صواريخ تنفجر في بولندا.. هل بدأت المواجهة المباشرة بين “الناتو” والروس؟
شارل أبي نادر
انشغل العالم وبشيء من العصبية والتوتر أمس بسقوط صاروخ أو اثنين (تضاربت المعطيات حول العدد)، في بلدة هروبيزوف البولندية الحدودية مع الغرب الأوكراني. وهذا الانشغال ليس بسبب تأثيرات الصاروخ على الأرض والخسائر البشرية التي نتجت عن انفجاره، بل بسبب حساسيّة الأمر المرتبط بكون بولندا من دول حلف شمال الاطلسي، ولها الحق بالاستفادة من الحماية من دول الحلف المذكور فيما لو تعرضت لاستهداف خارجي، استنادًا للمادتين 4 و5 من بروتوكول الحلف، وبسبب حساسيّة الأمر أيضًا، فيما لو كانت روسيا قررت توسيع معركتها إلى دول أوروبا الشرقية التي تنخرط في دعم كييف وعمدت إلى اطلاق الصاروخ بشكل مقصود.
عمليًا أن تسقط اليوم صواريخ في بولندا وبالتحديد في مناطق حدودية مع الغرب الأوكراني، فهذا يعتبر حدثًا متأخرًا. وربما كان منتظرًا منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أو بعد انطلاقها بقليل، حيث وصلت سابقًا وما زالت الصواريخ الروسية إلى مدينتي لفيف وفلوديمير الأوكرانيتين غرب أوكرانيا، كأهم نقطتي تجميع للأسلحة الغربية التي تدخل من بولونيا، وتحديدًا من مدينة زوسوف البولندية، وتعتبر مع مطارها الناشط بقوّة اليوم نقطة تلاقٍ وانزال لأغلب طائرات النقل الغربية والأميريكة بدرجة أولى، والحاملة لأغلب الأسلحة والذخائر الغربية للوحدات الأوكرانية، وفي الوقت الذي تعتبر فيه مدينة هروبيزوف البولندية معبرا نهائيا بين الدولتين، الأقرب شمالًا والانسب أو الأسهل لنقل هذه الأسلحة إلى كييف، كان لسقوط الصاروخ “الطائش” فيها (بلدة هروبيزوف) بُعد استثنائي، يحمل الكثير من التساؤلات والتحليلات التي يجب الاضاءة عليها، وهي:
من هي الجهة التي أطلقت هذه الصواريخ؟ وهل هي عن طريق الخطأ؟ وإذا كانت مقصودة مِمَّن؟ وما هي الرسائل منها؟ وبمطلق الأحوال، كيف يراها “الناتو”؟ وكيف يمكن أن تكون ردة فعل “الناتو” واجراءاته بعد هذه الحادثة الاستثنائية؟
بداية، عدم استغراب سقوط صواريخ ـ أوكرانية أو روسية أو غربية ـ داخل بولندا وعلى الحدود مع أوكرانيا، يعود للعدد الضخم من الصورايخ التي تتطاير وتسقط في تلك المنطقة، والتي تسمح نسبة الخطأ في المعارك والعمليات القتالية أن تبرر سقوطها بشكل عادي وطبيعي، خاصة أن البلدة التي سقط فيها الصاروخ هي على الحدود مباشرة وتبعد كحد أقصى 100 كلم عن مدينة لفوف الأوكرانية، كما وتبعد نفس المسافة تقريبًا عن مدينة فولودومير الأوكرانية، وحيث تتعرض المدينتان المذكورتان للاستهداف الصاورخي المتواصل، أصبح احتمال الخطأ واردًا جدًا.
هذا الخطأ يمكن أن يكون من القوة الصاروخية الروسية، حيث نسبة ذلك واردة دائمًا، لأسباب تعود لخطأ في تصنيع الصاروخ أو بسبب خطأ في التوجيه، تقني أو بَشَري، وهذا الأمر يحدده الكشف على الأرض والمعاينة الحسية لمخلفات الصاروخ المنفجر، وحيث أغلب المعطيات حتى الساعة أشارت الى أن الصاروخ هو اس 300 روسي الصنع وأوكراني الاستعمال كدفاع جوي ضد الصواريخ الروسية التي كانت تمطر سماء غرب أوكرانيا حين حصول الخطأ، تُستبعد احتمالية أن الصاروخ روسي، والذي لن يكون حتمًا صاروخ دفاع جوي روسي في تلك المنطقة التي تحتاج ــ بنظر الروس وبنظر غيرهم ــ الى استعمال صورايخ دقة عالية باليستية بعيدة المدى، (مسافة الاطلاق الادنى حتى الحدود البولندية ومن البحر السود أو من جزيرة القرم تتجاوز 900 كلم).
مع استبعاد فرضية أن الصواريخ روسية المصدر والاطلاق، وحيث أصبح في وضع شبه المؤكد (اميركياً وبولندياً عبر تصريحات لرئيسي البلدين) أنها صواريخ دفاع جوي (اس 300) أوكرانية الاطلاق، تبقى هنا فرضية الخطأ الأوكراني أو القصد الأوكراني، والتي يمكن تحليلها حسب التالي:
الخطأ الأوكراني المحتمل هنا يحصل بعد أن تتجاوز أو تنحرف صواريخ منظومة الدفاع الجوي اس 300 الصواريخ الروسية التي كانت تستهدف حينها مناطق ومواقع أوكرانية عسكرية أو بنى تحتية كهربائية، لتأخذ صورايخ اس 300 المدى الأقصى لها في الجو وتسقط في بولندا وتحديدًا في هروبيزوف، حيث إن صواريخ الدفاع الجوي لا تتقيد باتجاه معيّن، وبالتالي ليست معنيّة بأن تتفادى اتجاه بولندا كصديق، بل تُوَجّه تلقائيًا من قبل رادار المنظومة الذي يختار فقط لا غير، الطريق الأنسب للوصول إلى الهدف في الجو بمعزل عن التقيد بالابتعاد عن اتجاه محدد.
القصد الأوكراني هنا والذي يمكن أن نضع احتمالًا غير بسيط لحصوله، يمكن أن يحصل وبواسطة صورايخ اس 300، وفي الوقت الذي يتعامل ضد الصورايخ الباليستية الروسية ايضًا، حيث يستطيع طاقم المنظومة الاوكرانية أن يتقصد وضع اتجاه صواريخ البطارية لكي تسقط وتنفجر في بولندا حتى ولو كان متأكدًا من أن صاروخ منظومته بعيدة بشكل كامل عن النجاح في اعتراض الصاروخ الباليستي الروسي، والهدف الأوكراني هنا يبقى في محاولة جر “الناتو” الى ردة فعل تدخل من ضمن سياسة زيلنسكي المتواصلة في دفع الحلف للانخراط المباشر ضد الروس.
بمطلق الأحوال، ومهما كانت المعطيات عن الصاروخ، خطأ أو مقصود، فإن الحادثة سوف تفتح باباً للبحث من قبل “الناتو” عن تحضير مناورة للتعامل مع سيناريو أصبح محتملًا جدًا، وهو استهداف روسي متعمد لمنطقة أو معبر أو أكثر في بولندا وربما في أي دولة من دول البلطيق أو في رومانيا أو بلغاريا، أي في منطقة من دول أوروبا الشرقية التابعة للناتو، والتي تشكل أراضيها معابر ادخال السلاح الغربي لكييف، حيث تصوب موسكو دائًما على اعتبار استهدافها مشروعًا، كون الأمر (تسهيل ادخال السلاح لاوكرانيا) يعتبر وكأنه انخراط في الحرب ضد موسكو.
- المصدر: موقع العهد الاخباري
- المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع