من الواضح أنَّ لدى إسرائيل كل ما يلزم لتحظى بنصيب الأسد من مؤتمر الشرق الأوسط المنعقد في وارسو، والذي لم يحفل به حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون… ومع ذلك تظل أهداف كل طرف تعتمد على الخطط والاستراتيجيات المرسومة وفق السياسات الخارجية ومستجدات الأحداث.

بقلم: رومان روسو —–

(صحيفة “لكسبرس” الفرنسية – ترجمة: محمد السياري –”سبأ”)

في إطار القرارات السياسية من الممكن أن تغدو الهفوات البسيطة أعباء ثقيلة تقود نحو منزلق خطير أو حتى مميت. وفي المساء من يوم الأربعاء الماضي ، سارع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تصويب وتوضيح التصريحات التي كان أطلقها بنيامين نتنياهو باللغة العبرية في تسجيل مصور تم أعداده على هامش المؤتمر الدولي الذي أنعقد في نهاية الأسبوع المنصرم في العاصمة البولندية ، وارسو ، بشأن القضايا المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط. وفي السياق ، ذهب نتنياهو إلى إعطاء صورة ذهنية عن استعداده لعقد لقاءات محتملة بممثلين عن الدول العربية الرائدة .. مشيراً على حد تعبيره ، إلى “رغبتهم في الجلوس مع إسرائيل على طاولة واحدة بغية تعزيز المصلحة المشتركة للوقوف في وجه المد الإيراني المتنامي”.

وفي النسخة المعدلة ، تمت إزالة كلمة “حرب” التي استخدمت من قبل الرئيس الإسرائيلي والاستعاضة عنها بكلمة “صراع” لتفادي الانزلاق نحو دلالات قد لا تكون عواقبها مرضية…

وعلى نحو مماثل كانت العبارات التي انتقاها وزير الخارجية الأميركي – مايك بومبيو ، تندرج تحت نفس العنوان ؛ حيث صرح في لقاء صحفي إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي قائلاً: “إنَّ السعي من أجل تحقيق عملية السلام والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط دون النظر لحتمية وضرورة الوقوف بكل جدية وقوة في وجه إيران ليس بالأمر الوارد ؛ وأقل ما يمكن أن يقال عن ذلك أنه مستحيل ؛ ومما لا شك فيه أن الجميع على دراية كاملة بأنَّ هنالك منابع للشر في كلٍ من لبنان واليمن وسورية والعراق ؛ وليست محاور الشر الثلاث تلك – المتمردين الحوثيين في اليمن ، جبهة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني – سوى مصدر تهديد حقيقي من الدرجة الأولى ولا يمكن أن نغفل عنه بأيّ حال من الأحوال “.

غياب أوروبي واسع الطيف:

من الناحية الرسمية كان من المتوقع أنَّ ينحصر مؤتمر وارسو على البحث في مسألة تعزيز السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط في المستقبل القريب وبشكل خاص ؛ ولكن تحت ضغوطات وبمبادرة من البيت الأبيض ، حيث يستمر تنامي التأثير القوي لجون بولتون المعروف بالعقل المدبر لدونالد ترامب، تم إدخال بعض التعديلات ليصبح موضوع “النفوذ الإيراني المتنامي والمزعزع للاستقرار ” المحور الأول للنقاش ؛ وفي ظل غياب الحماسة لدى الدول الأوروبية تجاه هكذا موضوع ، جرى توسيع جدول أعمال المؤتمر ليشمل تحديداً الحرب القائم في اليمن والأصداء الاقتصادية لخطة السلام الأميركية المتعلقة بقضية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ، والتي كان من المقرر أن يقوم بطرحها صهر الرئيس الأميركي – جاريد كوشنير، في ثمان نقاط.

وبالرغم من كل تلك الإدخالات إلا أنَّ شيئاً لم يحدث ولم يتغير في المحيط العام ؛ الأمر الذي جعل من بنيامين نتنياهو ومايك بومبيو وحتى نائب الرئيس الأميركي – مايك بنس – الذي طلب من حلفاء واشنطن الأوروبيين الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم مع إيران – المتحدثين الأكثر تألقاً في ظل الفراغ المخيم على مقاعد العديد من الأعضاء ؛ وذهبت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية – فيديريكا موغريني ، إلى طرح المبررات بانشغالها بالكثير من التزامات أخرى ، فضلاً عن أنَّ الدول الأوروبية الرائدة لم يمثلها سوى دبلوماسيين من الدرجة الثانية باستثناء المملكة المتحدة التي مُثلت من قبل وزير خارجيتها – جيريمي هانت.

نقطة تحول تاريخية:

في الحقيقة هناك نظرة سائدة في باريس كما هو الحال في برلين تجاه تلك المبادرة الأميركية على أنها محاولة خبيثة لشق عصا الأوروبيين من خلال الدفع بمعظم الدول للوقوف في صف الصقور الأميركية المتعصبة ضد نظام الملالي في إيران ؛ ولكن مع غياب الأدلة الواقعية والملموسة تظل تلك وجهة نظر ليس إلا. وفي حين أنه من البديهي أن تعمد بولندا ، باعتبارها البلد المضيف للمؤتمر ، إلى المسارعة لإرضاء حليفتها الأميركية في ظل رغبتها الشديدة في إنشاء قاعدة عسكرية أميركية على أراضيها لمواجهة أي تهديد محتمل من قبل الخصم الروسي ، إلا أنها مع ذلك لا تزال من ضمن قائمة الدول المؤيدة للاتفاق النووي الإيراني الذي يندد به ترامب بين الفينة والأخرى. أما بالنسبة لموسكو التي رفضت المشاركة في الاجتماع ، فقد كان الترتيب للقاء سوتشي، في اليوم ذاته، لبحث مستجدات الأوضاع في سورية وبحضور كلاً من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيريه التركي – رجب طيب أردوغان، والإيراني – حسن روحاني ، بمثابة رد معاكس وسريع على تلك الاستفزازات الأميركية.

من زاوية أخرى كان هنالك ما يقرب من ستين دولة قامت بزيارة القلعة الملكية في وارسو بما في ذلك العديد من الدول العربية السنية وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربي ؛ وعلى الأرجح أن حضور هذه الأخيرة يأتي بدافع المصلحة المشترك بينها وبين إسرائيل في مواجهة المد الإيراني الشيعي ، لاسيما وأنَّ العلاقات القائمة بين الطرفين قد أظهرت تحسناً ملحوظاً وبشدة في السنوات القليلة الأخيرة ؛ وتلك “لحظة تاريخية ” كما جاء في خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي- بنيامين نتنياهو ، لدى مأدبة العشاء التي أقيمت على شرف الافتتاحية يوم الاربعاء الماضي ؛ وهي حقاً كذلك ؛ وكيف لا توصف بذلك في الوقت الذي يجلس فيه نتنياهو على طاولة واحدة مع عدد من كبار المسؤولين من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين في حين أنَّ أحداً من هذه الدول الثلاث لا يعترف بالدولة العبرية! وتعليقاً على ذلك قال نتنياهو مسروراً: “إنها للحظة تاريخية فارقة أنَّ نجلس اليوم في مكان واحد مع ممثلي كبرى الدول العربية جنبًا إلى جنب لنتحدث بلهجة واحدة وبصوت قوي وواضح ضد الخطر المتجسد في العدو الإيراني الشيعي “.

انتخابات تشريعية اسرائيلية في الأفق:

لقد حملت اللحظات الأخيرة من المؤتمر مؤشرات واسعة الدلالة فيما يتعلق بمستقبل الشرق الأوسط ؛ حيث لم يحفل رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بسياسة المداراة التي يتبناها على الدوام في حديثة عن العلاقات الثنائية مع الدول العربية ؛ بل وكان واضحاً في حديثه عن علاقات جيدة جداً ومصالح مشتركة وعلى وجه الخصوص مع ممالك الخليج ؛ وفي حديث ثنائي مع وزير الخارجية العماني – يوسف بن علوي ، تحدث نتنياهو عن “عهد جديد” ينتظر المنطقة ككل .. مشيداً بـ”القرار الشجاع”، على حد تعبيره ، الذي أتخذه السلطان قابوس بن سعيد بدعوته إلى عُمان في أكتوبر الماضي للمرة الأولى منذ العام 1996، واصفاً إياه بأنه “قد غير العالم “.

وعلى وجه العموم فقد كان مؤتمر وارسو في واقع الأمر خيبة أمل بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين ؛ وبالرغم من أنه كان سبباً لإظهار هشاشة العلاقات التي تربط بينها ، إلا أنه كان بمثابة فرصة سانحة أمام نتنياهو للخروج بنصيب الأسد : فعلى مدى أكثر من عام ، كان هذا الأخير يقوم بترقية نشاطاته الدبلوماسية بشكل مكثف ليس فقط مع السلطان العماني بل وأيضاً مع رئيس الوزراء المجري ، فيكتور أوربان، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين ، ورئيس الوزراء الهندي ، نارندرا مودي.

ومن ناحية أخرى فقد كان هذا الاجتماع فرصة للتأكيد على أنَّ قيود العزلة التي فرضت على إسرائيل في مختلف الميادين توشك على الانكسار ؛ أما على الصعيد الشخصي ، فقد كانت تلك فرصة للعب دور “رجل الدولة ” لاسيما وأنه قد أصبحت تلوح في الأفق الانتخابات التشريعية المبكرة المقرر بدأها في 9 أبريل القادم ، فضلاً عن أنها فرصة لتلميع صفحته المليئة بالشوائب والهفوات السياسية.