بقلم: فيصل جلول

 

(موقع ” madaniya”الناطقة بالفرنسية, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

 

نص مساهمة المؤلف في مؤتمر “الديمقراطية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط” ندوة نظمها المعهد الإسكندنافي لحقوق الإنسان في جنيف.

ملاحظة المحرر:

بعد أربع سنوات من عدوانها على اليمن، ومع ارتفاع وتيرة الضغوطات الأمريكية والدولية عليها لإنهاء هذه الحرب في أعقاب اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا، فإن المملكة العربية السعودية في حاجة ماسة إلى مخرج من هذه الأزمة, ولن تحظى بذلك إلا بمساعدة من القوى العظمى لإخفاء فشلها الواضح والذريع.

أطلقت المملكة السعودية “مشروع البحر الأحمر” بالتعاون مع خمسة بلدان متاخمة لهذا الممر المائي الاستراتيجي الهام والمطل على تقاطع الممرات الملاحية الدولية الواقعة على طريق النفط: “مصر، والسودان، والأردن، وجيبوتي, والصومال واليمن ممثلة بشخصيات هامة موالية للرياض), إذ تخطط السعودية لاستثمار 1.5 تريليون دولار للترويج للمنطقة والحفاظ على تأثيرها وتواجدها على الأرض, ولكن لنعد إلى هذه الحرب البعيدة عن دائرة الضوء والتي تشنها دولة مارقة ضد أفقر دولة عربية.

اليمن، مهد حضارة المزدهرة:

في العصور القديمة، كان اليمن موطناً للكثير من الحضارات المزدهرة, حيث نشأت وتطورت ست ممالك في هذه المنطقة من شبه الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وهي: معين، وقتبان، وأوسان ، وسبأ، وحمير وحضرموت.

كانت مملكة سبأ هي الأكثر شهرة بين الممالك اليمنية القديمة والتي استمرت لما يقرب من أحد عشر قرنا, حيث كانت واحدة من أكبر الممالك في المنطقة.

فهذه المملكة كانت بمثابة أسطورة شعبية, وذلك نظراً لذكرها وملكتها في الكتاب المقدس للعرب “القرن الكريم”, كانت مدينة مأرب عاصمة لمملكة سبأ, وفي ذلك الوقت بنا السبئيون سد عملاق اعتبر أعجوبة الهندسة المعمارية القديمة، عملوا من خلاله على تطوير نظام الري الذي يعتمد على شبكات وقنوات الري الذي بث الحياة للعديد من الأراضي الزراعية.

كما عملت مملكة سبأ على توسيع رقعتها في العام 700 قبل الميلاد, حيث بسطت قبضتها على معظم أراضي المنطقة الجنوبية من شبه الجزيرة العربية, وقد استندت هذه الحضارة الرائعة على تجارة اللبان والمر من خلال الشبكات التجارية المتجهة إلى الصين والهند ومناطق الشرق الاوسط.

ولتسهيل أعمالهم التجارية ، قاموا ببناء سلسلة من المستعمرات على طول الشريط الساحلي للبحر الأحمر ابتدأ من المناطق الشمالية ووصولاً إلى مضيق باب المندب والمحيط الهندي والقرن الأفريقي, حيث قاموا ببسط سيطرتهم على كافة تلك المناطق, إذ تم اكتشاف بقايا الفن والهندسة المعمارية السبئية فيها حتى وصلت إلى المناطق الشمالية من إثيوبيا.

ومع ظهور الدين الإسلامي , لعبت القبائل اليمنية دوراً رئيسياً في الفتوحات الإسلامية لمصر والعراق وبلاد فارس وبلاد الشام, وفي القرن الثالث عشر، كان اليمن يتمتع بثقافة إسلامية منقطعة النضير, حيث ضم البلد العديد من المدارس ومراكز التعلم الإسلامي.

وقد أدى ذلك إلى تطوير بنية مميزة فريدة من نوعها في المنطقة, والتي اعتمدت بشكل شبه كلي على مواد البناء المحلية, إذ تحتضن العاصمة صنعاء اليوم “مدينة صنعاء القديمة” والتي يرجع تاريخ بناءها إلى القرن الأول الميلادي، فهذه المدينة خير مثال على تطور الفن المعماري اليمني الفريد.

إرادة الملك عبد العزيز:

“عز المملكة في ذُل اليمن، وذُل المملكة في عز اليمن”, من الواضح أن أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز لم يتجاهلوا نصيحة مؤسس الدولة الوهابية والمملكة العربية السعودية الحالية , حيث شن الملك فيصل حرب استمرت ست سنوات ضد النظام الناصري المصري , حيث أخذ النظام الوهابي على عاتقه مهمة الدفاع عن نظام الإمامة الظلامي الذي كان سائداً في اليمن في ستينيات القرن الماضي.

وبمجرد أن اعتلى عرش المملكة , عمل خلفه البعيد سلمان والذي كان يبدو انه في عجلة من أمره لخوض  عمليات قتالية , على إطلاق تحالف ضم في طياته الممالك النفطية , وذلك في اواخر مارس من العام 2015 ضد هذا البلد الذي يعتبر من أفقر دول العالم العربي , فهذه الحرب يمكن من خلال مدتها وتكلُفتها استنزاف كافة موارد المملكة , إضافة إلى استنزاف مصداقيتها أمام الرأي العام الدولي.

تداول الناس احد الروايات والتي اشاروا فيها إلى استخدم الإمام البدر حيله اراد من خلالها إثارة إعجاب رعاياه:” فعندما كان الإمام البدر يقود سيارته الكهربائية في احد الشوارع , اقترب منه احد رعاياه لتقديم التحية, وحينما اتكاء على السيارة , تلقى صدمة كهربائية, أثار هذا الموقف إعجاب جميع الحاضرين , لدرجة أن هذا الموقف اصبح بمثابة جزءا من أسطورة وقداسة الإمام الذي لا يمكن المساس به, وهذا يعطي فكرة عن الجو السائد في هذا البلد في ذلك الوقت.

الموقع الروحي والاستراتيجي لليمن:

لماذا كل هذا الزخم الذي يحظى به اليمن؟ ببساطة شديدة لسبب مزدوج: فمن جهة أستظل هذا الزخم بظلال روحاني, ومن جهة اخرى بظلال جيوسياسي.

يعود السبب الروحاني الذي يختص به هذا البلد بشكل حرفيا إلى وقوعه إلى الجانب الأيمن من منطقة مكة المكرمة، كما انها الدولة العربية الوحيدة التي ضمت فئتين رئيسيتين من السكان العرب: العرب العاربة والعرب المستعربة, وهذا ما منح اليمنيون الأصالة العربية العريقة وحق التفوق الحضاري على جيرانهم البدو الرُحَل.

في حين يعود السبب الجيوسياسي إلى أن اليمن يتمتع بواجهة بحرية بطول 2000 كم, عند تقاطع الممرات الملاحية لنظام الطاقة العالمي, البحر الأحمر، خليج عدن، البحر العربي أو ما يعرف في السابق ايضاً باسم بحر عُمان, وما وراء الخليج العربي- الفارسي والمحيط الهندي.

فالموقع الاستراتيجي الذي تختص به اليمن كان بمثابة مصدر يسيل له اللُعاب, في حين أن المنطقة هي مسرح لإعادة الانتشار الإستراتيجي مع تطوير قاعدتين عسكريتين جديدتين في جيبوتي: الأولى قاعدة عسكرية تابعة للولايات المتحدة الأمريكية والأخرى تابعة للصين والمتاخمة للقاعدة الفرنسية السابقة, ناهيك عن تهافت العديد من الدول للسيطرة على الخط الساحلي للبحر الاحمر, حيث تضم المنطقة كذلك قاعدة إسرائيلية في إريتريا وقاعدة إيرانية في الصومال.

يشكل النظام العدائي الإمامي في اليمن تهديداً مباشراً لمصر, أكبر دولة ضمن المنظومة العربية, وذلك بسبب المخاطر التي تضعها على الملاحة في قناة السويس عبر سيطرتها على منفذها في البحر الأحمر، وبالتالي على الصادرات المصرية التي تعتبر أحد مصادر الدخل الرئيسية الهامة للعملة.

كان التدخل الناصري “المصري” في اليمن بمثابة ردّ على الرغبة في قمع هذا التهديد من خلال الحصول على موطئ قدم لمصر في المناطق الشمالية من اليمن وفي حال طرأ تغيير على وجود المحمية البريطانية المتواجدة في الجهة الجنوبية من اليمن, قام النظام الناصري بدعم “جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل”, وهي حركة قومية عربية يقودها عبد القوي مكاوي, الذي كان يقود المقاومة ضد القوات البريطانية المتمركزة في الجنوب.

ومن خلال دعم الحركة الاستقلالية في جنوب اليمن, تم إنشاء نظام جمهوري متحالف مع السلطات في شمال اليمن، حيث كان الرئيس عبد الناصر ينوي تأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وما وراء قناة السويس.

أهداف المملكة العربية السعودية: حضرموت والالتفاف حول مضيق هرمز ومضيق باب المندب

أدى الهوس بإيران بالمملكة العربية السعودية إلى السعي وراء الاستيلاء على حضرموت أكبر محافظات في جنوب اليمن والمطلة على البحر العربي والتي من خلالها يمكنها تجاوز مضيق هرمز ومضيق باب المندب من أجل تسويق مواردها النفطية عبر المحيط الهندي, حيث يتحكم كل من يسيطر على هذين المضيقين بجزء كبير من حركة النفط الخام حول العالم.

نفس الهوس رافق قطر, حيث راودها هاجس حفر خط أنابيب برية لبيع الغاز إلى داخل التراب الأوروبي عبر البحر الأبيض المتوسط مروراً بسوريا وتركيا, بيد أن الرئيس السوري بشار الأسد رفض هذه العرض جملة وتفصيلا, وبالتالي ادى رفض هذا العرض المشترك المقدم من قطر وتركيا في تعجيل البدء بعملية زعزعة الاستقرار في سوريا تحت غطاء ثورات “الربيع العربي”.

كان سبب الرفض السوري للعرض التركي القطري لأنه أصطدم بمصالح الحلفاء الثلاثة – الجزائر وروسيا وإيران- الذين يحلقون خارج سرب منظومة حلف شمال الاطلسي “الناتو” والتي تتحكم بالإمدادات الرئيسية للاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي.

السعودية وتضيق الخناق على اليمن:

لمدة ثلاثين عام, أي منذ العام 1960 إلى العام 1990، والمملكة السعودية تمارس السيطرة الكاملة على الحياة السياسية في اليمن، ففي هذه الفترة كان البلد تحت ولاية الرئيس علي عبد الله صالح وأسلافه , بما فيهم العقيد إبراهيم الحمدي , الذي اغتيل جراء سعيه وراء إنشاء وزارة للدفاع تكون قادرة على تقديم الدعم المباشر لكل من القوات المسلحة اليمنية والاتحادات القبلية الكبرى.

سعى الرئيس صالح إلى زعزعة الوصاية السعودية التي أثقلت كاهل اليمن وذلك من خلال التحالف مع الرئيس العراقي صدام حسين في ثمانينيات القرن العشرين ، وذلك من أجل تقويض مجلس التعاون الخليجي الذي يتألف بشكل حصري من الدول الست النفطية الخليجية، والذي استبعاد الدولتين ذات النظام الجمهوري: العراق واليمن.

ولطالما سعى الرئيس صالح إلى الاستظلال تحت المظلة العراقية, إذ كرر صالح فعلته مرة اخرى خلال الغزو العراقي لدولة الكويت في العام 1990, حيث اثار هذا الفعل حفيظة الممالك النفطية, وبالتالي ابدت ممالك الخليج رغبتها في منح اليمن درساً في تصحيح المسار, بحيث تظل راسخة على رأس الهرم السياسي.

علي عبد الله صالح بمثابة صمام أمان “ثورات الربيع العربي” للممالك الخليجية النفطية:

في فبراير من العام 2011, تسببت الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في البحرين من تنامي الخوف لانتشار العدوى الثورية في جميع انحاء الممالك النفطية.

حينها, أرسل الملك عبد الله بن عبد العزيز مفرزة مكونة من 1000 جندي سعودي, تنضوي هذه المفرزة تحت لواء قوات درع الجزيرة- قوات مشتركة تابعة لمنظمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية- إلى العاصمة البحرينية المنامة لقمع الثوار، دون أي تفويض دولي, كما أمر الملك عبد الله بإنفاق 400 مليون دولار للسعوديين من أجل تحسين الظروف المعيشية للشعب السعودي, ناهيك عن كونه من احد الايادي التي عمدت إلى تأجيج الإنقلاب ضد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح, حيث كان هذا الفعل بمثابة عقاب تأدبي متأخر للرئيس صالح على تحالفه في الماضي مع الرئيس العراقي صدام حسين، فهذا الفعل كان بمثابة صمام أمان أمام الاضطرابات التي تعصف بالمنطقة.

وعلى اثر موجة الاحتجاجات التي تعرض له نظم الحكم في اليمن, تعرض الرئيس صالح لإصابة خطيرة جراء قصف مقر إقامته في القصر الرئاسي, وتم نقله إلى مستشفى في العاصمة السعودية الرياض ومن ثم أكمل علاجه في الولايات المتحدة.

وبعد تلاقيه العلاج بالكامل أختار العودة إلى اليمن لعدم إعطاء انطباع بأنه قد فر من ساحة المعركة , وقبل كل شيء من أجل عدم إطلاق العنان للاتهام الرياض وإسناد المسؤولية الكاملة لها عن تلك الاضطراب التي خيمت على البلد, بينما واصلت الإدارة السعودية المضي قدماً في زعزعة استقرار اليمن.

وثيقة الملك خالد للرئيس ابراهيم الحمدي:

أضف إلى ذلك , كان الرئيس صالح يمتلك نص الوثيقة التي أرسلها الملك خالد بن عبد العزيز الذي تربع على عرش المملكة في الفترة ما بين 1976-1982 إلى إبراهيم الحمدي الرئيس اليمني الذي حكم اليمن خلال الفترة 1974-1977, حيث تنص تلك الوثيقة على منح اليمن جيش حديث يتمثل بقوات أمن داخل البلد فقط.

وعندما استولى على السلطة، تعهد الرئيس صالح آنذاك ببناء جيش قوي حديث قادر على الدفاع عن حدود بلده, وهذا القرار لم يرق كثيرا لصناع القرار في المملكة الذين يريدون إبقاء اليمن تحت سيطرتهم.

وبمساعدة الجيش اليمني بالرغم من كونه حديث التكوين ، إلا أن الرئيس صالح تمكن في العام 1994، من هزيمة المشروع السعودي الرامي لتقسيم البلد بين الشمال والجنوب مما ألحق الهزيمة القاسية للدعم العسكري السعودي والمقدم للنخبة السياسية في الجنوب في ذلك الوقت.

والامرّ من ذلك ، ففي العام 1995, هدد الرئيس صالح حكومة أسمرة باستخدام القوة لاستعادة جزر حُنيش التابعة للأراضي اليمنية الواقعة في البحر الأحمر والتي احتلتها إريتريا.

وفي نهاية المطاف , حصل اليمن على تحكيم مواتٍ من الولاية القضائية الدولية لاستعادة  تلك الجزر بشكل نهائياً.

ولدى عودته إلى اليمن , استشاط علي عبد الله صالح غضباً من المؤامرة السعودية لتعيين هادي رئيساً لليمن في غيابه.

فقد كان الرئيس هادي ضابط سابق في الجيش البريطاني في مدينة عدن التي كانت في وقت سابق أحدى المحميات البريطانية في منطقة شبه الجزيرة العربية.

ومن جانبه, قرر الرئيس هادي خوض المعركة مع السعوديين, ضد علي عبد الله صالح الذي كان يتمتع بولاء قوي بين وحدات الجيش ، لذا قرر العمل على عكس التيار الذي يسير عليه التحالف العربي, ووضع يده بيد الحركة الحوثية, وهذا ما فتح الطريق أمام الحوثيين للوصول إلى العاصمة صنعاء.

وبناء على النصيحة التي اسدتها ايران، قبل الحوثيون هذا التحالف المخالف للوضع القائم في البلد, حيث تم تطبيق استراتيجية الخنق التدريجي حتى الممات على عدوهم السابق ، وفي الاخير تمكن الحوثيون من اغتيال علي عبد الله صالح على خلفية المفاوضات التي تمت مع الجانب الأماراتي.

دقة ساعة الصفر، حيث خطط الحوثيون بوضع حليفهم تحت الاقامة الجبرية , وفي بادرة لحسن النية, اقترح الحوثيين على صالح المكوث يبن اهله وعشيرته, وفي حال وافق صالح على هذا المقترح, فهذا يشير إلى وضعه تحت حماية عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين , وهذا المقترح غير مقبول لعلي عبد الله صالح, الذي يستحق الموت في القانون القبلي “قانون الحوثيين” والذي لا يزال ساري المفعول في اليمن حتى القرن الواحد والعشرين.

وفي خضم المفاوضات بين صالح والحوثيين ، أقدم أعضاء من قبيلة علي عبد الله صالح والمتحالفين مع الحركة الحوثية ، باغتياله , وذلك من خلال شريط فيديو بثه الحوثيون, إذ يظهر بوضوح انتماء فرقة الكوماندوز التي أوكل اليها عملية تصفية الرئيس السابق صالح لعشيرته.

في خضم التوتر، قامت قطر بست مهام من المساعي الحميدة بين علي عبد الله صالح والحوثيين, وبدون جدوى , فالصراع مفتوح مع السعودية بشأن التحالفات التي تم ربطها في اليمن، حيث انسحبت قطر بشكل كامل من الحرب اليمنية في العام 2017, ومن ثم ماليزيا في العام 2018.

الحوثيون: “المقاتلون الأشباح”، صانع قرار إقليمي ذو أهمية مشابهة لحزب الله اللبناني:

يقاوم الحوثيون منذ العام 2015، بنجاح قوات التحالف العربي والتي تضم في طياتها ثمان دول: ستة منها تندرج تحت مسمى الممالك النفطية “المملكة العربية السعودية والبحرين، ودولة الامارات العربية المتحدة, والكويت، والمغرب، وقطر, وبلدين من القارة الافريقية السودان والسنغال.

تحالف ضم موارد عسكرية ضخمة: سلاح جوي، وسلاح بحري, وأسلحة متطورة توفرها الدول الغربية والمرتزقة الأجانب، وليس هذا فحسب, بل يحظى هذا التحالف بدعم من الدول الغربية التي اخذت على عاتقها تقديم الخدمات اللوجستية وحصار الموانئ اليمنية.

رفضت أربع دول إسلامية رئيسية: مصر وباكستان وتركيا وإندونيسيا, العرض الذي تقدمت به الرياض للمشاركة العسكرية البرية على الأرض اليمنية, إذ يعتبر مخالف لقوانين تلك الدول.

يقدم الحوثيون أنفسهم كمقاتلين أشباح يتميزون بسرعة التحرك ويجيدون التعامل مع فن التمويه والتخفي بشكل رائع ضد خصومهم العاجزين ، كما يحسنوا التصرف في خرق الدفاعات الجوية السعودية , ناهيك عن سخريتهم من منظومة الباتريوت المضاد للصواريخ ، حيث تم قصف الرياض عاصمة القصر الملكي السعودي بشكل منظم ودقة في الاستهداف ، كما استهدفوا مرافق شركة أرامكو النفطية، ومناطق بمحافظة الطائف السكن الصيفي للعائلة المالكة، بالإضافة إلى وضع أبها ، وخميس مشيط  ومطارات دبي وأبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة في مرمى نيرانيها, فقد استقر مائتي صاروخ باليستي في احضان الدولة السعودية, وقد تم تأكيد هذا الكم من الصواريخ في مؤتمر صحفي للمتحدث الرسمي لقوات التحالف العربي.

وتستمر الغارات على المناطق الحدودية اليمنية – نجران وجيزان وعسير- في حين تستمر المطالبة اليمنية بهذه المحافظات الثلاث التي ضمها النظام الوهابي بصورة قسرية خلال العشر سنوات في الفترة ما بين 1930-1940.

وخوفا من السخرية ، قرر الأميركيون الانسحاب بعد مرور ثلاث سنوات من خيبة الأمل لنظام الدفاع الصاروخي من باتريوت الذي تم نشره في الملكيات الخمس البترولية: المملكة العربية السعودية، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة ، والكويت وقطر, وقد تستبدل بنظام آخر أكثر كفاءة.

في حالة التعبئة الدائمة، يوجد لدى الحوثيون خط جبهة يبلغ طوله 600 كيلومتر, ومن خلاله تم دفع مآثرهم العسكرية إلى مرتبة ممثل إقليمي ذي أهمية يوازي دور حزب الله اللبناني.

جزيرة سقطرى: ستة مليارات دولار لإعادة تأهيلها:

تُقدر تكلفة إعادة تأهيل المناطق الساحلية بأبها والطائف وخميس مشيط الأراضي اليمنية، وتنمية مرافق الموانئ ذات الصلة بما يدنوا من 6 مليارات دولار.

يقع ارخبيل سقطرى ضمن النطاق الاقليمي للمحيط الهندي، حيث تنفرد هذه الجزر بأهمية استراتيجية بالغة، فهي من المناطق التي تثير لهفة سكان المناطق المطلة على البحر, وبالأخص القائمون على السلطة في إمارة أبو ظبي, حيث يخططون لبناء شبكة موانئ في المنطقة تعتبر امتداد لموانئ دبي وعدن وجيبوتي وما إلى ذلك…..

 آفاق المستقبل:

في حالة تم هزيمة الحركة الحوثية، ستعمل الرياض على تنفيذ خطتها لتقسيم اليمن إلى ست اقاليم، حيث سيتم حصر الحوثيين في منطقة قمع محاطة بمناطق معادية ومغلقة لا تمتلك أي منفذ يمكنها من الوصول إلى البحر, باختصار سيتم وضع الحركة الحوثية في منطقة محاصرة.

يشكل الارتباط في النسيج الاجتماعي بين شطري اليمن 20% من اجمالي عدد الزيجات, مما يجعل إعادة اليمن إلى ما قبل 1990 أمراً صعب, وبالتالي سيتحتم على لابو ظبي إنشاء نظام فيدرالي يشمل اليمن باكمله, فهذا التقسيم سيأخذ في الاعتبار المصالح الخاصة للأطراف المتحاربة المنتصرة.

وفي فرضية أن الأمر آل في نهاية المطاف إلى انتصار الحوثيين، فإنهم سوف يميلون إلى أن يقتدوا بحليفهم الإيراني, وذلك عن طريق تقديم بديل للجمهورية الإسلامية، على الرغم من أنه في مثل هذه البيئة العدائية, قد  تدنوا الحكمة من اختيار صيغة مرنة من نوع “الجمهوري الرسمي” مع نظام انتخابي وفصل عشوائي للسلطات، قد تستند عملياتها إلى تلك السارية في إيران, وأيِن كان المصير الذي ستؤول اليه المملكة العربية السعودية فأنه يرتبط ارتباطا وثيقا بمصير اليمن.

وبالنسبة إلى وريث العرش السعودي الامير المتهور محمد بن سلمان الذي اقحم المملكة  في حرب الداخلية على ثلاث جبهات، الاولى ضد أمراء من الاسرة الحاكمة الذين تم عزلهم من السلطة، والثانية ضد المؤسسة الدينية المتشددة، والثالثة ضد التطرف داخل المملكة وخارجها, كل ذلك يصب في مصب استكمال مشروعه رؤية 2030.

لم يكتفي الامير محمد بن سلمان عند هذا  الحد فحسب, بل فقد أقحم المملكة في حرب في اليمن مستنداً فيها على الحليف الوهمي عبد ربه منصور هادي, بالإضافة إلى الحرب السورية التي بآت فيها بالفشل الذريع.

إن هزيمة المملكة العربية السعودية في حربها ضد البلد العربي الأكثر فقرا سوف تبدو وكأنها ناقوس الموت للأسرة الوهابية, وبالنسبة للأمير محمد بن سلمان, فان احتمالية بقائه في فضاء العالم السياسي لن يتجاوز ربع ساعة, والويل للمهزومين.

* متخصص في الشأن العربي، مساهم في الأكاديمية الجيوسياسية في باريس