خليل نصر الله*

“محورية الأمن في منطقة الخليج تنطلق من الأمن في اليمن”، هي قاعدة بينتها سنوات العدوان الذي يستهدف البلد العربي المشرف على أهم الممرات البحرية في العالم.

“لا أمن في الخليج دون الأمن في اليمن”، فحوى تصريح لوزير الدفاع اليمني في الحكومة الشرعية في صنعاء، أطلقه نهاية عام 2021. الرجل يومها تحدث نتيجة وقائع واضحة ومتغيرات في موازين القوى.

نجح اليمنيون خلال سنوات العدوان في تعزيز قدراتهم العسكرية على الصعد كافة، برًا، بحرًا، جوًا. ونجحوا في بناء قدرات صاروخية استراتيجية تمكنوا من خلالها من فرض توازن ردع، بات خلال العامين الماضيين يميل أكثر لصالحهم.

خلال عمليات الإعصار الثلاث التي استهدفت العمق الإماراتي أوائل العام الجاري، تبين أن دولة الإمارات تعاني من عجز في الرد، ما دفعها إلى المسارعة نحو حلفاء صنعاء للتوسط لديها من أجل تهدئة. بعدها، وخلال عمليات “كسر الحصار” التي أفضت إلى “الهدنة الإنسانية” سارع السعوديون بدورهم، وبدفع أميركي، نحو الوسيط العماني طالبين هدنة ومبدين استعدادهم لتقديم تنازلات.

سارعت الرياض يومها إلى طلب الهدنة لأسباب جمة، أبرزها أن الضربات اليمنية لم تتوقف رغم الغارات التي كانت تستهدف العاصمة صنعاء، بل زادت وتيرتها تباعًا كمًّا ونوعًا وبتكتيكات مختلفة، وهو ما تجلى بضربة جدة الشهيرة التي استهدفت شركة أرامكو وشاهدها العالم عبر شاشات التلفزة.

هذه الأحداث بيّنت أن يد صنعاء باتت هي العليا، وأن توازن الردع بات يميل لصالحها، علمًا أنها لم تستخدم كافة أوراق القوة، برًّا وبحرًا.

السنوات التي مرّت، كانت تبين حقيقة واحدة أن الأمن في دول الخليج، بالتحديد تلك المنخرطة في العدوان، مهدد بقوة، وأن تحقيق الاستقرار لديها وتقدمها اقتصاديًا ونجاحها في “الرؤى” التي رسمتها لنفسها كرؤية 2030، تتطلب استقرارًا وأمنًا، لا يمكن له أن يتحقق دون تحقق الأمن في اليمن.

في صنعاء، لا يخفي المعنيون أن هدف ثورة سبتمبر 2014 الرئيس كان تحرير القرار اليمني من سطوة الرياض والسفراء الغربيين، وتبعيّة معظم أركان الحكم قبلها لأنظمة الخليج. هم كانوا يعون أنها معركة قاسية نتيجة التداخلات الداخلية والخارجية فيها. لكن يومها لم يكن واضحًا أن المعركة ستبدأ بعدوان عسكري شامل يشن على بلدهم وتحت عناوين مختلفة.

من يعد إلى بداية العدوان فجر 26- اذار 2015 يذكر جيدًا أن السعودية كانت تتحدث عن معركة لأسابيع قليلة تنهي خلالها الثورة في اليمن. السعوديون، من جهتهم، لم يدركوا أنهم يبالغون في تحقيق نتائج سريعة، وأن اليمن الذي لم يكن يشكل أي تهديد لأمنهم، سيصبح بعد سنوات مصدرًا رئيسيًا للتهديد.

في عام 2022، وقد دخل العدوان عامه الثامن، كثير من المعادلات تبدلت. اليمن الذي كان في “الجيب” السعودي، بات اليوم خارج بيت الطاعة، وبات مهددًا للأمن في دول الخليج المعتدية، ليس من منطلق الاعتداء، بل من منطلق الدفاع عن اليمن، وهذه نقطة جوهرية.

يمكن الخلاصة إلى أن الأمن في الخليج يمكن أن يتحقق عبر سلوك طريق واحد فقط، لا تفرّعات أو طرقًا موازية له، وهو وقف العدوان والانسحاب، بالتوازي مع فك الحصار، وترك اليمنيين لشؤونهم، وهم كما قبل العدوان، جديرون بالشروع في حوار يمني – يمني يفضي إلى إدارة الدولة كما يريدون، وبعدها لا حاجة إلا إلى جلسة تفاوض واحدة سعودية – يمنيّة يصار من خلالها إلى التفاهم على الأمن المتبادل.

غير ذلك، فإن السعودية تعرّض أمنها وأمن دول أخرى جرّتها معها في حربها إلى التهديد، ومن موقع الدفاع.

المصدر: موقع العهد الاخباري