حسني محلي

 

بعد 11 عاماً من انطلاق ما يسمى الثورة السورية لم يعد في سوريا ولا في العالم من لا يعي حقيقة كل الأحداث التي وقعت، باستثناء أولئك الخونة والعملاء الذين باعوا ضمائرهم للمتآمرين في الداخل والخارج. ويعرف الجميع أيضاً أن ما تعرضت له سوريا دولةً وشعباً، في السنوات الإحدى عشرة الماضية، كان بمثابة الحرب الكونية التي لم يشهد التاريخ البشري لها مثيلاً، إذ تآمر ما لا يقل عن مئة دولة ومنظمة إقليمية ودولية على سوريا.

 

وغزاها نحو 200 ألف من الإرهابيين الأجانب، هواة ومحترفي القتل والإجرام، إرضاء لغرائز سادتهم في المنطقة وخارجها. وحتى إن تجاهلنا اعترافات القطري حمد بن جاسم، فقد أثبتت كل المعطيات اللاحقة الدور الذي أدته الأنظمة العربية، ومعها تركيا ومن خلفها جميعاً “إسرائيل” في كل التفاصيل التي عاشتها سوريا في الفترة الماضية، وهي ما زالت كذلك.

فهذه الأنظمة المعقدة نفسياً لم تكتفِ بما ألحقته من دمار شامل بسوريا البلد فساهمت في قتل مئات الآلاف من أبناء شعبها. وهي أدّت الدور الأساسي في تهجير الملايين منه، بهدف القضاء على الهوية الوطنية والقومية للإنسان السوري بكل مكوناته الدينية والطائفية والعرقية والاجتماعية والتاريخية العريقة.

وكان ذلك غاية المؤامرة الكونية الأبرز التي استهدفت سوريا لأنها “قلعة الصمود والتصدي” لكل المؤامرات التي استهدفت، وما زالت، القضايا العربية والإسلامية الوطنية منها والقومية، وفي مقدمها فلسطين.

وكان من الضرورة أن تكون “تل أبيب” في الخندق الأول للعدوان على سوريا، وكان من الضرورة أيضاً أن تكون أنظمة المنطقة في خدمتها على نحو مباشر أو غير مباشر، وهو ما أثبتته تطورات العامين الماضيين فقط، عندما قرع حكام المنطقة في السعودية والإمارات والبحرين والمغرب والسودان وتركيا ومصر والأردن وسلطنة عمان، وسراً قطر، أبواب الكيان الصهيوني الذي يقتل يومياً الشباب الفلسطينيين والعرب، والمسلمون صم بكم لا يفقهون، جبناً ورعباً، وهم بلا شرف ولا كرامة أو دين.

ومن دون أن تكتفي هذه الأنظمة بأفعالها طوال السنوات الماضية استنفرت كل إمكاناتها لمسح سوريا عن الخريطة، بعدما استبعدتها من الجامعة العربية، ولكنها أخفقت في تحقيق أهدافها، وراحت تبحث عن سبل أخرى تساعدها في تحقيق هذه الأهداف، على الرغم من خلافات الأنظمة فيما بينها، وكان العداء لسوريا دولةً وشعباً قاسمها المشترك وتحت شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”.

فبعد أن أخفقت هذه الأنظمة ومن معها دولياً في إسقاط “نظام الأسد” وتفتيت الدولة السورية، لم يبقَ أمامها إلا اللجوء إلى السلاح الأكثر فتكاً وهو قتل الشعب السوري برمته بعد تجويعه وإذلاله بقوت أولاده، وكأن هؤلاء الأولاد ليسوا بشراً (لا أقول ليسوا عرباً أو مسلمين) في نظر الحكام ومن معهم من الخونة والعملاء والمجرمين.

فحمد بن جاسم الذي اعترف بإنفاق مئات المليارات من الدولار “للانقضاض على الصيدة”، أي على الرئيس الأسد، لم يفكر هو من معه في إرسال “حفنة من الدولارات” تنقذ أسرة سورية من الجوع أو المرض أو الموت. وأما أمثال بن جاسم فقد تسابقوا فيما بينهم، وما زالوا، لضخ عشرات المليارات من الدولارات في المصرف المركزي التركي لإنقاذ تلك البلاد من أزمتها المالية الخطرة، وحتى يبقى إردوغان في السلطة على الرغم من كل ما قاله فيهم.

فهم جميعاً يتبرعون بمليارات الدولارات للجامعات والمعاهد الأميركية، ويتصيدون الفرص للانقضاض على شعبي اليمن ولبنان حتى يموتا جوعاً كالشعب السوري. وكل ذلك مخططات ومشاريع للكيان العبري الذي يسعى لاستعباد الشعوب العربية والإسلامية وفق عقيدته اليهودية بطابعها الصهيوني.

وإلا فإن الأنظمة العربية، لو أرادت، تستطيع في يوم واحد، إن لم نقل في ساعة واحدة، أن تساعد الشعبين السوري واللبناني على حل مشكلاته المعيشية اليومية، ليس بالمساعدات المالية وحسب، بل عبر الانفتاح تجارياً واقتصادياً على هذين البلدين العربيين، ومن دون أن تبالي بالتهديدات الأميركية والغربية.

وإلا فالسؤال يسير جداً وهو ماذا تريد الأنظمة المذكورة من الشعبين السوري واللبناني؟

فإذا كانت هي، كما تقول، “ضد نظام الأسد وحزب الله”، فلماذا لا تساعد الشعبين السوري واللبناني مباشرة، ولا أعتقد أن الرئيس الأسد والسيد حسن نصر الله سيعترضان على ذلك كما اعترض الآخرون على البترول الإيراني والكهرباء السورية والغاز المصري إلى لبنان، وقبل ذلك على البترول الإيراني إلى سوريا.

ثم لماذا تلتزم هذه الأنظمة العقوبات الأميركية والغربية على سوريا ولبنان واليمن، (لنترك إيران جانباً) ولا تحرك ساكناً لفرض أي عقوبات على دولة الاحتلال التي لم تجرؤ واشنطن ولا أي عاصمة غربية أخرى على فرض أي عقوبات عليها بأي شكل من الأشكال، ومهما ارتكبت من جرائم يومية ضد الشعب الفلسطيني.

من دون أي شك، لا ولن تتراجع الأنظمة عن مواقفها التآمرية ما دامت قراراتها مرهونة بيد الكيان الصهيوني ومن معه في أميركا والعواصم الغربية، التي قتلت منذ الحرب العراقية-الإيرانية ملايين العرب والمسلمين.

من دون أدنى شك، ستستمر هذه الأنظمة في عمالتها وتآمرها على شعوبها وشعوب المنطقة، وإلا كيف لنا أن نفسّر مواقف هذه الأنظمة تجاه القضية الفلسطينية منذ بدايتها. وكيف لنا أن نفسّر سكوت الأنظمة وتجاهلها لما يعانيه الشعب الفلسطيني، ليس بفعل عدوان الكيان الصهيوني يومياً وحسب، بل في حياته اليومية.

فهذه الأنظمة التي تسكت عن معاملة “إسرائيل” آلاف الفلسطينيين عندما يذهبون يومياً للعمل في مزارع المستوطنين اليهود، ولا تفكر في تنفيذ المشاريع التنموية لهم لن تتردّد، من دون أي شك، في الانتقام من الشعبين السوري واللبناني، لأنهما وقفا ويقفان دائماً إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله، ليس من أجل الاستقلال وحسب، بل من أجل العيش الكريم. وهو ما لا وجود له في قواميس وأعراف الأنظمة المذكورة، وقاسمها الجيني المشترك هو العمالة والخنوع والاستسلام، ثم العداء لكل ما هو إنساني شريف وأبيّ.

باختصار، القضية ليست قضية “نظام يراد تغييره في دمشق”، بل هي أكبر من ذلك بكثير، إذ تسعى الأنظمة العربية والإقليمية بالتناوب لتدمير كل دولة تعترض على الأجندة الصهيو-أميركية، وهدفها الوحيد هو القضاء على كل عربي ومسلم شريف يرفض الاستسلام والخنوع والركوع أمامها.

  • المصدر: الميادين نت
  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع