السياسية :

فتحت الصين، التي تستعد للوصول إلى مكانة القوة العظمى في العالم في العقود المقبلة، خلال السنوات الأخيرة شبكة واسعة وحديثة من التعاون الاستراتيجي مع مناطق مختلفة من العالم من أجل تحقيق تعاون سياسي واقتصادي واسع النطاق مع كل البلدان. وبهذه الطريقة وضع الاستراتيجيون الصينيون الدول العربية في أولويات سياساتهم الاستراتيجية هذه المرة، وتعد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية وافتتاح “القمة العربية الصينية للتعاون والتنمية” خطوة كبيرة نحو تنفيذ هذا الهدف.

في غضون ذلك، وعلى الرغم من أن الموضوعات الرئيسية على أجندة المحادثات بين المسؤولين الصينيين والدول العربية كانت تدور حول التعاون الاقتصادي والطاقة في الاجتماع المذكور، فإن القادة الصينيين لم يكونوا غافلين عن القضايا الجيوسياسية المهمة في العالم العربي، وطرحوا بعض أهم القضايا المشتركة.

ويظهر المجتمع العربي والإسلامي أن بكين لديها الإرادة الحقيقية لرفع مستوى تفاعلاتها إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية. ويجب تقييم كلمات الرئيس شي القصيرة ولكن الرئيسية حول القضية الفلسطينية، والتي جاءت في ظل الظروف المتوترة والحرجة في هذه المنطقة.

وشدد شي في هذا الاجتماع، بالكلمات التي عبرت عن موقف بكين الرسمي من فلسطين لأول مرة، على دعم بلاده لتشكيل دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس على حدود عام 1967 على أساس حل الدولتين. وفي إشارة إلى ضرورة منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، قال شي إن الظلم التاريخي الذي عانى منه الفلسطينيون وانتهاك حقوقهم المشروعة يجب ألا يستمر.

جاء ذلك على لسان رئيس الصين الداعم لفلسطين، فيما طالب ممثل هذا البلد في الأمم المتحدة مؤخرًا الكيان الصهيوني بوقف الأعمال التعسفية بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. تظهر مثل هذه المواقف في الوقت الحاضر أن الصينيين يركزون على القضية الفلسطينية باعتبارها أطول صراع في العالم ويحاولون حل هذه الأزمة بمساعدة روسيا.

الفهم الصيني لأهمية فلسطين في العالم العربي

إن الصين التي تعتبر الدول العربية، وخاصة منطقة الخليج، جزءا من أحجية القوة العظمى في العالم، تولي اهتمامًا خاصًا لقضايا مهمة في العالم العربي من أجل استقطاب الرأي الإيجابي من القادة العرب، والقضية الفلسطينية هي ما وضعت سلطات بكين أيديهم عليه، حيث إن دعم شي لمبادرة الدولتين هو نفس دعم اقتراح السلام.

اقترحت المملكة العربية السعودية في عام 2002 أن يشكل انسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي المحتلة عام 1967 وقبول دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية أساسها.

على الرغم من أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بذل الكثير من الجهود في السنوات الأخيرة لاستكمال عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا أن السياسة الرسمية للرياض حتى الآن تقوم على الالتزام المستمر بخطة السلام العربية.

لذلك اختارت الصين المسار نفسه الذي تسلكه السعودية ومعظم الدول العربية، وهذا الموقف يتم في الغالب بهدف سياسي، وتحاول الصين اتخاذ خطوات حازمة لدخول العالم العربي من خلال دعم فلسطين.

على الرغم من أن بعض الدول العربية وافقت على التسوية مع الكيان الصهيوني، إلا أن عددهم ضئيل ويستمر العديد من العرب في الدفاع عن قضية فلسطين وجعل التطبيع مع الكيان الصهيوني مشروطًا بحل الصراع الفلسطيني والعمل على حل الدولتين. لذلك، تحاول الصين أن تتماشى مع سياسات العالم العربي تجاه فلسطين في هذه القضية. وحتى لو اعتبر الموقف الصيني من فلسطين رمزيًا، لكنه يعتبر بداية قوية لدخول العالم العربي، لذلك يحاول قادة بكين تجنب اتخاذ موقف متحيز تجاه الصهاينة، ما يدفع العرب إلى أخذ حذرهم. تريد الصين أن تظهر للقادة العرب أنها دخلت المنطقة من باب السلام وأن بإمكان الصينيين التفاعل بسهولة مع جميع الحكومات لأنهم دخلوا من باب الصداقة ومحاولة رسم خطوط حمراء في علاقاتهم مع الدول.

في خطابه الأخير أمام المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي، قال شي إن الصين لا تسعى أبدًا للهيمنة وتعارض أي نوع من القوة والهيمنة في العالم. وقد تكون هذه المواقف مشجعة للدول العربية غير المستقرة سياسياً للغاية، حيث لا تنوي هذه القوة الصاعدة التدخل في شؤون بلادهم.

لم تتدخل الصين قط في الشؤون الداخلية للدول، مهما كانت ضعيفة، ولهذا السبب ليس لدى الرأي العام العالمي نظرة سلبية لسياسات بكين، وقد وضعت هذه السياسات على رأس أجندتها في علاقاتها مع الدول العربية.. لكن في العقود السبعة الماضية، لطالما تحدثت أمريكا من موقع متعال مع العرب وحاولت مواءمة قادة هذه الدول مع سياساتها في المنطقة من خلال الضغوط السياسية والأمنية، والسبب الرئيسي لتصعيد التوترات في منطقة الخليج الفارسي والشرق الأوسط هو وجود الأمريكيين الذين حاولوا التقسيم بين محور المقاومة والمشيخات.

من ناحية أخرى، أدرك قادة بكين أن الرأي العام في العالم العربي حساس لقضية القدس، ومن أجل إرضاء الدول الإسلامية، يتعين عليهم تحديد موقفهم الرسمي من الصراع الفلسطيني. يعتبر تعداد سكان العالم الذي يزيد على 1.5 مليار مسلم في حد ذاته ميزة للصين ويمكنها استخدام هذه الإمكانات الاجتماعية لتحسين وضعها في العالم الإسلامي.

أظهرت كأس العالم التي أقيمت في قطر في الأسابيع الأخيرة تأثير الرأي العام للدول الإسلامية على العالم من خلال إذلال مواطني إسرائيل وإعلان اشمئزاز الحاضرين من جرائم الكيان الصهيوني، حيث إنهم لم يدخروا جهداً في الدفاع عن شعب فلسطين المظلوم، وهذه القضية تنبيه للصين بعدم إهمال القضية الفلسطينية، لأن القبلة الأولى للمسلمين خط أحمر لن يتسامح الرأي العام في المنطقة مع عبوره بأي شكل من الأشكال والصين تدرك جيدا هذه القضية.

نقطة أخرى هي أنه مع حل الصراع الفلسطيني سينتهي التوتر بين الدول العربية والكيان الصهيوني، وهذه القضية ذات أهمية خاصة بالنسبة للصين. لأنه طالما أن الشرق الأوسط مستقر وهادئ، يمكن لبكين أن تقدم خططها في المنطقة، ويتطلب المشروع الضخم “حزام واحد وطريق واحد”، والذي يعد الشرق الأوسط جزءًا مهمًا منه، تعاونًا مكثفًا وتفاعلاً بين جميع الفاعلين في المنطقة؛ ومن الضروري حل الصراع الفلسطيني لتمهيد الطريق لتنفيذ هذه المشاريع.

لعب دور في القضايا العالمية

بينما تحاول الصين كقوة دولية لعب دور فعال في القضايا العالمية المهمة. انحازت أمريكا والغرب في القضية الفلسطينية من جانب واحد إلى الكيان الصهيوني منذ البداية ودافعوا عن جرائم هذا الكيان ضد الفلسطينيين، لكن الصين، على عكس واشنطن، تحاول أن تلعب دورًا وسيطًا في هذا الصراع وفي نفس الوقت تحافظ على العلاقات مع طرفي النزاع.

من الأسباب الرئيسية لاستمرار التوتر في الأراضي المحتلة هي سياسات دعم أمريكا للصهاينة، ولولا الدعم الكامل من الغرب، لما كان الصهاينة قادرين على تنفيذ سياسات الاحتلال وجرائم لا حصر لها.

لذلك، يرتبط دعم الصين لفلسطين بشكل ما بالتوترات بين بكين وواشنطن في الأشهر الأخيرة، ويحاول القادة الصينيون تحدي سياسات خصومهم في الشرق الأوسط وزيادة الثقل السياسي للعرب ضد المحتلين. كما في إصدار قرارات الأمم المتحدة الأخيرة ضد الكيان الصهيوني، لعبت الصين دورًا مهمًا إلى جانب روسيا، وبطريقة ما تحولت القضية الفلسطينية إلى مواجهة صينية أمريكية.

تتمتع الصين بعلاقات جيدة مع الكيان الصهيوني، وقد قامت باستثمارات كبيرة في أجزاء مختلفة من الأراضي المحتلة، لكن ما زالت تلعب دورًا في هذه القضية المهمة والحيوية، والتي يمكن أن تكون ورقة رابحة لبكين. إذا تمكن الصينيون من إنهاء الصراع بين فلسطين وكيان الاحتلال بعد 74 عامًا وإحلال السلام، فسيتحسن موقع هذا البلد في الساحة الدولية وسيقدم نفسه كدولة مسالمة في العالم.

ستفتح القمة الأولى بين الصين والدول العربية آفاقا أوسع للشراكة الاستراتيجية بين الجانبين وستدفع بكين والعرب لاتخاذ خطوات كبيرة في بناء مجتمع مصير مشترك. وفي هذا السياق، تحتاج الصين والدول العربية أكثر من أي وقت مضى لتعزيز التعاون والتغلب على مختلف التحديات الدولية، ودعم فلسطين باعتبارها قضية رئيسية في العالم العربي يمكن أن يعزز العلاقات بين الجانبين بشكل أكبر.

المصدر : موقع الوقت التحليلي 

المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع