عملية الضبة: “كاريش اليمن”
علي ظافر*
صنعاء، تنفذ تحذيراتها، وتفرض معادلة جديدة لحماية السيادة والثروة النفطية ومنع نهب النفط اليمني، بعملية عسكرية تحذيرية حملت رسائل باتجاهات عدة محلياً وإقليمياً ودولياً، بعد رفض دول العدوان تسخير ثروة اليمن في خدمة أبنائه ومرتباتهم من دون تمييز.
القوات المسلحة اليمنية، أعلنت عن “ضربة عسكرية تحذيرية لمنع سفينة نفطية كانت تحاول نهب النفط الخام عبر ميناء الضبة شرق محافظة حضرموت”، وتشير المعلومات إلى أن “الضربة العسكرية التحذيرية” لم تحصل إلا بعد أن وجهت صنعاء ثلاث رسائل تحذيرية متتالية (في أيام 18 و 20 و 21 تشرين الأول/أكتوبر الجاري) إلى وزارة النقل اليونانية بمنع السفينة من الدخول إلى المياه الإقليمية اليمنية، بعد أن توقف أكثر من أسبوع خشية من التحذيرات والرسائل التي وجهها السيد القائد والمجلس السياسي الأعلى والمخاطبات التي أرسلتها اللجنة الاقتصادية العليا، لولا التحريض الأميركي المباشر لملاك السفينة وطاقمها على الدخول، فجاءت الرسالة العسكرية لتجبر السفينة على المغادرة والابتعاد 12 ميلاً بحرياً عن ميناء الضبة، وتفرض معادلة جديدة مفادها: لن نسمح لأي كان بانتهاك سيادة البلد ونهب ثروته. ويبدو أن عملية الضبة تأتي ضمن مسار تصاعدي لترسيخ هذه المعادلة بعد أن استمرأت دول العدوان سرقة النفط اليمني، ونهبت ما تفوق قيمته 22 مليار دولار من ثروة اليمن (في شبوة، ومأرب وحضرموت).
صنعاء: العملية التحذيرية قابلة للتصعيد
تركزت تصريحات المسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية وفي الوفد الوطني المفاوض، حول عدة نقاط ضمن مسار متصاعد لترسيخ المعادلة الجديدة، ففيما رأى عضو الوفد الوطني المفاوض، عبدالملك العجري، أن ” تجاهل مطالب شعبنا والاستمرار في نهب ثرواته من دون توقع ردة فعل هو سوء تقدير كبير”، أكد وزير الخارجية هشام شرف أن ” رسائل صنعاء التحذيرية خطوة أولى قابلة للتصعيد”، بعد يوم واحد من تأكيد القوات المسلحة اليمنية على لسان المتحدث العسكري، العميد يحيى سريع، أنها ” قادرة على شنِّ المزيد من العمليات دفاعاً عن شعبنا العظيم وحماية لثرواته من العبث والنهب”.
وتنسجم هذه التصريحات مع التحذير الذي أطلقه السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي لدول العدوان والشركات النفطية الأجنبية عشية العيد الثامن لثورة 21 أيلول/ سبتمبر من أن ” مواصلة نهب الثروة الوطنية للبلد في ظل حصار شعبنا العزيز وتجويعه وسرقة عائدات النفط والغاز بدلاً من صرفها في المرتبات والاستحقاقات الخدمية والإنسانية”، مهدداً بأن أضرار استمرار العدوان والحصار لن تقف عند حدود اليمن بل ” ستشمل ما يهدد الوضعين الإقليمي والدولي وعلى الجميع أن يستوعب ذلك”.
تهديد قائد الثورة السيد عبد الملك قبل شهر من “عملية الضبة”، كان يوحي بأن عملية كهذه ستحصل حتماً، وإن استمرت رباعية العدوان في المكابرة فقد تذهب الأمور إلى ما هو أبعد في تلويح جدّي بنقل المعركة إلى البحر الأحمر وربما البحر العربي وأعالي البحار. وفي هذا السياق، سبق أن كشف قائد القوات المسلحة، الرئيس المشير مهدي المشاط، خلال عرض ” وعد الآخرة” في الحديدة الساحلية مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي بأنه بات “بمقدورنا أن نضرب أي نقطة في البحر من أي جغرافية في اليمن وليس من الساحل فقط”.
عملية الضبة: نقطة تحول
لقد شكلت عملية الضبة نقطة تحول جديدة في مسار الحرب، وفتحت مساراً جديداً ضمن معركة حماية السيادة والثروة والدفاع عن حقوق الشعب اليمني الإنسانية والخدمية في آن.
ومن خلال قراءة بسيطة للعملية عسكرياً، نجد أن العملية كانت دقيقة ومعقدة، بأن أوصلت القوات المسلحة نيران أسلحتها الدقيقة على بعد 7 أمتار فقط “ما بين السفينة والعوامة”، وفقاً لشهادة محافظ حضرموت المعيّن من قبل التحالف، من دون أن تصيب البنية التحتية للميناء باعتباره ملكاً وطنياً، ومن دون أن تصيب السفينة أو أياً من طاقمها، وهذا يعزز عدم رغبة صنعاء في ضرب السفينة، باعتبار العملية رسالة تحذير تهدف إلى إجبار السفينة على المغادرة وإيقاف عملية النهب والسرقة لثروات اليمن.
النقطة الثانية أن العملية جاءت بعد إعلان المرتزقة “حالة الاستنفار والجهوزية”، وإعلان واشنطن عن وجود غواصة نووية في بحر العرب.
النقطة الثالثة أن العملية بهذه الدقة جاءت بعد أن أطفأت السفينة جهاز التتبع الملاحي، بما يؤكد النجاح الكبير لقوات صنعاء في الاستعلام والرصد والرقابة، ويضيف نجاحاً استخبارياً إلى جانب النجاح العسكري.
النقطة الرابعة: أنها جاءت في توقيت ذكي.
هذه النقاط الأربع سيتوقف عندها الخبراء العسكريون لرباعية العدوان بكثير من التحليل، والقراءة قبل الإقدام على أي مغامرة عسكرية تدفع بعجلة التصعيد مجدداً إلى الواجهة.
مفاعيل الضربة
مقارنة بما فرضته “معادلة كاريش” على العدو الإسرائيلي بأن جثا على ركبتيه، وأجبر على ترسيم الحدود البحرية جنوب لبنان، وحصول اللبنانيين على حقهم الطبيعي غير منقوص، فإن عملية الضبة فرضت مفاعيل آنية، وحققت عدداً من الأهداف أبرزها:
– توقف شركة “بترومسيلة” عن ضخّ النفط من منشأة النفط في المسيلة إلى ميناء الضبة.
– إجبار السفينة اليونانية على مغادرة الميناء عقب الضربة العسكرية التحذيرية، بما يوحي أن الشركات الأجنبية أخذت تحذيرات صنعاء على محمل الجد أكثر من أي وقت مضى، وأنها ستكون في دائرة الاستهداف العسكري إن فكرت بالاقتراب من أي ميناء يمني والمساهمة في نهب النفط اليمني وتهريبه.
– كشفت ضعف الطرف الآخر وهشاشته عسكرياً واستخبارياً في ذروة استنفاره وعقب الإعلان عن وجود غواصة نووية أميركية في البحر العربي.
وبمقاربة هذه العملية مع “معادلة كاريش”، هل ستذعن قوى العدوان لمطالب صنعاء وتجثو على ركبتيها بتسخير عائدات النفط والغاز لكل اليمنيين في الخدمات والمرتبات، كما فعلت حليفتها “إسرائيل” بالاعتراف بالحق اللبناني السيادي والاقتصادي أم أنها ستكابر؟!
هوامش ضيقة وخيارات معدومة للتحالف
لا ننسى هنا الإشارة إلى أهمية انتخاب القيادة في صنعاء للتوقيت المناسب محلياً وإقليمياً ودولياً، في ظل تفكك طابور المرتزقة، والتراشق الأميركي-السعودي على خلفية قرار “أوبك”، وقبل فترة وجيزة من الانتخابات النصفية الأميركية وفي غمرة انشغال الاتحاد الأوروبي في حل مشاكله الاقتصادية والمعيشية والطاقوية، إن صح التعبير، قبل حلول الشتاء القارس، وينسحب الأمر على بريطانيا (صاحبة القلم المتآمر على اليمن) التي تمر هي الأخرى بأزمة اقتصادية ومعيشية وربما سياسية غير مسبوقة دفعت رئيسة الوزراء إلى الاستقالة.
وبالنظر إلى الهوامش الزمنية الضيقة، والأزمات التي تعصف بأميركا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ليست مستعدة للتصعيد باعتبارها صاحبة قرار الحرب، إذ اكتفت هذه الدول بإصدار بيانات إدانة للعملية، ولا تزال تبدي حرصها على تمديد الهدنة، ليس حباً في اليمنيين وإنما خشية من التداعيات التي لوحت بها صنعاء خارج حدود اليمن، على عكس دول التطبيع وفي مقدمتها السعودية والإمارات، أما من لا يستحقون الذكر من أدوات “المرتزقة” (أصحاب المدن السكنية في مصر والإمارات وتركيا)، فقد أزبدوا وأرعدوا وتوعدوا بـ “خيارات مفتوحة على كل الاحتمالات” مع إن الرسالة تتجاوزهم، وإن فعلوا شيئاً فهم بذلك يُحرمون هم ومشغلوهم من نهب ثروات اليمن وبيعها، ولن تغامر الشركات الأجنبية بالاستمرار في العمل في بيئة مضطربة، كما إن صنعاء – مستعينة بالله – جاهزة لكل الخيارات، وقد أعدت مفاجآت لم تخطر في بالهم، بعد أن أعطت معسكر العدوان مساحة وهامشاً زمنياً لامس الثلاثة أسابيع منذ نهاية الهدنة، إفساحاً في المجال أمام أي جهود ومساع إيجابية من خلال الاتصالات والوساطات التي تخللت ثلثي شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، لكن لم يكتب لتلك الجهود النجاح في إقناع رباعية العدوان في تنفيذ استحقاقات إنسانية -غير قابلة للمناورة والتأجيل -بصرف رواتب كل الموظفين من ثروة بلادهم، وإنهاء كل القيود التعسفية على مطار صنعاء وميناء الحديدة وحركة الطائرات التجارية والسفن منهما وإليهما.
على أن الرسالة الأولى تحذيرية لمنع نهب الثروة وسرقة المرتبات، وفي حال فكر العدوان بتضييق دائرة الحصار واستمر في الحرب الاقتصادية، وهذا وارد، فإن دائرة عمليات كسر الحصار ستتسع ولن تقف عن حدود اليمن وقد تكسر كل الرهانات – بإذن الله – وتعيد إلى اليمن وحدته في الديموغرافيا والجغرافيا، والسيادة والثروة وتنسف خرائط التفتيت التي رسمها العدوان، بهدف التقسيم والسيطرة والهيمنة.
*المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع