التهديد بالنووي.. هل يقف العالم على حافة الهاوية؟
السياسية:
’’وسط تصاعد التوتر في العالم، فالإنسانية تبعد بمقدار سوء تفاهم واحد أو زلّة واحدة عن إبادة نووية’’
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في خطابه بمؤتمر الدول الموقعة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في آب/اغسطس 2022.
في هذه الفترة من العام 2022، ثمة من يعتقد أن العالم يقف على “حافة الهاوية النووية”. أمرٌ شبيه ربما بما كان عليه الحال في تشرين الأول/اكتوبر عام 1962، أو ما عُرف وقتها بأزمة الصواريخ الكوبية. لكن يُقال إن فلاديمير بوتين ليس نيكيتا خروتشوف، إذ أن الأول، بحسب ما يخشى الخبير العسكري في جامعة أوسلو جيمس كاميرون “يريد الحفاظ على الوضع الراهن، ولا يريد أن يلقى مصير خرتشوف الذي أُزيح من منصبه بعد عامين من أزمة الصواريخ”. لكن ماذا لو تصرف بايدن ككينيدي؟ ماذا لو وجد مخرجاً للحرب المستمرة في أوكرانيا منذ شباط/فبراير الماضي، خصوصاً إذا ما وصلت مآلاتها إلى المحظور؟ من المؤكد أن دون ذلك تعقيدات وتنازلات، تحتاج إلى فتح باب المفاوضات الذي لا زال مغلقاً، لكن في الوقت نفسه، فإن غوص أطراف الصراع أكثر في دوامة ما يُسمى “مأزق النهايات”، يرفع من احتمالات الضغط على الزر النووي.
الاحتمالات
’’إذا تعرضت وحدة أراضينا للتهديد، سنستخدم كل الوسائل المتاحة لحماية روسيا وشعبنا، هذا ليس خداعاً’’.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 28 أيلول/سبتمبر
لا يمكن تبسيط موضوع البدء بمواجهة نووية أو حتى اتخاذ القرار بشنّ ضربة نووية تكتيكية، بالقول إن الموضوع هو مجرد “الضغط على زر”، تقنياً ربما هو كذلك، لكن بحسابات الواقع تبقى هذه المواجهة مستبعدة لما لها من تداعيات عسكرية وسياسية وانسانية وبيئية، فالنموذج الياباني عام 1945 (هيروشيما وناكازاكي) لا زال ماثلاً في الأذهان.
لكن ميدانياً، فإن احتمالاتها آخذةٌ بالارتفاع مع التصعيد المستمر في أوكرانيا، وآخرها كان استهداف جسر القرم (يقع ضمن أراضي روسيا)، وعقب ذلك رد الرئيس الروسي بالقول إنه “تم توجيه ضربات بمختلف أنواع الأسلحة لمواقع عسكرية أوكرانية”، مضيفاً أن الرد في حال تكرار “الأعمال الإرهابية” سيكون “أشد قسوة”، عازياً ذلك إلى أن أوكرانيا “تنفذ هجمات إرهابية عدة وأعمالاً تخريبية ضد منشآت مدنية وبنى تحتية روسية”.
هذا الكلام يردنا إلى ما يُسمى بـ العقيدة النووية الروسية، التي تؤكد فيها موسكو أن “أسلحتها النووية تعد وسيلة للدفاع والردع فحسب، أي الرد”، لكن وفق آخر التعديلات على هذه العقيدة في حزيران/يونيو 2020، تحت عنوان “أسس سياسة الدولة في مجال الردع النووي” لا يشترط أن تتلقى روسيا الضربة الأولى من دولة معادية، إذ يمكنها استخدام السلاح النووي في ضربة استباقية في حالات عدة:
– الحصول على بيانات مؤكدة تشير إلى عزم طرف ما على إطلاق صواريخ باليستية تجاه أراضيها أو أراضي حلفائها.
– تعرض روسيا أو أحد حلفائها لهجوم بأي نوع من أنواع الأسلحة غير التقليدية (النووية والكيميائية والبيولوجية).
– يمكن لموسكو أن تستخدم ترسانتها النووية حتى لو استهدفت بأسلحة تقليدية، في حال كان هذا الاستهداف يهدد وجود الدولة.
– عند تعرض مواقع حكومية أو عسكرية حساسة إلى هجوم من قبل عدو ما، فإن العقيدة النووية الروسية تتيح لها استخدام السلاح النووي للرد.
يُذكر أن هذا المضمون يعيدنا إلى واحدة من أهم أبعاد “استفتاء الدونباس“، الذي أدّت نتائجه إلى ضم الأقاليم الأربعة إلى روسيا، وهي أن هذه الأراضي باتت أراضٍ روسية، ما يضفي الشرعية على “حق موسكو في اللجوء إلى الأسلحة النووية لحماية أراضيها”.
وهو ما رأى فيه محللون روس “إنذاراً لأوكرانيا والغرب، ودعوة لهما إلى التراجع لتجنب اندلاع حرب نووية”.
سيناريوهات متوقعة
’’ينبغي اتخاذ تدابير أكثر صرامة، بل حتى إعلان الأحكام العرفية واستخدام الأسلحة النووية منخفضة القوة في المناطق الحدودية’’.
الرئيس الشيشاني رمضان قديروف 1 تشرين الأول/أكتوبر 2022
إذاً وبناءً على ذلك، فهل يُعد وصف بوتين الهجمات الأوكرانية على الأراضي الروسية بـ”الأعمال الارهابية”، تلميحاً إلى جواز استخدام الورقة النووية ولو “بتفجير استعراضي فوق البحر الأسود أو بالمحيط المتجمد الشمالي أو داخل الأراضي الأوكرانية، كما يتردد في الأوساط الغربية”؟، وهو السؤال الذي رد عليه المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، نقلاً عن وكالة نوفوستي، بالقول “يمكنكم قراءة العقيدة النووية فهناك يوجد كل شيء”.
وفي هذا السياق، تأخذ الحكومة الأوكرانية، خصوصاً في الأسبوعين الأخيرين، تهديدات بوتين على محمل الجد. وهذا ما نقله تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” عن كبار مستشاري الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بأن وكالات الاستخبارات في البلاد ترى أن احتمال استخدام روسيا للأسلحة مرتفع للغاية”.
في ظل ارتفاع أرجحية هذا الاحتمال، الذي يتعاظم كلما طال أمد الحرب، وفي ظل ضياع في محددات “القوة النصر والهزيمة” بين أطرافها، ما هي السيناريوهات المتوقعة، وكيف سيرد الناتو؟
بحسب ما نقلت مجلة “لوبس” (L’Obs) الفرنسية عن الخبير الأميركي المتخصص في الانتشار النووي جوزيف سيرينسيوني، فإن هناك أربعة سيناريوهات محتملة:
أولاً، استعراضٌ بسيط للقوة، يتمثل بإطلاق صاروخ على البحر الأسود، أو إلى منطقة غير مأهولة في أوكرانيا، ولن يتسبب ذلك في وفيات، لكن الحدث سيمثل صدمة للكوكب، إذ ستكون تلك أول مرة يستخدم فيها مثل هذا السلاح منذ هيروشيما.
ثانياً، استخدام سلاح نووي منخفض الطاقة، مثل هذه الضربة يمكن أن توجه لتمركز للقوات الأوكرانية أو قاعدة جوية أو ميناء عسكري. يمكن لصاروخ كروز “إسكندر” أن ينفذ مثل هذه المهمة التي ينجم عنها انفجار هائل سيمثل، حسب الخبير، تطورا خطيرا؛ والهدف منه الأخذ بزمام المبادرة والتحكم في التصعيد.
ثالثاً، إسقاط قنبلة 50 كيلوطنا على أوكرانيا؛ وهذا يعني ضرب قنبلة 3 أو 4 أضعاف القنبلة التي ضربت هيروشيما، وسيؤدي ذلك لا محالة إلى مقتل عشرات أو مئات الآلاف من الناس، وسينتج عنه دمار لم نشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية، ورغم ذلك سيظل تأثير ذلك محليا ولن يشعر به الناس في باريس أو بروكسل مثلاً.
رابعاً، ضرب بلد أوروبي غير أوكرانيا (قاعدة جوية بولندية تغادر منها طائرات النقل إلى أوكرانيا مثلاً)، وسيكون هدف بوتين هنا خلق أكبر صدمة ممكنة، إذ يرى أن ضرب أوكرانيا وتدميرها لم يكن كافيا لجعل الغرب ينأى بنفسه عن الصراع. في هذه الحالة يمكن لروسيا أن تستخدم سلاحًا نوويًا تكتيكيًا.
الرد الأميركي والغربي، بحسب الخبير نفسه، على أي من السيناريوهين الأول والثاني هو العمل على عزل روسيا كلياً عن العالم سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا لبعث رسالة لبوتين مفادها: “لقد كسرت المحرمات النووية، وهددت وجود البشرية.. وعليك أن تتوقف فوراً”.
أما أمام السيناريو الثالث والرابع، فلن يكون أمام الغرب سوى الدخول مباشرة في الحرب، و”إلا فسيعتبر الهروب من الحرب استسلاماً وستفقد واشنطن مصداقيتها في المواجهات المستقبلية، وهذا هو فخ الردع”.
“مأزق النهايات”
تشير “نيويورك تايمز” إلى أن جيك سوليفان مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جو بايدن، رد على تهديد بوتين باستخدام السلاح النووي، بالقول إن أي استخدام للأسلحة النووية سيؤدي إلى “عواقب كارثية” على روسيا، مشيراً إلى أنه أوضح ذلك خلال اتصالات خاصة مع موسكو.
يشير ذلك إلى أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي، وأنها قالت ذلك لروسيا، لكن في الوقت نفسه، لا يزال الطرفان يعولان على أسلوب المناورة ولعبة شد الحبال، وهو ما ينعكس في ارتفاع وتيرة التصريحات ثم اتخاذها منحى أكثر هدوءاً، وهذا ما عكسه تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن في مقابلة مع قناة “سي أن أن”، إذ قال إنه “لا يعتقد أن بوتين سيستخدم أسلحة نووية، وأنه لاعب عقلاني، لكنه أخطأ في الحسابات بشكل كبير بغزوه أوكرانيا”.
كما سبق أن دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الغرب إلى “عدم تضخيم موضوع التهديد النووي بشكل مصطنع”. لكن لافروف لوّح في التصريح نفسه بالعقيدة النووية التي تجوز ذلك “كإجراء جوابي يهدف إلى منع تدمير البلاد”، هذه البلاد التي باتت دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا وقبلها القرم جزءاً منها، والتي لا زال بايدن يراها “أراض أوكرانية يدعو بوتين للانسحاب منها”، إنه “مأزق النهايات”.
المصدر : موقع المنار
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموق