السياسية:

مع كل أزمة مستجدة في لبنان منذ بدء الأزمة الاقتصادية أواخر عام 2019 وحتى قبله، تعود سردية تحميل اللاجئين السوريين المسؤولية عنها إلى الواجهة، تتبناها قوى سياسية وجزء من المعلّقين والمواطنين، رغم أن تقارير أممية تقول إن أغلبية اللاجئين باتوا عاجزين عن توفير الحدّ الأدنى من الإنفاق اللازم لضمان البقاء على قيد الحياة.

ولم تخلُ التصريحات الصحفية والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي عندما تفاقمت أزمة الخبز، مطلع أغسطس/ آب الماضي من إلقاء اللوم عليهم، بل وجعلهم سببا رئيسيا في التدهور الاقتصادي.

يعرض كتاب “101 من الحقائق والأرقام حول أزمة اللجوء السوري”، الصادر عن الجامعة الأمريكية في بيروت، تقييما أجري في العام 2015، حدّد 251 عقارا في مناطق هشّة وضعيفة يستضيف 87% من اللاجئين السوريين و67% من اللبنانيين المحرومين.

ربما يفسر هذا الرقم النزعة لدى البعض نحو تحميل اللاجئين أسباب الأزمة. فقد لفت الكتاب إلى أن هذه المناطق تعيش الفقر وبطالة الشباب وارتفاع الطلب على الخدمات الأساسية، ما أدّى إلى زيادة مستويات التوتّر بين اللاجئين واللبنانيين الذين وجدوا أنفسهم يتنافسون على فرص العمل والسكن.

“عنصر ضغط”
يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 831,053 شخصا، علما أنها توقفت عن تسجيل اللاجئين عام 2015 بطلب من الحكومة اللبنانية، التي تقدّر عددهم بمليون ونصف المليون لاجئ.

ويعتبر الصحافي الاقتصادي منير يونس، أن اللجوء السوري ليس من أسباب الأزمة، بل هو عنصر ضغط ساهم في تعميقها، تحديداً بعد التدهور الاقتصادي، الذي قضى على أي مردود إيجابي للجوء.

ويضيف “الأزمة اللبنانية هي نتاج نظام اقتصادي زبائني تحاصصي بني في التسعينيات، سحب الأموال من القروض والودائع إلى يد القلة المتحكمة في البلاد”.

وهذا ما أشار إليه البنك الدولي في تقريره الصادر مطلع شهر أغسطس/ آب عن حالة لبنان، قائلًا إن الإقتصاد السياسي للبنان بعد الحرب الأهلية “ازدهر في ظل تدفقات ضخمة من الودائع موّلت امتيازات عامة وخاصة للقلة، ومحسوبية سياسية مارست هيمنة على الإدارة العامة”.

“نموذج هش”
احتاجت مفوضية شؤون اللاجئين إلى 553.7 مليون دولار لتمويل عملياتها في لبنان عام 2021، موّل منها 49% حتى أكتوبر/ تشرين أول من العام نفسه.

أما في 2022، فهي تحتاج إلى 534.3 مليون دولار، موّل منها 32% حتى يونيو/ حزيران الماضي.

ويرى يونس أنه “قد تكون المبالغ المطلوبة لدعم اللاجئين ضعف ما يصلهم… هناك تقصير في دعم اللاجئين من قبل المجتمع الدولي”، وهو “ما أنتج المعاناة لشرائح واسعة من اللاجئين كما اللبنانيين”.

“إذا كان هناك مليون ونصف لبناني عند خطوط الفقر الدنيا، هناك العدد نفسه تقريبا من اللاجئين السوريين”.

ويشكل هذا الكم من اللاجئين ضغطا على البنى التحتية وخدمات الكهرباء وخدمات الصرف الصحي، وهذه كلفة غير مباشرة على الاقتصاد اللبناني تقدّر بالمليارات، وفق يونس.

ويوضح تقرير البنك الدولي أن الأزمات المتفاقمة “كشفت هشاشة نموذج تقديم الخدمات في لبنان، وهو في حد ذاته نتاج استحواذ النخبة على موارد الدولة لتحقيق مكاسب خاصة استلزمت إضعاف الخدمات العامة”.

ومن المعروف أن الفقر انتشر في لبنان، وارتفع معدله من 55% عام 2020 إلى 74% من مجموع السكان عام 2021، بحسب تقرير أصدرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا” في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي.

ويقول التقرير “إذا ما تم أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد إلى 82% من السكان”.

وبما أن جميع شرائح المجتمع تعاني على حد سواء من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، أصبحت نسبة الفقراء من ذوي أعلى درجات التحصيل العلمي، تقارب نسبة الفقراء من ذوي أدنى الدرجات، وفق التقرير.

“استبعاد وتضييق”
لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وجدا عام 2015 أن كل دولار تمّ إنفاقه على المساعدة الإنسانية، كان له تأثير مضاعف وإيجابي قدره 1.6 دولار في الاقتصاد المحلي، وفق ما يذكر ملخص سياسات عامة نشره المركز اللبناني للدراسات، بعنوان “تحوّل النازحين السوريين من مجرّد عبء إلى مساهمين فاعلين في الاقتصاد المحلي في لبنان”.

إلا أنه في غضون ثلاث سنوات من الأزمة، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 60%، من 55 مليار دولار إلى ما دون 20 مليار دولار، ما يعني أن أي أثر للاستهلاك سواء من اللبنانيين أو السوريين لم يعد موجودا، بحسب ما يذكر يونس.

“بما أن معظم استهلاك لبنان مستورد، فإن أموال الاستهلاك تعود إلى الخارج”.

وترى ورقة بحثية نشرت على موقع مبادرة الإصلاح العربي، بعنوان “اللجوء السوري إلى لبنان: بين اللاسياسة وسياسات الإحباط”، أنه كان بوسع “شرائح الطبقتين العليا والوسطى السورية التي قدمت إلى لبنان بعد اندلاع الثورة، أن تقدّم استثمارات مالية ومعرفية كبيرة لولا استبعادها والتضييق عليها”.

“تم تجنبها لأنها لا تخدم سياسات الانقسام والمظلومية التي تخوّف بالآخر. وليس لدى المنظمات الدولية نموذج تعامل خاص بأبناء الطبقتين العليا أو الوسطى، فالنموذج الموجود مرتبط بالمساعدات الإنسانية التي تغطّي الحاجات الأساسية”.

وتخلص إلى أن ذلك أدى إلى بقاء اللاجئين “الأكثر فقرا والأقل تحصيلًا علميًا. وبالتالي تطابق الوضع الى حد ما مع ما روجت له السردية الرسمية (اللبنانية) عن اللاجئين السوريين”.

بينما تتعمق الأزمة الاقتصادية والانسداد السياسي في لبنان، يزداد اللبنانيون فقرًا وترتفع نسب الهجرة لديهم، وكذلك تتفاقم معاناة اللاجئين، فيما تبحث الحكومة اللبنانية إمكانية إعادتهم إلى سوريا، وهو أمر دونه العديد من العقبات.

المصدر : بي بي سي
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع