به بشكل انحداري. لكنّ كل ما أنجزه في الأمس القريب نسفته عقلية المحاصصات التي لا تزال تتحكّم بسوق الدواء في لبنان. كل ذلك، للأسف، وسط صمت مطبق من نقابيين ومؤسسات إعلامية ابتلعت ألسنتها اليوم عن كل ما يتعرّض له المواطن في هذا السياق، وتشاطرت في عهد الوزير حسن ناسجة أوهاما وتلفيقات وأخبارا من بنات أفكارها للنيل من عمل “تُرفع له القبعة” بجرم الانتماء السياسي.
وللأسف، كثُرت في الآونة الأخيرة المتاجرة بصحة المواطنين. ثمّة شكاية يمينًا وشمالًا من فقدان أدوية مدعومة كليًا وأخرى مدعومة جزئيًا ما يعرّض سلامة المواطنين للخطر. كما ثمّة ضبابية غير واضحة في سوق الدواء وفوضى في التسعيرة. الدواء ذاته قد تجده بأسعار مختلفة مع فروق شاسعة في التسعيرة وسط غياب الحسيب والرقيب.
وزير الصحة السابق الدكتور حمد حسن يعبّر في حديث لموقع “العهد” الإخباري عما يحصل اليوم في سوق الدواء بالإشارة الى أنّه لا يوجد سياسة أو استراتيجية واضحة من وزارة الصحة لمعالجة الأزمة الدوائية التي تعصف بالمواطنين لا من ناحية الأدوية السرطانية والمستعصية المدعومة ولا غير المدعومة، فتتبع الدواء المدعوم يحتاج برأيه الى عمل تتبعي لا استعراضي. كما ينتقد حسن غياب أي سياسة دوائية طارئة، فعندما يكون لدينا أمر طارئ كالذي نتعرّض له اليوم لا بد من وضع استراتيجية تحاكي التحدي، وهذا الأمر غير موجود اليوم. وفق قناعاته، ثمة غياب الى تخبط في الاستراتيجية الدوائية الطارئة.
الحل في ثلاث نقاط
يُدرج حسن ومن خلال قراءاته لما يحدث على الساحة الدوائية خصوصًا في ما يتعلّق بالأمراض السرطانية والمستعصية ثلاث نقاط للحل تتمثّل بما يلي:
أولًا: مكاشفة التحويلات المالية من مصرف لبنان الى شركات استيراد الأدوية لضمان شراء الأدوية من أموال الحوالات. وفق حسن، عندما كُنا في وزارة الصحة كانت تحول الأموال الى الشركات لكنها لا تشتري الدواء، لكننا كنا نطالبها ونلزمها بشراء الدواء. حينها، كانت الحجة أنّ ثمّة مخاوف من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي حوّل لديهم أموالًا ولكنه لم يفيهم حقّهم بملايين الدولارات التي لا تزال عالقة في ذمته. هنا ــ يرى حسن ــ أنّ ثمة تقصيرا من الحاكم، ولكن في المقابل تبدو وزارة الصحة وكأنها غير معنية، بينما المطلوب منها إجراء مكاشفة مالية للحوالات لتبيان التقصير إن كان على مستوى المصرف المركزي وعدم الالتزام بالـ35 مليون دولار التي أقرت أو لناحية تقاعس أو تردد الشركات خوفًا من “المتراكمات” في مصرف لبنان. وفي هذا السياق، يلفت حسن الى أنّ الشركات تستورد أدوية بقيمة 25 الى 50 بالمئة فقط من الحوالات ما يؤدي الى فقدان هذه الأدوية من السوق.
ثانيًا: عملت وزارة الصحة في الحكومة السابقة على إصدار قرار مبني على قانون المنافسة الصادر عن مجلس النواب سمحت بموجبه بالاستيراد الطارئ الذي خلق ساحة للمنافسة حيث تم بموجبه تخفيض السعر من 25 الى 35 بالمئة مع ضمان الجودة. لكن للأسف ــ يقول حسن ــ البعض يدّعي أن القرار المذكور كان لأجل الدواء الإيراني، بينما ما فعلناه كان لأجل توفير دواء منافس في السوق، ووسط فقدان الأدوية وتردد الشركات والوكلاء باستيراد “البراند” كان لا بد من خلق دواء رديف.
كما يلفت حسن الى أننا أنجزنا قرارًا للتسجيل السريع للدواء سُمح بموجبه للمستوردين باستيراد الدواء بالمواصفات المطلوبة مع إعطاء المجال 6 أشهر لتسجيل الدواء، وذلك لتسهيل شحن الدواء واستيراده الى لبنان في الظروف المثالية لا على قاعدة “تجار الشنطة” فالوزارة اليوم لم تسهّل عملية الاستيراد الطارئ. المنافسة ــ برأيه ــ مطلوبة نوعًا وسعرًا لأنّ الأدوية الموجودة في السوق لا رديف لها والتاجر يتحكّم بالسعر بحيث ترتفع نسبته بالدولار أكثر من السابق.
ثالثًا: سبق أن عملت الوزارة على دعم مصانع الأدوية المحلية بنسبة 30 بالمئة لتأمين المواد الأولية، بمعنى تأمين الكلفة الأساسية للدواء بطريقة مدعومة، وبالتالي إبقاء حيّز مقبول من الربح للمعامل رغم أنّ مطلب بعض المصانع المحلية كان رفع الدعم لأنّ بعضها لا ينظر الى القضية على أنها مهمّة إنسانية بل مقطوعة ربحية. أما اليوم، فآخر قرار اتُّخذ في الوزارة بالتوافق مع المصرف المركزي كان برفع الدعم جزئيًا عن بعض الأدوية والأصناف المصنعة محليًا (المصانع كان لها مصلحة بسحب الدعم لزيادة الأرباح) وهذا الأمر خلق مشكلة في السوق الدوائي.
في ختام مقاربته، يلفت حسن الى أنّ حل مسألة الدواء ــ سواء أكانت على مستوى الأمراض السرطانية والمستعصية أم المزمنة ــ يكون بتحمل الجميع مسؤولياته بدءًا من وزارة الصحة وحاكم مصرف لبنان، وليس انتهاء بلجنة الصحة النيابية. المطلوب برأيه مساءلة نيابية لوزارة الصحة وحاكم المصرف المركزي حول الأدوية المدعومة والى أين تذهب.
*المصدر : العهد الاخباري
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع