السياسية- رصد:

في خطاب الترشيح للانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2008، أعلن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أنه سيفعل ما في وسعه إذا أصبح رئيساً للبلاد من أجل الحد من نفوذ وسطوة “اللوبيات”. قال أوباما إنّ “اللوبيات وأصحاب المصالح الخاصة جرّوا الإدارة الأميركية إلى لعبة يعرفون هم وحدهم كيف يلعبونها، وهم يريدون أن يضعوا أيديهم على الحكومة التي يعتقدون أنهم يمتلكونها”.

وعلى الرغم من أنّ وعود أوباما الانتخابية كانت مجرد حبراً على ورق، لا سيما وأنّه نفسه تربطه علاقات بـ”جماعات الضغط” هذه، إلا أنّ اعترافه يبرز قوة تأثير هذه الجماعات في القرار السياسي الأميركي، حتى باتت تمثل ما يشبه الدولة العميقة في الولايات المتحدة.

في عام 2010، أصدرت المحكمة العليا الفيدرالية الأميركية قراراً مثيراً للجدل يسمح لمجموعات الضغط أو مجموعات المصالح أو “اللوبيات” بالمشاركة في الحملات الانتخابية الأميركية، الأمر الذي عزّز دورها المؤثر وزاد من نفوذها في الساحة السياسية الأميركية.

باتت تلك المجموعات تملك تأثيراً كبيراً على صنع القرار في عاصمة القرار العالمي، واشنطن، وفي تلك المدينة الصغيرة نسبياً، تنتشر مكاتبها بالآلاف لتتولى العمل من أجل ترويج الأفكار والطروحات التي تخدم مصالحها في كل القطاعات، من الصناعة والزراعة إلى السلاح والسياسة والحروب.

انتشار اللوبيات في المشهد السياسي الأميركي يعني تدخلها في جميع مفاصل الحياة السياسية والتشريعية، وبالطبع، في الانتخابات، من خلال ضخ حملات دعاية وتجنيد أموال للتأثير في القضايا والمصالح التي تدعمها. ومع اقتراب موعد الانتخابات النصفية الأميركية، ينشط دور هذه اللوبيات بشكلٍ واضح، لا سيما عبر تمويل نخب سياسية أميركية.

وبحسب دراسة جديدة أجرتها منظمة “أوبن سيكرتس” الأميركية غير الحزبية، من المرجح أن تبلغ تكلفة انتخابات الكونغرس النصفية لهذا العام أكثر من 16.7 مليار دولار، ما يجعلها أكثر الانتخابات إنفاقاً بلا منازع. وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة، شيلا كرومهولز إنه “لم تشهد أي انتخابات تجديد نصفي أخرى هذا القدر من الإنفاق على مستوى الولاية والمستوى الفدرالي مثل انتخابات 2022″، معقبةً: “نحن نرى أموالاً قياسية أنفقت على الانتخابات”.

 

كيف تعمل اللوبيات؟

تقوم فكرة عمل اللوبي بالحصول على تمويل من جانب شركة أو مجموعة شركات من قطاع واحد أو دولة معينة من أجل الترويج لوجهة نظرها والدفاع عنها أمام الرأي العام الأميركي وصنّاع القرار، ويتولى اللوبي من جانبه التواصل مع مؤسسات الإعلام الأميركي ومع صنّاع القرار في واشنطن وأعضاء الكونغرس لدفعهم نحو دراسة مشاريع قوانين بعينها وإظهار محاسنها أو عيوبها، بما يفيد مصالح تلك الشركات.

وتمارس اللوبيات التأثير في المشرّعين على مستويات مختلفة، مستخدمةً طريقين اثنين: من خلال الضغط على المفاصل الأساسية التي تتحكم في إعادة انتخاب المشرّع، وكذلك الإسهام المالي في الحملات الانتخابية، فالتمويل بالإضافة إلى التأثير في المقترعين يسمح للجماعات ذات المصلحة بامتلاك نفوذ أكبر على مسؤوليهم المنتخبين.

 

ما هي أبرز اللوبيات الأميركية؟

لوبي السلاح

تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى عالمياً في تصنيع وتصدير الأسلحة كما تسيطر على حصة كبيرة من صادرات السوق العالمية للسلاح، لذلك يعدّ لوبي الأسلحة وشركاته المتعددة من أكبر جماعات الضغط وأكثرها نفوذاً في الولايات المتحدة.

وتُرجمت المصلحة المشتركة لهواة السلاح وشركات تصنيعه، في إقامة “جمعية البندقية الوطنية” التي تحوّلت إلى لوبي من الأكثر نفوذاً في الكونغرس الأميركي. وتضمّ هذه الجمعية ملايين الأعضاء المنتمين في معظمهم إلى المعسكر الجمهوري واليميني المحافظ، بما جعلها مؤسسة غنية بمواردها المالية وبثقلها الانتخابي.

توظّف الشركات ومن ضمنها “البندقية الوطنية”، ثقلها في انتخابات الكونغرس لتشكيل لوبي داخله، خصوصاً في ما يتعلّق بورقته المالية، في تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين في مجلسي النواب والشيوخ الملتزمين بحماية السلاح ومصالحه.

وتقدّم الشركات تبرعات مالية كبيرة للنخبة السياسية الأميركية، كما أنها من الداعمين الأساسيين لعدد من الرؤساء الجمهوريين. وباتت “جمعية البندقية الوطنية” بشكل أساسي تتحكّم في المواقف والتوجهات، وتفرض لجم أي محاولة رسمية داخل الكونغرس، تجري في أعقاب كل مجزرة مرتبطة بحادث إطلاق نار، لتقييد الانفلات في اقتناء السلاح في البلاد.

إلى جانب ذلك، هناك أيضاً لوبي الصناعات العسكرية، الذي تتصدره شركات مثل “لوكهيد مارتن” و”بوينغ”، ويعمل على تشجيع مبيعات الأسلحة والمعدّات العسكرية خارجياً بشكل أساسي. وهذا اللوبي يقوم أيضاً بـ”شراء نفوذه” داخل الكونغرس لتوليد أعمال لشركات الصناعات العسكرية. وكانت تقارير حديثة قد كشفت أنّ أكبر خمسة مقاولين للسلاح في الولايات المتحدة استأنفوا تبرعاتهم للديمقراطيين وحتى للجمهوريين الـ 147 الذين صوّتوا ضد التصديق على الانتخابات الأخيرة عام 2020.

ووجد تحليل “Defense News” لبيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية لدورة انتخابات 2022، أنّ أكبر خمس شركات دفاعية، وهي “لوكهيد مارتن”، و”رايثون تكنولوجيز”، و”بوينغ” و”نورثروب غرومان” و”جينيرال دايناميكس”، ساهمت بما يقرب من 2 مليون دولار للجمهوريين الذين صوتوا ضد التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية 2020. ومع اقتراب موعد انتخابات نصف الولاية، من المرجّح أن يرتفع هذا الرقم بشكل كبير.

 

لوبي النفط والطاقة

يتجذّر نفوذ الشركات النفطية الخاصة بعمق داخل عملية صناعة القرار السياسي. ويعدّ لوبي النفط أحد أقوى اللوبيات في الولايات المتحدة، ويتولى الدفاع عن مصالح تلك الشركات الكبرى التي تمتلك أصولاً وعمليات حول العالم، وتشير بعض التقارير إلى توسع دور هذا اللوبي سياسياً وبيئياً أيضاً.

ينفق المسؤولون التنفيذيون في مجال النفط ملايين الدولارات سنوياً من أجل التأثير على صنّاع القرار بهدف وضع أرباحهم فوق كل الاعتبارات الأخرى. وتسيطر شركات “إكسون موبيل”، و”شيفرون تكساسو”، و”هاليبرتون” للطاقة، و”أنوكال” للنفط على هذا اللوبي. وأنفقت صناعة النفط والغاز واتحاداتها التجارية 55.6 مليون دولار لتشكيل مجموعة ضغط خلال الأشهر الأخيرة.

وفي عام 2020، تجاوز هذا الإنفاق أكثر من 112 مليون دولار، إذ يتم صرف الكثير من هذه الأموال لدعم السياسيين الذين يدافعون عن صناعة النفط، حتى عندما يكون ذلك ضد مصالح ناخبيهم، وضد البيئة بطبيعة الحال.

ووجدت بيانات تمويل الحملات الانتخابية التي تم تحليلها من قبل “Public Citizen” أنّ أعضاء الكونغرس الـ29 الذين أصدروا سابقاً بيانات منددة ومعارضة لأحد القرارات التي اتخذتها إدارة بايدن للمحافظة على البيئة، كانوا قد تلقوا 13.4 مليون دولار خلال مسيرتهم المهنية من شركات النفط والغاز.

هذه العلاقة بين لوبي النفط والمشرعين الأميركيين أوضحتها دراسة أميركية، وجدت أنّه كلما زاد تصويت عضو معين في الكونغرس ضد السياسات البيئية، زادت المساهمات التي يتلقاها من شركات النفط والغاز لدعم إعادة انتخابه.

 

لوبي شركات الرعاية الصحة

لا تقلّ لوبي شركات الرعاية الصحية شأناً عن اللوبيات الأخرى، بل على العكس، كشفت بيانات حديثة صادرة عن “OpenSecrets” أنّ شركات الرعاية الصحية تفوقت على كل الصناعات الأخرى في تشكيل مجموعات ضغط على الممثلين الفيدراليين وممثلي الولايات العام الماضي.

وبحسب البيانات، أنفقت شركات الصحة ما يقارب 690 مليون دولار على الضغط على المستوى الفيدرالي، فيما تم تخصيص أكبر مشاريع قوانين الضغط من قبل شركات الأدوية، التي أنفقت 356 مليون دولار على جماعات الضغط الفيدرالية وحدها.

وأصبح هذا اللوبي لاعباً مؤثراً في قرارات الإدارة الأميركية وتشريعات الكونغرس، إذ وجدت دراسة حللت البيانات المتاحة للجمهور حول المساهمات في الحملات وممارسة الضغط في الولايات المتحدة من 1999 إلى 2018، أنّ صناعة المنتجات الصيدلانية والصحية أنفقت 4.7 مليار دولار، بمتوسط 233 مليون دولار سنوياً، على الضغط على الحكومة الفيدرالية الأميركية.

وبحسب الدراسة، توزّع هذا المبلغ على الشكل التالي، 414 مليون دولار على المساهمات لمرشحي الرئاسة والكونغرس واللجان الحزبية الوطنية ومجموعات الإنفاق الخارجية، و877 مليون دولار للمساهمات لمرشحي ولجان الولايات. واستهدفت المساهمات كبار المشرّعين في الكونغرس، المشاركين في صياغة قوانين الرعاية الصحية ولجان الولاية التي عارضت أو دعمت الاستفتاءات الرئيسية بشأن تسعير الأدوية وتنظيمها.

 

لوبي التكنولوجيا ووادي السيليكون

يعتبر وادي السيليكون “العاصمة التقنية” في العالم، لاستضافته المقرّات الرئيسية لآلاف الشركات العملاقة العاملة في مجال التكنولوجيا المتقدمة. ولوادي السيليكون “بابٌ دوّارٌ” لا يتوقف، يدخل ويخرج منه المسؤولون التنفيذيون لشركاته في زيارات لا تنقطع إلى كبار مسؤولي الحكومة الأميركية على اختلاف مناصبهم.

على مرّ العقود السابقة أرسَت البنوك الكبرى وعمالقة الشركات الصيدلانية نفوذها الاقتصادي في واشنطن، لكن وادي السيليكون هزّ المشهد وهيمن عليه، ففي خلال السنوات الـ10 الفائتة أغرقت الشركات التقنية الـ5 الكبرى، “غوغل” و”فيسبوك” و”مايكروسوفت” و”آبل” و”أمازون” واشنطن بأموال اللوبي.

وتعدّ شركة “مايكروسوفت” من أكثر الشركات الأميركية التكنولوجية إنفاقاً على جماعات الضغط في البلاد، فقد وصل مجموع إنفاق الشركة حتى عام 2021، 158 مليون دولار. كما أنفقت “أمازون” 123 مليون دولار، وكذلك الأمر بالنسبة لشركة “أوراكل”. أما شركة “كوالكوم”، فقد بلغ إنفاقها 110 مليون دولار.

هذا وكشف تقرير لـ”واشنطن بوست” مطلع العام الحالي أنّ 7 شركات تقنية كبيرة أنفقت ما يقارب 70 مليون دولار للضغط على الحكومة الأميركية العام الفائت، مشيراً إلى أنّ المبلغ الملحوظ يتجاوز مبلغ 65 مليون دولار، الذي أنفقته في عام 2020.

هذا الأمر يسلّط الضوء على عمل الشركات المتزايد، لمحاربة ما تسعى له إدارة بايدن من أجل الحد من تأثيرها في الحياة السياسية. مع الإشارة إلى أن هذا المبلغ يقارب ثلاثة أضعاف المبلغ الذي أنفقته هذه الشركات للضغط على الكونغرس قبل عقد من الزمن، ما يبرز كيف تطور وادي السيليكون ليصبح واحداً من أكثر القوى السياسية نفوذاً والصانعة للوبيات في واشنطن.

  • زهراء رمال
  • المصدر : الميادين نت
  • المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع