السياسية- متابعات:

نصف الأمريكيين يتوقعون اندلاع حرب أهلية في بلادهم قريباً، والبحث عن كلمة الحرب الأهلية الأمريكية تزايد مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، فهل تكون هذه الانتخابات بداية لانزلاق أمريكا لحرب أهلية حقاً، وماذا يقول الخبراء وعلماء السياسة عن هذا السيناريو.
وكان الهجوم على زوج رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، مؤشراً خطيراً على احتمال اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية، ليس فقط بسبب مقدار الكراهية التي حملها منفذ الهجوم، والأكاذيب التي دفعته إلى تنفيذ جريمته واعترافه بأنه كان يريد أن تدخل بيلوسي مجلس النواب على كرسي متحرك، ولكن مقدار التجاهل لعظم الجريمة وقلة التعاطف مع بيلوسي وضآلة الإدانة من قبل الجمهوريين.
والآن ما يقرب من نصف الأمريكيين يخشون اندلاع حرب أهلية ببلادهم في غضون العقد المقبل، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian  البريطانية.
وحتى قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس حدثَ جدل بشأن مخاطر اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية بشكل كبير.
ففي الأيام والأسابيع التي تلت قيام عناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالي- بأمر من قاضٍ فيدرالي- بتفتيش مقر الرئيس السابق ترامب في مارالاغو بولاية فلوريدا، ارتفعت حدة وشراسة السجال السياسي والتهديدات من قبل عناصر متطرفة، تدين بالولاء لترامب، وتوعدت بالانتقام من عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI (ما أدى إلى هجوم قام به مسلح متطرف ضد مكتب الإف بي آي في مدينة سينسيناتي، بولاية أوهايو، أدى إلى مقتله)، أو ضد أي قاض يحكم ضد ترامب. بعض المتطرفين من أنصار ترامب في الكونغرس وخارجه طالبوا بوقف تمويل مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وبعد أن داهم مكتب التحقيقات الفيدرالي منزل دونالد ترامب في فلوريدا ، قفزت إشارات تويتر إلى “الحرب الأهلية” بنسبة 3000%. دخل أنصار ترامب على الإنترنت على الفور، وغردوا بتهديدات بأن حرباً أهلية ستندلع في حالة توجيه الاتهام إلى ترامب. كتب أحد الحسابات: “هل هي Civil-War-O’clock بعد؟”، وقال آخر: “استعدوا لانتفاضة”. وقالت ليندسي غراهام، السيناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية، إنه ستكون هناك “أعمال شغب في الشوارع” إذا تم توجيه الاتهام إلى ترامب. وتنبأ ترامب نفسه بحدوث “أشياء مروعة” إذا لم تنخفض حرارة البلاد السياسية.
والتحذير من أن الولايات المتحدة تسير على طريق حرب أهلية ثانية يأتي من أصوات مختلفة، تقف في مواقع متناقضة على الطيف السياسي والأيديولوجي الأمريكي.

الحرب الأهلية الأمريكية هدف معلن لليمين المتطرف

ما مدى احتمال وقوع حرب أهلية أمريكية؟ سؤال يطرحه مؤرخون وأكاديميون جديون، كما يناقشه سياسيون جمهوريون وديمقراطيون، إضافة إلى أن المتطرفين، خاصة في اليمين السياسي والعنصري، إما يهددون بالحرب الأهلية أو يتوقعونها أو يتمنوها. ويتحدث هؤلاء عن مؤشرات عديدة تؤكد صحة مخاوفهم أو توقعاتهم، مثل التهديدات باستخدام العنف ضد الأجهزة الحكومية (مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة العدل) أو ضد القضاة والسياسيين المنتخبين.
ومؤخراً، تمت مقاضاة عضوين في ميليشيا يمينية بتهمة محاولة اختطاف حاكمة ولاية ميتشيغان، الديمقراطية غريتشين ويتمور، قبل سنتين. وقال مسؤول في FBI، إن المتهمين اعتبرا أن عداءهما للحكومة “يبرر لجوءهما إلى العنف”.
ويشير هؤلاء إلى ازدياد وانتشار ظاهرة مخيمات التدريب لعشرات الميليشيات على استخدام الأسلحة النارية ضد الحكومة وأجهزتها، وإلى مشاركة عناصر من هذه الميليشيات- التي دافع عنها الرئيس السابق ترامب- في اجتياح مبنى الكابيتول.

إليك المؤشرات على احتمال اندلاعها

المتنبئون والمتخوفون من حرب أهلية جديدة، وكذلك المتحمسون لها، يستندون في تقديراتهم هذه إلى ارتفاع وتيرة وحدَّة العنف السياسي في البلاد، والإقبال الكبير على شراء الأسلحة النارية، خاصة خلال جائحة كورونا، وارتفاع معدلات الجريمة في مختلف أنحاء البلاد، إضافة إلى ظاهرة القتل الجماعي، التي تستهدف أحيانًاً أقليات دينية أو عرقية (هجمات ضد الأمريكيين من أصل إفريقي أو ضد اليهود أو المسلمين أو الآسيويين) التي ارتفعت معدلاتها بشكل صارخ في السنوات الماضية (بين سنتي 2010 و2020 ازدادت نسبة الأمريكيين الذين قُتلوا بسلاح ناري بنحو 43%)، وازدياد عدد الأمريكيين الذين يقولون إنه يمكن أن يستخدموا العنف لأسباب سياسية.
كل ذلك يرونه أدلة على الانزلاق التدريجي للبلاد إلى حرب أهلية جديدة، حسبما ورد في تقرير نشره معهد الدول العربية في واشنطن.
وللأمريكيين ولع قديم بالأسلحة النارية، والولايات المتحدة من بين ثلاث دول فقط في العالم ينص دستورها على حق المواطن في اقتناء الأسلحة النارية. وعلى الرغم من أن عدد الأمريكيين إلى أكثر من 332 مليون نسمة، وفقاً لآخر إحصاء سكاني، فإن عدد الأسلحة النارية التي يملكونها يصل إلى نحو 400 مليون قطعة سلاح.

البعض يؤيد العنف لتحقيق أهداف سياسية

وتكشف الاستطلاعات انحسار ثقة المواطنين بالنظام والمؤسسات الديمقراطية في البلاد.
ولكن لعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الأمريكيين على جانبي الانقسام السياسي يزعمون بشكل متزايد أن العنف مبرر، حسب تقرير صحيفة the Guardian .
فهناك أقليات هامة في المجتمع تؤيد استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية معينة، وتؤمن بعض هذه الأقليات بنظريات المؤامرة، والطروحات العنصرية والشوفينية التي تنطلق منها هذه النظريات، ومن بينها “نظرية الاستبدال الكبير”، التي يؤمن بها دعاة “القومية البيضاء” أو المؤمنون بتفوق العنصر الأبيض.

ويقول دعاة هذه النظرية إن هناك مسؤولين حكوميين وقوى سياسية أمريكية مؤلفة من الديمقراطيين واليساريين، يسعون إلى “استبدال” السكان أو الناخبين البيض بمهاجرين من أعراق أخرى لزيادة عدد الناخبين الملونين الذين يؤيدون تقليدياً المرشحين الديمقراطيين.
في يناير/كانون الثاني 2022، قال 34% من الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع، إنه من المقبول أحياناً استخدام العنف ضد الحكومة.
بعد سبعة أشهر، قال أكثر من 40% إنهم يعتقدون أن الحرب الأهلية كانت محتملة إلى حد ما، على الأقل في السنوات العشر المقبلة.
قبل عامين، لم يكن أحد يتحدث عن حرب أهلية أمريكية ثانية. اليوم أصبح هذا الحديث أمراً شائعاً.

ماذا يقول الخبراء عن احتمال الحرب الأهلية؟

ويجادل المشككون في احتمال اندلاع حرب أهلية أمريكية، بأن حكومة أمريكا أقوى من أن يتحداها أي شخص.
كما يجادل آخرون بأن انقسام أمريكا لن يحدث أبداً، لأن الولايات المتحدة لم تعد مقسمة بشكل واضح على أسس جغرافية.
ولا يزال البعض الآخر لا يصدق ببساطةٍ أن الأمريكيين سيبدأون في قتل بعضهم البعض.
ومع ذلك، فإن هذه المعتقدات تستند إلى فكرة خاطئة، مفادها أن الحرب الأهلية الثانية ستبدو كالأولى. إنها لن تكون كذلك، حسبما تقول لصحيفة the Guardian باربرا والتر عالمة السياسة الأمريكية ومؤلفة كتاب “كيف تبدأ الحروب الأهلية؟ وكيف نوقفها؟”.
حيث تزعم أنه إذا اندلعت حرب أهلية ثانية في الولايات المتحدة، فستكون حرب عصابات تخوضها عدة ميليشيات صغيرة منتشرة في جميع أنحاء البلاد. وستكون أهدافهم من المدنيين، بالأساس جماعات الأقليات وزعماء المعارضة والموظفين الفيدراليين. سيتم اغتيال القضاة، وسيُسجن الديمقراطيون والجمهوريون المعتدلون بتهم زائفة، وسيتم تفجير كنائس السود والمعابد اليهودية، وكذلك استهداف المشاة من قبل القناصين في شوارع المدينة، وتهديد العملاء الفيدراليين بالقتل إذا طبقوا القانون الفيدرالي.

خطة إشعال الاقتتال الداخلي موجودة بالفعل

سيكون الهدف هو تقليص قوة الحكومة الفيدرالية وأولئك الذين يدعمونها، مع ترهيب مجموعات الأقليات والمعارضين السياسيين لإسكاتهم.
 تضيف: “نحن نعلم ذلك، لأن الجماعات اليمينية المتطرفة مثل (الأولاد الفخورون- the Proud Boys)، أخبرونا بالفعل كيف يخططون لتنفيذ حرب أهلية. إنهم يسمون هذا النوع من الحرب بأنها (مقاومة بلا قيادة)، وهم متأثرون بخطة في The Turner Diaries، وهي وصف وهمي لحرب أهلية أمريكية مستقبلية، كتبه ويليام بيرس، مؤسس التحالف الوطني للنازيين الجدد في عام 1978، وهو يقدم دليلاً لكيفية استخدام مجموعة من النشطاء المهمشين للهجمات الإرهابية الجماعية لجذب دعم الأشخاص البيض الآخرين لقضيتهم، مما يؤدي في النهاية إلى تدمير الحكومة الفيدرالية”.
 ويدعو الكتاب إلى مهاجمة مبنى الكابيتول، وإقامة مشنقة لإعدام السياسيين والمحامين ومذيعي الأخبار والمعلمين ممن يطلق عليهم “خونة العرق الأبيض”، وتفجير مقر مكتب التحقيقات الفيدرالي.
تم العثور على صفحات من The Turner Diaries في شاحنة تيموسي ماكفاي بعد أن فجر مبنى فيدرالياً بمدينة أوكلاهوما في أبريل/نيسان 1995. باتريك كروسيوس.
يمكن مشاهدة أحد أعضاء فرقة Proud Boys على شريط فيديو في أثناء هجوم الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني 2021، بعد هزيمة ترامب في الانتخابات، حيث يخبر أحد الصحفيين بقراءة مذكرات The Turner.

أمريكا لديها عوامل نشوب الحرب الأهلية بالفعل

يعرف خبراء الحرب الأهلية أن عاملين يعرّضان البلدان عادةً لخطر الحرب الأهلية. لدى الولايات المتحدة أحد عوامل الخطر هذه، ولا تزال قريبة بشكل خطير من العامل الثاني. ولم يتضاءل أي من عوامل الخطر منذ اقتحام الكونغرس.
الأول هو الانقسام العرقي. يحدث هذا عندما ينظم المواطنون في بلد ما أنفسهم في أحزاب سياسية على أساس إثني أو ديني أو عرقي وليس على أساس أيديولوجي.
الثاني هو الأنوقراطية. يحدث هذا عندما لا تكون الحكومة ديمقراطية بالكامل ولا تكون استبدادية بالكامل؛ إنه شيء بينهما. تكاد الحروب الأهلية لا تحدث أبداً في الديمقراطيات الكاملة والصحية والقوية. ونادراً ما تحدث في ظل أنظمة استبدادية كاملة. يكاد يكون العنف دائماً تقريباً في البلدان التي تقع في الوسط، ذات الديمقراطيات الزائفة الضعيفة وغير المستقرة، الأنوقراطية، إضافة إلى الحزبية وكل ذلك يشكل مزيجاً خطيراً.
الجماعات التي تميل دوماً لبدء الحروب الأهلية، ليست أفقر الفئات أو الأكثر اضطراباً. إنها المجموعة التي كانت مهيمنة سياسياً ذات يوم ولكنها تفقد قوتها. إن فقدان المكانة السياسية والشعور بالاستياء من أنه يتم استبدالهم وأن هوية بلدهم لم تعد ملكهم، هو الذي يميل إلى تحفيز هذه المجموعات على التنظيم. اليوم، يفقد الحزب الجمهوري وقاعدته من الناخبين المسيحيين البيض موقعهم المهيمن في السياسة والمجتمع الأمريكي نتيجة التغيرات الديموغرافية.
البيض لديهم أبطأ نمو ديموغرافي في الولايات المتحدة ولن يكونوا أغلبية من السكان بحلول عام 2044. وسيستمر وضعهم في التدهور مع تزايد تعدد الأعراق والأديان، وستكون النتيجة استياءً متزايداً، والخوف مما ينتظرهم.
وبالفعل، اعتقد الأشخاص الذين اقتحموا مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني، أنهم ينقذون أمريكا من هذا المستقبل، وشعروا بأن ما يفعلونه مبرر تماماً في هذه المعركة.

كيف تزداد الديمقراطية الأمريكية ضعفاً؟ قمع الناخبين يتم تقنينه

وتراجعت الديمقراطية في أمريكا بسرعة بين عامي 2016 و2020. منذ 6 يناير/كانون الثاني 2021، فشلت الولايات المتحدة في تعزيز ديمقراطيتها بأي شكل من الأشكال، مما جعلها عرضة للتراجع المستمر إلى المنطقة الوسطى.
في الواقع، سارع الحزب الجمهوري بخطته لإضعاف الديمقراطية الأمريكية أكثر، حيث تم تقديم مشاريع قوانين قمع الناخبين في كل ولاية تقريباً منذ 6 يناير/كانون الثاني.
ويتنافس رافضو الانتخابات على مناصب في 48 من الولايات الخمسين ويمثلون الآن أغلبية الجمهوريين الذين يتنافسون على مقاعد الكونغرس والولايات في انتخابات التجديد النصفي الأمريكية هذا الأسبوع.
ويُنتخب الموالون لترامب على المناصب في الولايات المتأرجحة الرئيسية، مما يزيد من احتمالية فوز المرشحين الجمهوريين في الانتخابات الرئاسة القادمة، حتى لو خسروا التصويت الشعبي.
ولا يزال الحزبان السياسيان الكبيران في أمريكا منقسمين بشدة على أساس العرق والدين.
ما يحدث في الولايات المتحدة ليس فريداً. فلقد أصدرت أحزاب اليمين المتطرف في الدول الغربية الغنية تحذيرات مزعومة بشأن نهاية هيمنة البيض، سعياً إلى تأجيج الكراهية.
نشهد بالفعل عناصر من هذا في أوروبا، حيث توجد أحزاب يمينية مناهضة للمهاجرين مثل الديمقراطيين السويديين، وإخوان إيطاليا، والبديل في ألمانيا والتجمع الوطني في فرنسا.

ولا أحد يستطيع وقف تدهور الديمقراطية الأمريكية

كيف يمكن منع ذلك؟ يفترض أن يستثمر القادة السياسيون بكثافة في تقوية الديمقراطية وأن تخترق أحزابهم السياسية الخطوط العرقية والدينية والعرقية.
ولكن في أمريكا، لا يملك الحزب الديمقراطي الأصوات اللازمة لإجراء إصلاحات ضرورية للنظام السياسي، في المقابل ليس للجمهوريين مصلحة في هذه الإصلاحات التي لو تمت فإنها قد تجعلهم يفقدون فرص الفوز في الانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدد طويلة.
رغم ذلك ترى باربرا أن هناك حلاً يحتمل أن يكون سهلاً، وهو تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما الخوارزميات التي تدفع بشكل غير متناسب بالمعلومات الأكثر تحريضاً وتطرفاً وتهديداً وتحفيزاً للخوف.

وستكون النتيجة انخفاضاً في الغضب الجماعي وانعدام الثقة ومشاعر التهديد، مما يمنحنا كل الوقت لإعادة البناء.
بينما يرى ستيفن ماركي الروائي والكاتب الكندي ومؤلف كتاب الحرب الأهلية التالية: مؤشرات من المستقبل الأمريكي “أن الولايات المتحدة هي مثال لبلد يتجه نحو حرب أهلية. ولا يتم فعل الكثير لمحاولة منع انهيار الجمهورية”.
فالإيمان بالديمقراطية آخذ في الانحسار، شرعية المؤسسات آخذة في التدهور. تدخل أمريكا بشكل متزايد، دولة لا يريد مواطنوها الانتماء إلى نفس البلد. هذه ظروف مهيأة للعنف السياسي.
ويلفت إلى أنه لا توجد حرب أهلية من أي وقت مضى لها سبب واحد. دائماً ما تؤدي العديد من العوامل إلى الانهيار.
 لدى الولايات المتحدة حالياً العديد مما تسميه وكالة المخابرات المركزية “مضاعفات التهديد”: تستمر الأزمات البيئية في ضرب البلاد، وعدم المساواة الاقتصادية في أعلى مستوياتها منذ تأسيس الدولة، والتغيير الديموغرافي يعني أن الولايات المتحدة ستكون دولة أقلية بيضاء في غضون ما يزيد قليلاً عن عقدين، تميل كل هذه العوامل إلى المساهمة في الاضطرابات المدنية.
لكن الولايات المتحدة أكثر عرضة للعنف السياسي من الدول الأخرى بسبب تداعي مؤسساتها. منذ 40 عاماً، كانت الثقة في المؤسسات من جميع الأنواع – الكنيسة، والشرطة، والصحافة، والأوساط الأكاديمية – في حالة من السقوط الحر.

الدستور الأمريكي ونظام الانتخابات عفا عليه الزمن

 الدستور الأمريكي، على الرغم من كونه عملاً عبقرياً بلا شك جزء من المشكلة، فهو عمل عبقري من القرن الثامن عشر. إنه ببساطة لا يعكس ولا يمكنه الاستجابة لحقائق القرن الحادي والعشرين.
يعني نظام المجمع الانتخابي أن الديمقراطيين، على المدى القريب سيفوزون بأصوات الناخبين بفارق ملايين الأصوات عن منافسيهم وسيسخرون الرئاسة مثلما حدث مع ترامب الذي فاز في انتخابات 2015 رغم أن هيلاري كلينتون فازت بأغلبية الأصوات.
النظام الانتخابي الأمريكي هو بالفعل محلي بشكل كبير وعفا عليه الزمن.

قد يتم إجراء انتخابات طارئة غير ديمقراطية

قد يؤدي أي فشل في الاعتراف بنتائج الانتخابات، حتى في عدد قليل من الولايات، إلى انتخابات متنازع عليها لا يصل فيها أي شخص إلى حد 270 صوتاً من أصوات الهيئة الانتخابية (المجمع الانتخابي). في هذه الحالة، ينص الدستور على إجراء “انتخابات طارئة” وهي انتخابات تحصل فيها كل ولاية على صوت واحد في المجمع الانتخابي.
وهذا يعني أن الجمهوريين سوف يحصلون على أغلبية ساحقة (لأن عدد الولايات الجمهورية أكبر من الديمقراطية لأن الجمهوريين يتركزون في الولايات قليلة السكان كثيرة العدد، بينما يتركز الديمقراطيون في الولايات الكبيرة السكان، ولكن عددها قليل).
الانتخابات الطارئة هي آلية يمكن من خلالها أن تكون الحكومة الأمريكية دستورية تماماً وغير ديمقراطية أيضاً في نفس الوقت. كان اليمين يستعد لمثل هذا السيناريو منذ فترة، بعبارة يكررونها كثيراً وهي”نحن جمهورية، ولسنا ديمقراطية”.
الوضع شبه الشرعي هذا يقود إلى العنف. ومن المتوقع أن تصبح المؤسسات السياسية الأمريكية شبه شرعية أكثر فأكثر من الآن فصاعداً.
من أبرز علامات الحرب الأهلية الوشيكة في أي بلد عندما ينتقل النظام القانوني من كونه مؤسسة وطنية غير حزبية إلى غنائم حرب يتم توزيعها على أساس حزبي.
ويحدث هذا بالفعل في الولايات المتحدة.

القضاء ينقسم على أساس حزبي

كان الانقسام  في المؤسسات القضائية الأمريكية واضحاً فيما عرف بقرار دوبس (الذي قررت فيه المحكمة العليا أن دستور الولايات المتحدة لا يمنح الحق في الإجهاض)، وأعطى كل ولاية حق منع الإجهاض.
جعل هذا القرار جسد المرأة في الولايات المتحدة مسألة تتوقف على الولاية والمقاطعة التي تعيش فيها، لم يعد الواقع القانوني للمرأة الأمريكية وطنياً بطبيعته. عندما تسافر امرأة من إلينوي إلى أوهايو، فإنها تصبح كياناً مختلفاً، له حقوق وواجبات مختلفة.
وبلغت نسبة انعدام الثقة لدى الجمهور الأمريكي في المحكمة العليا نحو 43% في يوليو/تموز 2022، ارتفاعاً من 27% في أبريل/نيسان 2022.
ورأى ستيفن ماركي الخلط في الوضع القانوني لمجموعة منفصلة من الأشخاص هو مقدمة كلاسيكية للحرب الأهلية.
وقال: “لقد تجاوزت أمريكا النقطة التي يمكن عندها لانتصار حزب ما إصلاح العيب فيها، ونوع التغيير الهيكلي الضروري ليس مطروحاً على طاولة النقاش السياسي”.

هناك تشابه بين الظروف الحالية والأوضاع التي أدت للحرب الأهلية السابقة

 من جانبه، يحذر كريستوفر سيباستيان باركر أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا، ومؤلف كتاب: “التغيير لا يمكنهم تصديقه: حفل الشاي والسياسة الرجعية في أمريكا” من أن الكثير من البيض يشعرون بالحاجة إلى اتخاذ إجراءات صارمة للحفاظ على التفوق الأبيض.
وقال إن أمريكا تندفع بتهور إلى حرب أهلية أخرى، وهي مسألة وقت، وإن هناك تشابهاً في الظروف مع الحرب الأهلية التي وقعت في القرن التاسع عشر.
ويقول إنه على مر التاريخ، كانت الهوية السياسية في الولايات المتحدة مدفوعة في النهاية بمواقف كل من الأحزاب بشأن العرق.
الجمهوريون المعاصرون، على سبيل المثال ، يميلون إلى أن يكونوا من البيض وعنصريين نسبياً (نحو 80% من الناخبين الجمهوريين هم من البيض).
وفي المقابل فإنه من المرجح أن يستفيد الديمقراطيون من مجموعة أكثر تنوعاً من الناحية العرقية، وعلى هذا النحو، عادة ما يكونون أقل عنصرية، وبالتالي فإن الجمهوريين أكثر انزعاجاً من بلد متنوع.

كيف يمكن أن تؤدي الانتخابات لهذا السيناريو؟

مع دفع ترامب لـ”الكذبة الكبرى” بأن انتخابات 2020 قد سُرقت، وقبول العديد من الجمهوريين لهذه الكذبة، فإن المسرح مهيأ لحرب أمريكية أهلية.
 لقد رأينا هذا من قبل. بدأت الحرب الأهلية السابقة، برفض الديمقراطيين قبول الجمهوري أبراهام لينكولن باعتباره الفائز الشرعي في انتخابات عام 1860 نظراً لآرائه حول العبودية.
هذه الظروف تتكرر الآن، نظراً لأن العديد من الأشخاص البيض (الجمهوريين) يواجهون الخوف من أنه بحلول عام 2044 لن يكونوا من الأغلبية العرقية، فإنهم يشعرون بالحاجة إلى اتخاذ تدابير صارمة للحفاظ على تفوق البيض، مثلما رفض البيض في الجنوب تغيير طريقة حياتهم القائمة على العبودية، رغم أن أغلبهم لم يملكوا عبيداً عشية الحرب الأهلية السابقة.
الديمقراطيون، من ناحية أخرى، يرون أن الحزب الجمهوري يشكل تهديداً وجودياً للديمقراطية الليبرالية.
يحدث العنف المرتبط بالانتخابات بشكل عام عند وجود العوامل الأربعة التالية: انتخابات تنافسية للغاية يمكن أن تحدث تحولاً في السلطة؛ الانقسام الحزبي على أساس الهوية العرقية؛ أنظمة الانتخابات التي يحصل فيها الفائز على كل شيء ويتم فيها استقطاب الهويات السياسية؛ وعدم الاستعداد لمعاقبة العنف من جانب المجموعة المهيمنة.
والأربعة جميعها موجودة في أمريكا الآن، وسيتم تضخيمها بحلول عام 2024.

 

– المصدر :  صحيفة the Guardian  ـ عربي بوست
– المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع