السياسية:

جاءت كلمة الرئيس شي جين بينغ في افتتاح المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي لتؤكد، بلا مواربة، أن الصين لن تتخلى عن حق استخدام القوة لحل قضية تايوان، فماذا يعني ذلك لإدارة جو بايدن التي أعلنت بكين عدواً لواشنطن؟

كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن بكين لا تزال تصرُّ على أنه ستتم استعادة الجزيرة في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر. ولا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول؛ إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك. ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يُلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.

وفي هذا السياق، تنظر الصين إلى النظام الديمقراطي ذاتي الحكم في تايوان على أنه محافظة صينية منفصلة، ولم تستبعد استخدام القوة لتحقيق الوحدة، ووصلت التوترات بين بكين وتايبيه إلى ذروتها في أغسطس/آب الماضي، عقب زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، للجزيرة، وردت الصين بفرض حصار شبه مطلق على تايوان.

مؤتمر الحزب الشيوعي الأهم على الإطلاق
بدأ المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي الحاكم في الصين، الأحد، 16 أكتوبر/تشرين الأول، بحضور 230 ألفاً من مندوبي الحزب وممثليه، وستستمر فعاليات المؤتمر أسبوعاً كاملاً، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يفوز خلاله شي جين بينغ بفترة رئاسة ثالثة، ويعزز مكانته كأقوى حاكم للبلاد منذ ماو تسي تونغ، مؤسس الحزب الشيوعي الصيني.

وبدأ المؤتمر في قاعة الشعب الكبرى على الجانب الغربي من ميدان تيانانمين ببكين، وسط إجراءات أمنية مشددة. ودخل شي (69 عاماً) القاعة قبل الساعة العاشرة صباحاً (0200 بتوقيت غرينتش) وبدأ إلقاء كلمة أشاد فيها بحماية الحزب للأمن القومي والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وحماية حياة الناس والسيطرة على الوضع في هونغ كونغ التي هزتها احتجاجات مناهضة للحكومة في عام 2019.

وبشأن تايوان، قال شي “لقد خضنا بحزم نضالاً قوياً ضد النزعة الانفصالية والتدخل، وأظهرنا عزمنا القوي وقدرتنا على حماية سيادة الدولة ووحدة أراضيها ومعارضة استقلال تايوان”. ورد المندوبون الحاضرون بتصفيق حاد.

وقال شي إن الحزب الذي يضم 96 مليون عضو “انتصر في أكبر معركة ضد الفقر في تاريخ البشرية”.

ومنذ توليه السلطة قبل 10 سنوات، وضع شي الصين على خريطة العالم كأحد القوى الكبرى، من خلال إعطاء الأولوية للأمن وسيطرة الدولة على الاقتصاد باسم “الرخاء العام” ودبلوماسية أكثر حزماً وجيشاً أقوى وضغوطاً مكثفة للسيطرة على تايوان.

وعلى الرغم من أن قضية تايوان تعتبر أكثر الملفات الشائكة، فإن كلمة شي لم تغفل أيضاً الملفات الأخرى، كقضية تراجع نسبة المواليد في الصين بشكل مقلق، وعدم نجاح إلغاء سياسة “الطفل الواحد” في تحقيق نتيجة إيجابية، وهو ما يمثل أحد أبرز التحديات لبكين على جميع الأصعدة.

إذ قال الرئيس شي في كلمته الافتتاحية إن الصين ستطبق سياسات لزيادة معدل المواليد، في ظل شعور صناع السياسة بقلق من أن يلحق انخفاض وشيك في عدد سكان الصين ضرراً بثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وقال شي في افتتاح المؤتمر، الذي يُعقد مرة واحدة كل 5 سنوات في بكين، “سنضع نظام سياسة لزيادة معدلات المواليد، وانتهاج استراتيجية وطنية استباقية لمواجهة شيخوخة السكان”.

ويقول خبراء السكان إنه على الرغم من أن عدد سكان الصين يبلغ 1.4 مليار شخص، وهو أكبر عدد في العالم، فإن من المتوقع انخفاض عدد مواليدها إلى مستويات قياسية هذا العام؛ ليتراجع إلى أقل من 10 ملايين من 10.6 مليون طفل في العام الماضي، والذي كان منخفضاً أصلاً 11.5% عن عام 2020.

كانت الصين قد فرضت سياسة “طفل واحد” من عام 1980 إلى عام 2015، ثم تحولت فيما بعد إلى سياسة 3 أطفال، معترفة بأن الشعب على وشك الانكماش السكاني.

ماذا قال شي عن “ضم” تايوان؟
على الرغم من أنه من غير المتوقع بشكل عام أن يتم الإعلان عن تغيير كبير في سياسات الصين، فإن ما قاله شي جين بينغ بشأن تايوان جاء أوضح من أي مرة سابقة تحدث فيها بشأن هذا الملف.

إذ تعتبر الصين أن تايوان، التي تتمتع بحكم ديمقراطي، إقليماً تابعاً لها على الرغم من الاعتراضات الشديدة من الحكومة في تايبيه التي ترفض مطالبات السيادة من جانب بكين، وتقول إن سكان الجزيرة هم فقط من لهم الحق في تقرير مستقبلهم.

وتصاعدت التوترات بشكل كبير في أغسطس/آب، بعد أن أجرت الصين مناورات حربية بالقرب من تايوان بعد زيارة بيلوسي لتايبيه، ولا تزال تلك الأنشطة العسكرية مستمرة، وإن انخفضت وتيرتها قليلاً.

من جانبه، قال شي إن الصين دائماً “تحترم وتهتم وتفيد” شعب تايوان وتلتزم بتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية عبر مضيق تايوان، مضيفاً أن “حل قضية تايوان أمر يخص الشعب الصيني، وأمر يقرره الشعب الصيني”.

لكنه أكد على رسالته الأهم: “نصر على الكفاح من أجل إعادة التوحيد السلمي بأكبر قدر من الإخلاص وأفضل الجهود، ولكننا لن نعد أبداً بالتخلي عن استخدام القوة، ونحتفظ بخيار اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة”.

وأوضح شي أن “هذا الخيار يستهدف مسألة التدخل الذي تقوم به قوى خارجية وعدد صغير جداً من أنصار استقلال تايوان، وليس الغالبية العظمى من الشعب التايواني”.

ويمكن القول إن حديث شي موجه بشكل مباشر إلى شخصين بالتحديد يمثلان السلطة الحالية في تايوان والولايات المتحدة، أي الرئيسة تساي إنغ وين والرئيس جو بايدن، فالأولى ترفض الصين التحدث معها من الأساس، وتعتبرها بكين “انفصالية”، والثاني اتهمته الصين من قبل بأنه “يلعب بالنار” فيما يخص قضية تايوان.

وكانت رئيسة تايوان، تساي إنغ وين، قد قالت في كلمتها بمناسبة العيد الوطني للجزيرة، يوم الإثنين، 10 أكتوبر/تشرين الأول، إن الحرب بين تايوان والصين “ليست خياراً على الإطلاق”، وأكدت استعدادها لإجراء محادثات مع بكين.

وبعد دقائق فقط من كلمة شي في افتتاح مؤتمر الحزب الشيوعي في بكين، أصدر المكتب الرئاسي في تايوان بياناً قال فيه إن الجزيرة لن تتخلى عن سيادتها أو تتنازل عن الحرية والديمقراطية، وإن شعبها يعارض بوضوح فكرة بكين عن إدارتها وفقاً لمبدأ “بلد واحد ونظامان”.

وقالت الرئاسة التايوانية في بيانها إن الحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان والمنطقة مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجانبين، وإن اللقاء في ساحة المعركة ليس خياراً مطروحاً.

ماذا يعني ذلك بالنسبة لإدارة بايدن؟
تعتبر الولايات المتحدة أن الصين هي المنافس الأول لها على الساحة الدولية، وفي هذا الطرح اتفقت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وإدارة بايدن الحالية، وإن كان الأخير أكثر استفزازاً للصين، في ظل تصريحاته التي تهدم سياسة “الغموض الاستراتيجي” لواشنطن، وهي السياسة القائمة منذ عقود.

السياسة الأمريكية بشأن تايوان يمكن وصفها بالمتناقضة، فواشنطن ترفع شعار “صين واحدة”، لكنها تمد تايوان بالأسلحة والعتاد العسكري وتشجّع السياسيين التايوانيين الذين يسعون للانفصال رسمياً عن الصين. لكن “الغموض الاستراتيجي” يقصد به تحديداً رد فعل واشنطن إذا ما سعت بكين لضم الجزيرة بالقوة، حيث لا يصرح المسؤولون الأمريكيون بحقيقة تصرف بلدهم في تلك الحالة، سواء بالتدخل العسكري المباشر للدفاع عن تايوان، أو بالاكتفاء بالدور الذي تلعبه في أوكرانيا خلال الحرب الروسية الدائرة هناك حالياً، أي مدها بالعتاد العسكري والمعلومات الاستخباراتية والمرتزقة؟

لكن بايدن ألغى ذلك الغموض الاستراتيجي خلال زيارته الأولى كرئيس إلى آسيا، في مايو/أيار الماضي، حينما قال “نعم، سندافع عن تايوان عسكرياً إذا هاجمتها الصين!”، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، لترد الصين متهمة الرئيس الأمريكي بأنه “يلعب بالنار”. وما زاد من حدة تصريحات بايدن كونها جاءت خلال التحضير لعقد قمة لمجموعة “كواد” التي تراها بكين مرادفاً آسيوياً لحلف الناتو.

إذ إن “كواد” تعني الرباعية، والأطراف الأربعة: هي الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، وعقد قادة تلك الدول قمة في العاصمة اليابانية طوكيو، سلطت الضوء على أول رحلة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى آسيا، منذ أن صار رئيساً للولايات المتحدة، في ظل مساعيه لتعزيز التحالفات والشراكات للتصدي لنفوذ الصين المتنامي في المنطقة.

على الجانب الآخر، تولي إدارة بايدن ووسائل الإعلام الأمريكية أهمية بالغة للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الحاكم، الذي يرون فيه خطوة على طريق “الهدف الرئيس لشي جين بينغ”، وهو “تجهيز الصين للصراع مع الولايات المتحدة”، بحسب تحليل لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.

وفي هذا السياق، فإن تأكيدات شي جين بينغ على تمسك الصين بحق استخدام القوة لردع النزعات الانفصالية لتايوان والتدخل الأجنبي فيما يعتبره قضية صينية بحتة، سيقابلها على الأرجح ردود أمريكية قد تسكب مزيدا من البنزين على برميل بارود يوشك على الانفجار.

المصدر : عربي بوست
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع