السياسية:

عقب الحملات الإجراميّة للاحتلال الإسرائيليّ بحق شبانها، ظنّ البعض أن مجموعة “عرين الأسود” قد أبيدت عن بكرة أبيها أو انتهت إلى غير رجعة، ولا سيما أن المجموعة المقاومة التي أعادت ألق الروح الشعبيّ’ الانتفاضيّة،  ألغت مؤخراً الفعاليات التي كانت مقررة أمس الجمعة لتأبين شهدائها، لكن وبعكس كل توقعات، خرج شبان المقاومة الجدد من عرينهم بالأمس، منضبطين إلى أبعد حد وموحدين في الشكل والهدف ليشدّدوا على أنّ الحرب لم تبدأ حتى تنتهي، مؤكّدين أنهم رفعوا حالة الاستنفار والجهوزيّة الكاملة بين كل المقاومين، بعد أن جعلوا الأوساط الإسرائيليّة على كل مستوياتها، في حالة هيستيريّة شديدة ومستمرة حتى اللحظة، وإنّ أكثر ما يثير الغضب الإسرائيليّ حاليّاً، هو تصاعد موجات عمليات المقاومة الفلسطينية بشكل لا يشبه أيّ مرحلة سابقة أبداً، ضد جنود العدو وعصابات مستوطنيه الذين أجرموا بحق هذا الشعب منذ اليوم الأول لسرطانهم في فلسطين.

كما كان لعبارة “عرين الأسود” صدى بالنسبة للجميع داخل فلسطين وخارجها، لقي خروج عشرات المقاومين من أزقة البلدة القديمة في نابلس، التي يتخذها العرين مقرا له ضجة كبيرة، واصطفوا إلى جانب بعضهم فوق منصة حفل تأبين الشهيد وديع الحوح (أحد قادة العرين) ورفاقه، والذي أقيم في منطقة باب الساحة وسط البلدة القديمة،  وكأن المجموعة التي فرضت تطورات الأحداث المؤثرة في الضفة الغربية تشكيلهاـ عقب إجرام إسرائيليّ طويل، ترسل رسائل لتل أبيب الغارقة بدماء الفلسطينيين تتركّز على أنّ المقاومة لن تنضب بل ستتصاعد أكثر فأكثر مع كل قطرة دم شهيد، فهي مجموعات تضم المقاومين الشبان ولا تنتمي لأي فصيل محدد، ولها إسناد شعبيّ فلسطينيّ وعربيّ يمجد المقاومة والتضامن مع القضية الفلسطينية وشعبها، في ظل مواصلة سياسة الإبادة الإسرائيليّة.

ومن جديد، برهنت مجموعة “عرين الأسود” أنّها ما زالت كابوس “إسرائيل” المؤرق، حيث جاء العرض الأخير برسائل كثيرة لم تكن في البيان الذي تلاه أحد المقاومين فقط، بل في طريقة الخروج ونمطها وتوقيتها الحساس، إضافة للحضور الجماهيريّ الكبير المساند للمقاومين الجدد الذين جعلوا من الضفة الغربية نقطة أمنية ساخنة جدًا ويتم التعامل معهما بحذر شديد للغاية تماماً كالعاصمة الفلسطينية القدس، وقد بدا المقاومون من الناحية العسكرية أكثر حنكة، وقد أعادوا تموضعهم من جديد، وبسرعة ألقوا بيانهم الخاطف وانسحبوا من المكان وسط حالة من الاستعراض المنظم والمغطى إعلاميا من قبلهم عبر “وحدة الإعلام” التي تظهر لأول مرة، أما العدد فقد فاق العدة وفقاً لمحللين، حيث كان واضحاً تزايد أعداد المقاومين، ما يعكس تطور تلك المجموعة على كل الصعد.

وبما أن تلك المجموعة استطاعت أن تربك حسابات القيادات الإسرائيليّة منذ اللحظة الأولى التي بدأت ترسم حكايات انتصار جديدة للمقاومة الشعبية، كما أنها بعثت الأمل في نفوس الفلسطينيين بسرعة فائقة، لم تكن في حسبان الإسرائيليين الذين عاشوا وما يزالون أبرز موجة مقاومة بخصائصها وتبعاتها، وقد جاء بيان “عرين الأسود” الذي حمل كلمات “موحدة” للكل الفلسطيني سياسيا وتنظيميا، ليؤكد أنّهم من الكل الفلسطينيّ، ويؤمنون بوحدة الدم والنضال وأن بوصلتهم القدس وفلسطين، وأن انتماءهم لله والوطن، وكان واضحاً من البيان تطور تفكير المقاومين عسكريّاً بما يتوافق مع مقاومتهم الجديدة، حيث ذكرت المجموعة أسماء بعض شهدائها الذين كانوا مسؤولين عن وحدة تصنيع المتفجرات، وقيادة وحدة الاستشهاديين، والنخبة، والمثقف المطلع.

وبعد أن أثبت المقاومون الجدد أنّهم قادرون على فرض معادلاتهم على العدو القاتل والسلطة الفلسطينية الخانعة، تدفقت صورهم عبر مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعيّ بمجرد ظهورهم، وتناقلها الناس وصارت حدث وحديث الساعة وسط حالة من التصفيق والصفير والترحيب العريض،  وتناسوا جراحهم التي أثخنها الاحتلال بقتله نحو 10 فلسطينيين خلال الساعات القليلة الماضية، فيما سارع كثيرون لنقل بيانات المجموعة وأبرز تصريحاتهم، في حين قام كثيرون وخاصة الشباب (الذي تمثله تلك المجموعة) بدبلجة أغاني “عرين الأسود” مع مقاطع الفيديو لاستعراضهم العسكريّ.

ولا يخفى على أحد أنّ تلك المجموعة باتت ظاهرة مقاومة جديدة موحدة شعارها واضح، القدس بوصلتها، شبابها أُسود كما كل أبناء هذا الشعب الذي يتعرض لإبادة جماعية في الداخل والخارج، يرتدون زياً موحّداً، وتغطي مخازن بنادقهم قطع قماش حمراء تدل على أن الرصاص الذي بحوزتهم لا يطلق إلا لهدف دقيق للغاية، هو الاحتلال الغاصب لأرضهم، بآلته العسكرية وقواته ومستوطنيه، ولم يتأخر رد “عرين الأسود” عن عهدها الذي قطعته باستهداف الاحتلال ومستوطنيه عبر بيانه خلال العرض العسكري الجمعة الماضي، وإعلانها النفير العام بين مقاوميه، وقرنت القول بالفعل بعد ساعات فقط من ظهورها الأخير، وتبنت في بيانها الذي افتتحته بقوله تعالى (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ) عمليتي إطلاق نار في تمام الساعة 7 و9 من مساء اليوم نفسه تجاه حاجزي حوارة وبيت فوريك العسكريين جنوب وشرق مدينة نابلس.

في النهاية، بعثت “عرين الأسود” برسائلها للاحتلال ، والتي مفادها بأنّه أوهم شعبه بأمن كاذب، ليطمئنوا أبناء شعبهم الفلسطينيّ، كما أنّ “مقاومي الجيل الثالث” كما في الضفة الغربية يسميهم الإعلام العبريّ يعدون الأشد خطراً على أمن كيان الاحتلال الذي بدأ جيشه يصطدم بنوع آخر من المقاومين يمتازون بأنهم الأكثر جرأة وشجاعة، ويسعون للمواجهة ويرفضون الاستسلام، ولا يهمهم سوى انتصار قضيّتهم على المستعمرين الفاشيين، لتبقى الضفة الغربية وأبطالها عنوان المرحلة القادمة التي ستغير بلا شك كل المعادلات على الساحة الفلسطينيّة.

* المصدر: موقع الوقت التحليلي

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع