السياسية- متابعات:

ميس أبو غوش 

بينما تتجه أنظار العالم والوسائل الإعلامية نحو البلدة القديمة في نابلس، منذ 2 أيلول/سبتمبر، والصمود الأسطوري الذي سطّره أبطال مجموعة “عرين الأسود” وتشكيل لبنة المجموعة التي انبثقت من “كتيبة نابلس” بعد استشهاد محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح ولاحقاً إبراهيم النابلسي، والتي أصبحت هدفاً أمام “إسرائيل” لإنهاء المقاومة العسكرية في الضفة الغربية وتقييد وصولها إلى مناطق أوسع، والخشية لدى الاحتلال من تصدير تجربة “عرين الأسود” التي وحّدت الشارع الفلسطيني بفصائله.

يقاوم النابلسي وشقيقه ابن جنين وأبناء فلسطين كافة، موحّدين أمام آلة الإجرام وبعيون تترقب البيانات العسكرية الخاصة بـ”عرين الأسود” ليعمموا التجربة النضالية، مع تصعيد “إسرائيل” رقعة الخناق على نابلس والمدن المجاورة عبر الحواجز العسكرية وعمليات التفتيش.

وإذا نظرنا إلى السياسة الإسرائيلية فنجدها شاملة ومتكاملة في جميع المناطق الفلسطينية، تصبو إلى السيطرة على الأرض واقتلاع عدد أكبر من الفلسطينيين بطرق تضعها ضمن قالب قانوني وتحت مظلة المحاكم العسكرية الإسرائيلية، والتي تعتبر أداة سيطرة وتخدم مصالح المشروع الاستيطاني، وفي 29 أيلول/ سبتمبر العام الجاري، أصدرت سلطات الاحتلال أمراً عسكرياً يقضي بتهجير أهالي تجمع خلة الضبع، في مسافر مدينة الخليل.

 

تجمع خلة الضبع

تُطل خلة الضبع على قرى مسافر يطا، وتبعد عنها ما يقارب 9 كلم، وتبلغ مساحتها 3000 دونم، ومساحة التجمع السكاني 250 دونماً أما المساحة المتبقية فعبارة عن أراض زراعية. ويُطوّق الاستيطان خلة الضبع من جميع الجهات، بأربع مستوطنات هي: “حافات معون” المقامة على قرية معين، ومستوطنة “كرمئيل” المقامة على أجزاء من أراضي بلدة كرمل، ومستوطنة “افيقايل” المقامة على أجزاء من بلدة أم الشقحان، ومستوطنة “متسبي يائير” المقامة على أجزاء من بلدة أم العرايس.

يحدّ تجمع خلة الضبع من الجهة الجنوبية تجمعات عدة منها: الفخيت وجنبا والحلاوة وحدود الأراضي المحتلة عام 1967 ومدينة عراد المحتلة، ومن جهة الشرق المجاز ومغابر العبيد والطوبة، وشمالاً تحدها مضارب البدو الفلسطينية، حميدة ودقيقة وزويدين وأم الخير، وغرباً منطقة فرصة وشعب البطم وقوويص وزويرة.

وجاءت تسمية مسافر يطا بهذا الاسم، مرتبطة بروايات تعود إلى فترة الحكم العثماني، عندما كان جباة الضرائب يصلون إلى المنطقة ولا يجدون أحداً فيسجلون قيمة جرد الضريبة “صفر”، ورواية أخرى لها علاقة بطبيعة الحياة القاسية في مسافر يطا، التي كانت تسمى “صفر يطا” أي أنها مكان لا يصلح للعيش فيه، وذلك بحسب مؤسسة الدراسات الفلسطينية، نقلاً عن أهالي خلة الضبع..

سافرت كاميرا “الميادين نت” إلى مسافر يطا، وتحديداً إلى تجمع خلة الضبع التابع لبلدة التواني، من رام الله إلى الخليل بواقع ساعتين عبر المواصلات العامة، مروراً بالحواجز العسكرية الإسرائيلية “حاجز بيت أيل، حاجز الكونتينر، حاجز عصيون”، ثم انتقلنا عبر سيارة خاصة من البلدة القديمة في الخليل إلى بلدة التواني، ثم إلى تجمع خلة الضبع بواقع ساعة عبر طريق غير معبدة وترابية ومنعزلة عن مركز المدينة.

 

20 عائلة فلسطينية مهددة بالتهجير القسري

تعيش 20 عائلة فلسطينية في خلة الضبع حالة من القلق والانتظار والترقب، بعد أن قامت الإدارة المدنية الإسرائيلية التابعة لـلاحتلال بإصدار قرار عسكري يقضي بمصادرة أراضي تجمع خلة الضبع، وبادعاء أنها منطقة تدريب لـ”جيش” الاحتلال، ويقول الناشط والمواطن جابر دبابسة، للميادين نت، إن 80 فرداً يعيشون في خلة الضبع بات مستقبلهم مجهولاً وينتظرون التهجير في أي وقت، بعد أن قرر “جيش” الاحتلال الإسرائيلي مسح التجمع بشكل نهائي في 29 أيلول/ سبتمبر، وتصنيف التجمع منطقة إسرائيلية وتدريب لـ”جيش” الاحتلال.

ويشير دبابسة، إلى أن استهداف تجمع خلة الضبع ارتفعت وتيرته منذ 5 سنوات، حيث كان الأهالي يستلمون الإخطارات بشكل متفرق، وفي إحدى المرات، وصل عدد الإخطارات إلى 24 إخطاراً، ولكن هذه المرة، المواجهة أصعب وأشمل كون القرار عسكرياً، ويشمل كل الأراضي في خلة الضبع.

إن قرار إعلان منطقة تجمع خلة الضبع عسكرية وتحت طائلة “جيش” الاحتلال، يمهّد للسيطرة الأوسع على التجمعات المجاورة لخلة الضبع ويسهل على “إسرائيل” التوسع في المستوطنات المجاورة للتجمعات، في ويؤكد دبابسة، أن خلة الضبع نقطة ارتكاز للتجمعات في مسافر يطا، ويضيف: وإذا راحت خلة الضبع.. سلّمت كل المسافر لـ”جيش” الاحتلال.

 

“خلة الضبع، ضبعت المستوطنين والجيش”

ولم يكن الأمر العسكري بإخلاء خلة الضبع، وليد لحظة بل شهد التجمع خلال الأعوام الخمسة المنصرمة، محاولات غير مباشرة لتهجير أهالي التجمع عن طريق هدم المساكن، إذ هدم “جيش” الاحتلال 14 بيتاً بتكلفة 200 ألف شيكل، لعائلة جابر دبابسة وشقيقيه ما دفعهم إلى العيش داخل المُغر، فيما أصدر “جيش” الاحتلال أوامر بالسيطرة على عدد من المُغر داخل خلة الضبع.

وفي السياق ذاته، اقتلع الاحتلال الإسرائيلي ما يقارب 500 شجرة زيتون معمرة قبيل 9 سنوات، واستهدف المحمية الطبيعية لخلة الضبع واقتلع 12 ألف شجرة حرجية، وقد شارك المستوطنون تحت حماية “جيش” الاحتلال في تسميم أراضي المزارعين وإحراق المحاصيل الزراعية، وفي إحدى المرات، بلغ إجمالي محاصيل الأراضي المحترقة 300 دونم، بالإضافة إلى طَمر الآبار المنزلية والزراعية بالرغم من أن هذه الآبار قانونية وتابعة للحكم المحلي .

كما طالت أهداف الاحتلال الإسرائيلي المدرسة الابتدائية في خلة الضبع، وقام بهدمها عدة مرات، بالإضافة إلى هدم 4 مدارس في التجمعات المجاورة في المسافر، وبذلك تستهدف “إسرائيل” مستقبل الأطفال الذين يشكلون نسبة 60% من إجمالي عدد سكان التجمع. إن عمليات الهدم المستمرة للمدارس قيّدت الفرص أمام تطوير البنية التحتية وإنشاء صفوف للمرحلة الإعدادية والثانوية لتقتصر على صفوف الابتدائية، ويقول دبابسة، بهذا الشأن: عندما هدمت مدرسة تجمع خلة الضبع، جلس الأطفال أسبوعاً كاملاً تحت الشمس يتلقون التعليم من دون صفوف، ويضيف بأن الأهالي يقومون بإعادة بناء المدرسة بعد كل عملية هدم، بمساعدة إحدى المؤسسات.

 

موحدون في وجه التهجير

فشلت سياسات التهجير المباشرة وغير المباشرة، في إحباط عزيمة الأهالي وكسر صمودهم، ورفضوا الضغوطات والإغراءات المالية التي عُرضت عليهم مقابل التخلي عن أراضيهم، بل وشكلوا حالة من التضامن خاصة خلال خسارة المحاصيل الزراعية التي يعتمدون عليها لسدّ حاجاتهم الأساسية، وأيضاً تكاتفوا في وجه سياسة التضييق الاقتصادي بعد أن منعت “إسرائيل” بعض الشبان من الدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة للعمل.

وفي السياق ذاته، انبثقت لجنة الحماية والصمود في المسافر التي شكلت من سكان المنطقة لمواجهة الاستيطان ودولة “إسرائيل”، ويواظب الناشطون في تجمع خلة الضبع على مشاركة تجربتهم وخبرتهم مع التجمعات المجاورة، ويضيف دبابسة: بدأنا بالتحرك من أجل مواجهة الاستيطان و”الجيش”، ولم نقف ولن نستسلم أمام القرارات العسكرية الإسرائيلية.

وأكد جابر دبابسة أن الأهالي يرفضون التخلي عن الأرض التي ورثوها عن أجدادهم، فالتخلي عنها بمنزلة الموت، بالرغم من حالة التوتر التي يشعر بها الأهالي. ورداً على سؤال ماذا ستفعلون إن قام “جيش” الاحتلال الإسرائيلي بتهجيركم؟ قال: هاد الإشي ما راح يصير، وإذا صار بنكون يا تحت التراب أو في السجن.

 

الحاضنة الشعبية والتكاتف في ظل المواجهة الشاملة

يستقبل الأهالي بشكل مستمر المتضامنين الأجانب مع خلة الضبع، ويتلقون الوعود بفعل يغير مسار التهجير، ولكن تبقى الوعود معلقة من دون فعل حقيقي، ويشير دبابسة إلى أن: الأجانب يأتون إلى التجمع من منطلق الاستكشاف وينظرون إلينا نظرة الاستعطاف والحزن ولم نتلق منهم أي فعل حقيقي بعد الوعود التي سمعناها، بمناقشة قضيتنا أمام وزارة الخارجية الإسرائيلية”.

إن الإسناد والتغطية الإعلامية والتحركات المحلية دعماً لأهالي خلة الضبع ضعيفة، بحسب ما رأى الناشط جابر دبابسة، قد يكون أحد أسباب ضعف الإسناد، الموقع الجغرافي وصعوبة الوصول إلى المنطقة بشكل يومي وإغلاق المدن الفلسطينية وسياسة الاغتيالات التي تتبعها “إسرائيل”، في الآونة الأخيرة، وبشكل ملحوظ، لمواجهة المقاومة في نابلس وجنين، ولكن هذا قد يحفز تعميم النضال كما جرى في المخيمات والمدن، ليصبح أوسع وأشمل في مسافر يطا والجنوب الفلسطيني وغيرها من المناطق التي على شفا حفرة من التهجير.

وفي السياق ذاته، أرسل الناشط والمواطن جابر دبابسة رسالة إلى أهالي فلسطين والدول العربية الشقيقة، عبر الميادين نت، مفادها: اطمئنوا أهل المسافر بخير، انتو لازم تيجوا توقفوا معنا وتسندونا، كما ودعا الدول العربية الشقيقة إلى ضرورة مقاطعة “إسرائيل” والضغط عليها وعزلها.

 

التهجير القسري جريمة حرب جديدة

إن الأمر العسكري الإسرائيلي يفضي إلى تهجير أهالي تجمع خلة الضبع قسراً، وهو أمر غير قانوني ويعتبر جريمة حرب دولية بحسب “نظام روما الأساسي” الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الذي يصنف بشكل واضح النقل القسري لسكان الإقليم المحتل والإحلال الاستيطاني بجرائم حرب، فيما انتهجت “إسرائيل” سياسة اقتلاع الفلسطيني من أرضه وتوطين المستوطنين، وشهد كانون الأول/ديسمبر عام 1947 وأيار/مايو 1948 تهجير نصف مليون فلسطيني، وما زالت “إسرائيل” مستمرة في سنّ القوانين وإقرارها أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية باقتلاع كل مقومات الحياة ومنع الفلسطيني من العيش في أرضه.

وبحسب المركز الفلسطيني لمصادرة حقوق المواطنة واللاجئين “بديل”، جاء في ورقة بحثية عنوانها “النهب الإسرائيلي للأراضي والتهجير القسري للفلسطينيين”، أن الأراضي التي وقعت تحت بند المصادرة لأغراض عسكرية استخدمت كطرق التفافية تسمح للمستوطنين بالسفر عبرها إلى المستوطنات، وأيضاً إلى إعادة تشكيل كتل المستعمرات، وتهدف إلى عزل الفلسطينيين ومنعهم من استخدام الطرق التي تؤدي إلى هذه المستوطنات.

  • المصدر : الميادين نت
  • المادة يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع