قطر تضخ دماءً جديدةً في عروق الاقتصاد التركي الراكد.. أردوغان يحاول إنقاذ عرشه
السياسية – رصد :
أظهر رجب طيب أردوغان، خلال عقدين من حكمه على رأس السلطة التركية، أنه دائمًا يمتلك معجزةً ضد الأخطار التي تهز أسس حكومته، لدرجة أن لديه دائمًا ورقة رابحة لمواجهة المعارضة.
وفي هذا الطريق، بالطبع، ليس أردوغان وحيدًا، وكلما واجه مشاكل، يرى الملاذ الأخير في طلب المساعدة من الأصدقاء الأجانب. والآن، في ظل الظروف التي ساءت فيها الحالة الاقتصادية لتركيا مع بقاء أقل من عام على الانتخابات الرئاسية العام المقبل، يأمل أردوغان مرةً أخرى في الحصول على مساعدة صديقه الثري في الخليج الفارسي.
وفي هذا الصدد، قالت بعض المصادر إن قطر ستقدم 10 مليارات دولار كمساعدات مالية لتركيا، منها نحو 3 مليارات دولار ستقدم لأنقرة بنهاية العام الجاري، والباقي سيسلم إلى تركيا العام المقبل.
وأعلن مسؤول تركي أن الميزانية بأكملها يمكن أن تكون في شكل مقايضات أو سندات أو طرق أخرى، وقد ناقش القادة الأتراك والقطريون هذه المسألة.
وفي نفس الوقت الذي تقدم فيه المساعدة المالية القطرية، قال المتحدث باسم وزارة المالية السعودية قبل أيام، إن الرياض وأنقرة في المرحلة النهائية من المفاوضات بشأن إيداع الرياض 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي.
تم الإعلان عن هذه المساعدات المالية، التي يمكن أن تنقذ الاقتصاد التركي من الوضع الكارثي الحالي، بعد أن سافر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الدوحة الأسبوع الماضي للمشاركة في حفل افتتاح كأس العالم، وتمت هناك مصافحة قصيرة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
بعد عدة سنوات من التوترات السياسية، قامت تركيا والسعودية مؤخرًا بتطبيع العلاقات بينهما، وتحاول الرياض على ما يبدو الاستثمار في أجزاء مختلفة من تركيا. وقبل أسبوعين أيضًا، وافق مجلس الوزراء السعودي، برئاسة ملك البلاد، على إجراءات جديدة لتشجيع الاستثمار المباشر في تركيا، والتي سيتم تنفيذها بعد الموافقة النهائية.
وحسب التقارير، يبلغ حجم الاستثمار السعودي في تركيا حاليًا نحو 18 مليار دولار، وإذا تحقق استثمار 5 مليارات دولار وحضور مستثمرين سعوديين في تركيا، سيزداد هذا الرقم.
لم يكن للسعودية علاقات جيدة مع تركيا في السنوات الأخيرة، وبما أنه لا توجد ثقة بين سلطات أنقرة والرياض، فإن الادعاء باستثمار قدره 5 مليارات دولار قد يظل مجرد کلام. کما أنه في العامين الماضيين، عززت السعودية تعاونها العسكري والاقتصادي مع اليونان، عدو تركيا، الأمر الذي أثار استياء أنقرة.
وفي السابق أيضًا، كانت الإمارات قد قطعت وعودًا للاستثمار في القطاعات الاقتصادية التركية، لكن سلطات أبو ظبي ليست مهتمةً کثيراً بتطوير العلاقات مع تركيا، ولم تتخذ السعودية أو أبو ظبي أي إجراء لتقديم المساعدة المالية لتركيا.
الاستمداد من قطر
بما أن أردوغان لم يراهن على كلام السعوديين، لهذا السبب لجأ إلی قطر من أجل حل جزء من مشاكل بلاده بمساعدة مالية من هذا الحليف الخليجي.
وتعدّ المساعدات المالية القطرية البالغة 10 مليارات دولار استمرارًا للعلاقات القوية بين البلدين في السنوات الماضية، والتي أسفرت عن اجتماعات متكررة بين المسؤولين من الجانبين.
تركيا وقطر شريكان استراتيجيان توسع تعاونهما منذ أزمة الدول الخليجية في عام 2017، عندما زادت أنقرة من وجودها العسكري لحماية الدوحة من انقلاب محتمل في قطر.
في ذلك الوقت، أرسلت تركيا المئات من قواتها العسكرية إلى قطر للدفاع عن حكومة هذا البلد ضد تهديدات السعودية وحلفائها، بل بنت قاعدةً في الدوحة لمراقبة التحركات العربية عن كثب.
وتحاول السلطات القطرية، التي تدين بجزء من استقرارها الداخلي إلى المساعدات العسكرية التركية، استخدام أكبر أصولها، وهي الاحتياطيات المالية، لمساعدة الاقتصاد التركي.
قبل أزمة قطر مع المشيخات العربية، كانت استثمارات قطر في تركيا عام 2015 نحو مليار دولار، وفي عام 2017 كانت نحو 6.2 مليارات دولار، لكن في السنوات الأربع الماضية تضاعف هذا الرقم.
وفي أغسطس 2018، بعد لقاء أردوغان مع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر في أنقرة، التزمت الدوحة باستثمار مباشر بقيمة 15 مليار دولار في تركيا. يشمل استثمارات قطر في تركيا جميع القطاعات، وبناءً عليه، في سبتمبر 2022 أعلنت قطر أنها اشترت حصة نفق أوراسيا في اسطنبول.
استثمارات قطر الکبيرة في تركيا تضمّ أيضًا منصة ديجي ترك للتلفزيون الكبلي وبنك التمويل وبورصة إسطنبول ومركز تسوق استينيا بارك. کما أن استثمارات قطر واسعة للغاية، لدرجة أن بعض معارضي أردوغان قالوا إن الحكومة تبيع بهدوء كل شيء في تركيا للعرب.
في حين أن أقل من 1٪ من أسهم بنك تركيا فينانس مطروحة للتداول العام، فقد تجاوزت قيمتها السوقية في السنوات الأخيرة 40 مليار دولار، وهو ما يزيد بنحو 10 مليارات دولار عن القيمة الإجمالية لأكبر ستة مقرضين خاصين في تركيا، وقد وصل إلى حوالي 20٪ من القيمة الإجمالية لبورصة إسطنبول. ويری مراقبو السوق أن مثل هذه الزيادة الحادة غير عادية، ويشيرون إلى أن قطر قد استثمرت بكثافة في هذا المصرف.
كما استثمر القطريون في أكبر مشغل تلفزيوني في تركيا، وشركة BMC لتصنيع السيارات المدرعة، ومجموعة صباح التليفزيونية الإعلامية، وشركة إنتاج الدجاج، وفنادق كبرى في منتجع مارماريس.
من ناحية أخرى، يشمل الاستثمار المباشر لقطر عمليات شراء العقارات، بما في ذلك القصور الفخمة على شواطئ البوسفور، وكذلك الأراضي الواقعة على طول قناة اسطنبول وبحر مرمرة. وإضافة إلى الاستثمارات المباشرة، استثمر القطريون أيضًا في الأسهم والسندات الحكومية التركية، لكن لا تتوافر إحصاءات عن هذه المبالغ.
يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في قطر أكثر من 80 ألف دولار، بينما يصل نصيب الفرد في تركيا إلی حوالي 9 آلاف دولار فقط. وتدير تركيا عادةً عجزًا في الحساب الجاري يتراوح بين 25 مليار دولار و 30 مليار دولار سنويًا، بينما تتمتع قطر الغنية بالنفط والغاز بفائض في الحساب الجاري لا يقل عن 25 مليار دولار، ما يسمح لها بالاستثمار على نطاق واسع في الخارج.
وحسب الإحصائيات، بنهاية عام 2021، استثمرت قطر 32 مليار دولار في تركيا، وستكون تركيا، بعد ضخ 10 مليارات دولار أخرى من المساعدات المالية القطرية، الوجهة الرئيسية الأولى للاستثمارات الأجنبية لقطر.
تقول شركات المقاولات التركية إنه خلال التوتر مع العرب، وفرت قطر لهم فرصةً فريدةً لعرض أعمالهم على نطاق عالمي، وهي فرصة يأملون أن تظل متاحةً لشركات المقاولات التركية مع تحسن علاقات الدوحة مع العرب.
وعلى الرغم من أن حجم تجارة تركيا مع قطر كان يزيد قليلاً على 1.5 مليار دولار في عام 2021، إلا أن حكومة أردوغان حريصة على جلب بعض من فائض رأس مال هذه المشيخة الغنية إلى تركيا، وخلق انفتاح في اقتصادها المنهار من خلال الاستثمار في قطاعات مختلفة.
في عام 2022، اقترضت وزارة المالية التركية 9 مليارات دولار، وهو جزء من توقعات القرض الأجنبي البالغة 11 مليار دولار لهذا العام. خصصت هذه الوزارة 10 مليارات دولار في الميزانية للاقتراض الخارجي لعام 2023، لكنها قد تمضي قدمًا في إصدار الديون إذا لزم الأمر للتمويل الأولي. لكن يبدو أن العشرة مليارات دولار التي ستمنحها قطر، هي لسداد هذه الديون العام المقبل.
محاولة التغلب على التضخم
مع رفض الدول الغربية للاستثمار في تركيا، لجأت أنقرة إلى الدول الصديقة للحصول علی الموارد الخارجية، لتجنب سياسة دعم الليرة من خلال موازنة العرض والطلب على الدولار في الاقتصاد.
وفقًا لبنك غولدمان ساكس الأمريكي، بين مارس وسبتمبر فقط، استخدمت تركيا 17.9 مليار دولار من أصول حساب احتياطي النقد الأجنبي للحفاظ على قيمة الليرة.
تسعى الحكومة التركية إلى دعم الليرة، لأنه على الرغم من الزيادة الحادة في التضخم في هذا البلد، فإن البنك المركزي التركي لم يقم فقط برفع سعر الفائدة، بل خفضه أيضًا، ما تسبب في مزيد من ضعف الليرة.
تواجه حكومة أردوغان أزمةً اقتصاديةً ضخمةً منذ ثلاث سنوات، ووصل التضخم في تركيا إلى نسبة غير مسبوقة بلغت 70 في المئة، ما رفع صوت المعارضة الداخلية. لذلك، فإن أردوغان بحاجة ماسة إلى الموارد المالية والاستثمارات الأجنبية حتى يتمكن من حل بعض هذه المشاكل.
وبالتالي، فإن تدفق الأموال الجديدة من قطر يضخ دماءً جديدةً في عروق الاقتصاد التركي الراكد، الذي يواجه حاليًا أزمةً حادةً من ارتفاع أسعار الوقود والطاقة.
ونظرًا لوقوعها على طريق الاتصالات السريع بين الشرق والغرب، فقد وقعت تركيا عدة اتفاقيات لتبادل العملات بقيمة مليارات الدولارات مع قطر والصين والإمارات وكوريا الجنوبية في السنوات الماضية، حتى تتمكن من تلبية احتياجاتها من الطاقة وكسب الدخل لتحسين اقتصادها الضعيف.
يتطلع أردوغان إلى الاستفادة من مصادر جديدة للعملة الأجنبية للاقتصاد التركي، في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية لتعزيز فرصه في إعادة انتخابه، لأن الاقتصاد التضخمي يمثل فرصةً جيدةً للمنافسين للإطاحة بأردوغان من السلطة بعد عقدين.
من ناحية أخرى، تعتبر التبادلات الثنائية ميزةً لدولة قطر لأنها استثمرت في قطاعي السياحة والبنوك، وهو ما يمكن أن يكون مربحًا لهذا البلد في المستقبل.
المصدر : موقع الوقت التحليلي
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع