السياسية:

في وقت سابق من العام الحالي، صرحت النائب المحافظة كيمي بادنوخ بأن منهاج اللغات الأجنبية المعاصرة الذي يدرس حالياً في المدارس، لا يحتاج إلى استئصال الإرث الاستعماري منه. وهذا على رغم أن بادنوخ لا تملك أية تجربة شخصية في ارتياد المدارس الثانوية البريطانية ولا في التعليم في هذه المدارس.

من موقعي كمعلمة للغتين الفرنسية والإسبانية تبلغ من العمر 24 سنة وتدرس في ثانوية بريطانية وسط مجتمع محلي متعدد الثقافات يتألف من الطبقة العاملة في غرب لندن، أنا أخالف هذا الرأي. فمنهاج تعليم اللغات الأجنبية المعاصرة بتوجهه الأوروبي الحالي، لا يعكس أياً من طلابي ولا يعكسني أنا بأي شكل ولا صلة لكثير منا به.

ومن الضروري جداً بالتالي أن نبدأ بإزالة الأثر الاستعماري من هذا المنهاج فوراً. إذ يجب أن يعكس بشكل أكبر تنوع المجتمعات المحلية التي يدرس فيها عديد من بيننا، ويشجع الطلاب كذلك على متابعة دراسة اللغات في مراحل متقدمة من تعليمهم.

ليس من المفاجئ أن يكون تعليم اللغات الأجنبية المعاصرة في تراجع مستمر منذ عدة سنوات. فيما تركز مناهج المرحلتين الثالثة والرابعة الأساسيتين من التعليم الثانوي، بشكل مكثف على القواعد وتلغي أي سياق ثقافي للتعليم، يستمر الطالب العادي بالنظر إلى تعليم اللغات على أنه صعب، ومنفصل عن الواقع.

عند تدريس أي مادة، مهما كانت، من الضروري إضافة السياق الثقافي، لكي تتم عملية التعليم والتعلم على حد سواء. وإنه لإجرام أن نغفل عن هذا السياق عند تدريس اللغات، هذا المجال الغني بالمفاهيم الثقافية. عندما أعود بالذاكرة إلى تجربتي الخاصة في تعلم الفرنسية والإسبانية في المدرسة الثانوية، استحضر التركيز الكبير على القواعد وتصريف الأفعال والتحدث باللكنتين الفرنسية والإسبانية كما في بلدانهما الأم.

يمكنني القول بكل ثقة إن حبي للغتين الفرنسية والإسبانية لم ينبع من المنهج التعليمي في الثانوية. بل من الموسيقى، ولا سيما الأقراص المدمجة التي كانت تمتلكها أمي، بلانيت راب Planete Rap وبوينا فيستا سوشيال كلوب Buena Vista Social Club. خلال سنتي الأولى في التدريس، كنت أطمح أن أصبح “المعلمة الرائعة”، وأن أشارك حبي للموسيقى الأوروبية مع طلابي، لكن سرعان ما تبدد الوهم بسبب ضغوطات المواعيد النهائية للتصحيح وتسجيل البيانات التي لم تترك المجال، لسوء الحظ، لأي شيء خارج المخطط الدراسي المحدد.

وللأسف، تلعب الطبقة الاجتماعية والانتماء العرقي كذلك دوراً في ضعف الإقبال على تعلم اللغات في شهادة الثانوية العامة (GCSE)، وامتحانات المستوى المتقدم (A-level)، فمنهاج اللغات الأجنبية المعاصرة هو مادة استعمارية ونخبوية؛ إذ إن اختيار اللغات الفرنسية والإسبانية والألمانية لتعليمها في المدارس يعود إلى كون هذه البلدان قد اكتسبت مكانة “القوة العالمية” من خلال امبراطورياتها المنتشرة.

ومن المحزن أننا في النظام التعليمي، نقدر هذه اللغات أكثر من “لغات المجتمعات المحلية” التي يتحدثها طلابنا الذين يدرسون الإنجليزية باعتبارها لغة إضافية أو لغة ثانية، داخل منازلهم.

ظهر هذا الإقبال الضعيف من خلال استطلاع الآراء حول الاتجاهات في تعلم اللغات، الذي سلط الضوء على وجود علاقة مقلقة بين المدارس التي تضم أقل نسبة من الطلاب الذين يتابعون دراسة لغة أجنبية ما بعد المرحلة الأساسية الثالثة من التعليم الثانوي من جهة، وتلك التي تضم أكبر عدد من الطلاب الذين يتلقون إعانة حكومية والمؤهلين لتناول وجبات طعام مجانية في المدرسة، والذين يسجلون نتائج أقل في امتحانات الثانوية، أو يدرسون الإنجليزية كلغة إضافية، من جهة أخرى. ومن المعروف بأن الطبقة الاجتماعية والعرق يشكلان عوامل تساهم في كل من هذه الخانات، كنتيجة مباشرة لمختلف أشكال العنصرية والتمييز الطبقي الموجود في المجتمع البريطاني.

ويرجح أن ينتمي طلاب الطبقة العاملة إلى إحدى هذه الخانات أكثر من نظرائهم في الطبقة الوسطى، كما يرجح أكثر أن ينسحبوا اختيارياً من تعلم اللغات قبل بلوغهم مرحلة امتحانات الثانوية العامة. ويمكن قول الأمر عينه بشأن العرق. مثلاً، تظهر الأبحاث بأن التمييز العرقي، الذي يمارسه الأستاذ على الطلاب، يؤثر بشكل مباشر في نتائجهم في الثانوية العامة. وتظهر هذه النقطة بوضوح في حال الطلاب الفتيان السود من الخلفية الكاريبية، الذين يحصلون في الثانوية العامة على أقل المعدلات من بين كل المجموعات، في ما خلا مجموعات الطلاب من مجتمعات الرحل Traveller، وهي مجموعة عرقية أخرى تواجه درجة عالية من التمييز.

ومن المذهل أن مجموعة البحث في اللغات الأجنبية المعاصرة اختارت، كما في فرنسا، أن تتبنى مقاربة “تجاهل الفروقات”، في دراسة اتجاهات تعليم اللغات في بريطانيا، مما سهل التمييز ضد الطلاب المصنفين بحسب عرقهم، في كل النظام التعليمي.

وربما يكون هذا سبب غياب الطلاب السود عادة عن امتحانات المستوى المتقدم (A-level)، وصفوف تعليم اللغات في الجامعات، وسبب إفادة هيئة القبول في الجامعات والكليات عن انخفاض عدد أساتذة تعليم اللغة السود على نحو كبير، وعلى مستوى البلاد.

لدي إيمان راسخ بأن نزع الإرث الاستعماري من منهاج اللغات الأجنبية المعاصرة خطوة عظيمة نحو حل المشكلات التي تعاني منها مادتي. أنا أعي بأن تعبير “إزالة إرث الاستعمار من المنهاج” قد يوقع الخوف في نفوس بعضنا، مثل كيمي بادنوخ، فيما يتصورون الأستاذة وهم لا ينفكون يتكلمون عن امتيازات العرق الأبيض وذنبه.

في الواقع، ما يعنيه هذا التعبير هو المشاركة في عملية مستمرة من الإقرار بتأثير الإرث الاستعماري في نظامنا التعليمي والتمعن في دراسة هذا الأثر. ويعتبر التساؤل والتشكيك أداة أساسية في نزع الإرث الاستعماري من المنهاج، لأنه يسمح لنا بمراقبة العوامل المختلفة التي تركت بصمتها عليه.

علينا أن نسأل أنفسنا أولاً عن سبب تعليمنا هذه اللغات، عن طريق النظر إلى التاريخ العنيف للاستعمار اللغوي. وعلينا أيضاً أن ندخل الثقافة في تعليمنا لأنها ستساعدنا في تحديد الأجزاء العنصرية والاستعمارية من مادتنا. من خلال تعليم تاريخ الامبراطوريات الأوروبية، والأهم من ذلك، الأثر الذي خلفته في بقية العالم، سوف نتمكن من التخلص من المنظور الأوروبي للأمور الذي نعلم من خلاله.

وهذا ما سيساعدنا في إطلاق حوارات صريحة مع طلابنا حول ديناميات السلطة وراء العالم الناطق بالإسبانية والفرنسية والألمانية، مما سيوسع نطاق فهمهم الثقافي للغات الأجنبية المعاصرة.

وفي النهاية، علينا أن نغير مفردات النخبة التي غالباً ما نستعملها في الدروس، لم يجرب كثيرون من بين طلابي ركوب الخيل أو التزلج أو ركوب الأمواج! وعلينا استبدال هذه اللغة بأخرى تشمل الجميع، ويمكن للطلاب أن يستخدموها لوصف أنفسهم بدقة، مثل قولهم “أنا أرتدي الحجاب” أو “لدي ضفائر”. من خلال عملية نزع الإرث الاستعماري هذه، يمكننا جعل المدخل إلى اللغات الأجنبية المعاصرة ميسراً لكل الأطفال، وليس للنخبة فقط.

المصدر : اندبندنت عربية
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع