السياسية – رصد : سمية علي*

 

’’كل شيءٍ محتمل ووارد، لأن موقف شعبنا هو الحق ولديه القدرة على أخذ حقه متى ما سُدّت أمامه الطرق السلمية.. فابقوا معنا’’

تصريح المتحدث باسم القوات اليمنية العميد يحيى سريع عقب مضي ساعات قليلة على انتهاء الهدنة المؤقتة

 

 

يُلخص تصريح العميد سريع كل شيء. يضع كلامه الوضع في اليمن خلال الأيام والأسابيع المقبلة، أمام مروحة من الاحتمالات، تبدأ من إمكانية نجاح الأطراف المتفاوضة في تجديد الهدنة التي وُقعت في الثاني من نيسان/أبريل، بعد أن سبق أن فشلت المحادثات في تحقيق ذلك حتى اللحظة، مما أدّى إلى انتهاء مفاعيلها في الثاني من الشهر الحالي بعد أن مُددت مرتين، إلى الاحتمال الثاني المتمثل بإمكانية أن يتحقق الأول لكن أن يسبقه جولة عسكرية ما، أو أن يتحقق مع فترة من الهدوء الحذر، أو أن تصبح البلاد أمام احتمال العودة إلى ما قبل الهدنة، أي الحرب من جديد.

  • لماذا فشل التجديد الثالث للهدنة؟

إضافة إلى تصريحات المتحدث باسم القوات اليمنية، حمل إعلان المجلس السياسي الأعلى، الذي تزامن صدوره ايضاً مع انتهاء مفاعيل الهدنة، بين طياته أمران: الأول تكرار للشروط والخطوط الحمراء اليمنية التي بناءً عليها ولمدى الاستجابة الجدية لها قد تُجدد أو لا تُجدد الهدنة، وبالتالي تُحدد مآلات وطبيعة الأمور في الميدان ايضاً، أما الأمر الثاني فهو تلويح أو بشكل أدق تهديد لأطراف العدوان (الولايات المتحدة، السعودية، والامارات) لما قد يكون عليه المشهد في حال الاستمرار في سياسة التعنت والعرقلة، بناءً على معادلة الأمن والهدوء مقابل اذلال الشعب اليمني في ثرواته ولقمة عيشه.

إذاً ماذا في تفاصيل الشروط اليمنية وخلفياتها، وفي المقابل سياسة قوى العدوان تجاه هذه الشروط؟

يؤكد مطلعون على الشأن اليمني أن “أنصار الله” لمست استمرار رهان تحالف العدوان على ورقة الحصار باعتباره “الوسيلة الأسهل لتركيع اليمنيين”، في وقت أكدت فيه دائماً إلى جانب الحكومة اليمنية، منذ أول جولة مفاوضات بين أطراف الحرب في جنيف بعد أشهر من بدئها، ضرورة عدم اقحام الجانب الإنساني بالمسار السياسي. ومن هنا جاءت الشروط الأخيرة لتجديد الهدنة، والمتمثلة بـ: أولاً تقاضي الموظف الحكومي مرتبه بشكل شهري وبصورة دائمة (وهو البند الأكثر حيوية بالنسبة لصنعاء) الذي وبحسب ما أكد رئيس الوفد اليمني المفاوض محمد عبد السلام “لا تجديد للهدنة من دون تعهد الرياض بتنفيذه ولو رضخت الأخيرة لكل الشروط الأخرى. ثانياً، السفر من مطار صنعاء الدولي والمطارات اليمنية الأخرى دون وضع شروط وعراقيل أمام حركة الطيران المدني والتجاري، بما في ذلك فتح وجهات سفر جديدة وعدم تهديد وعرقلة شركات الطيران التجارية الأجنبية بالوصول والمغادرة من وإلى مطار صنعاء الدولي، ثالثاً، عدم استمرار قوى العدوان في احتجاز السفن المحمّلة بالمشتقات النفطية والغاز المنزلي الواصلة إلى ميناء الحديدة.

يثير تعنت قوى العدوان حيال الالتزام بهذه الشروط، وعلى وجه الخصوص الشرط الأول، تساؤلاً حول ماهية “الفوائد الملموسة” لهدنة الستة أشهر، التي تغنى بها الأمين العام للأمم المتحدة، وبالتالي تقديمه “ورقة لا ترقى لمطالب الشعب اليمني ولا تؤسس لعملية السلام”، حسبما أكد محمد عبد السلام، الذي أكد على نقطة جوهرية: الهدنة ليست غاية بل وسيلة لتحقيق اتفاق شامل.

  • الجهوزية اليمنية.. وإن عدتم عُدنا

’’إن رسالة العرض في الحديدة هي أن هذا آخر تمديد للهدنة يلتزم به اليمنيون، إلا ربما بشروط جديدة’’

رئيس تحرير صحيفة “الرأي اليوم” عبد الباري عطوان

لم يهدأ اليمنيون طوال فترة الهدنة. لم تهدأ رسائلهم. في موازاة المفاوضات كانت الجهوزية العسكرية. أكثر من عرض عسكري في أكثر من محافظة، أهمها وأكثرها ضخامة عرضا صنعاء والحديدة.

وُصف بأنه “إعلان انتصار”، عرضٌ مهيب أجري في الواحد والعشرين من أيلول/سبتمبر في صنعاء

 

الأول وُصف بأنه “إعلان انتصار”، عرضٌ مهيب أجري في الواحد والعشرين من أيلول/سبتمبر، اي قبل أسابيع من انتهاء مفاعيل الهدنة، كُشف فيه النقاب عن منظومات صاروخية وأسلحة بحرية ودفاعات جوية حديثة وطائرات مسيرة منها ما لم يستخدم بعد، وقبله عرض الحديدة في الأول من الشهر نفسه والذي شارك فيه 25 ألف جندي وصف وضابط، كما كُشف فيه عن صواريخ ومنظومات بحرية جديدة.

 

 

كل ذلك طرح عند خصوم صنعاء السؤال التالي: كيف استطاعت القوات العسكرية اليمنية الوصول إلى هذا المستوى المتطور من التصنيع والتدريب بعد ما يقارب عقد من العدوان والحصار؟

  • “تجديد الهدنة”.. حاجة أميركية

إذاً فالحرب أو الاقتتال في المدى المنظور هو دون جدوى، إذ أنها لم تحقق الكثير من الأهداف الأساسية وفي مقدمتها القضاء على “أنصار الله”. فلماذا العودة إليها مجدداً، إن لم يكن في جعبة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية جديداً كانخراط الأخيرة في الميدان ربما، وليس الوكلاء فقط؟

يبقى هذا الاحتمال مستبعداً في وقت ترزح فيه واشنطن وحلفائها الغربيين تحت وطأة تداعيات الحرب مع روسيا في أوكرانيا، والتي تتضخم يوماً بعد يوماً خصوصاً من الناحية الاقتصادية. بل إن هذه باتت ورقة قوة بيد اليمنيين أنفسهم الذين بتهديدهم الشركات النفطية العاملة في الإمارات والسعودية، من مواصلة أعمالها، وجهوا ضربة في الصميم.

صور ملتقطة عبر الأقمار الصناعية تظهر جانباً من الأضرار التي لحقت بأحد الخزانات في محطة توزيع المنتجات البترولية التابعة لشركة أرامكو في مدينة جدة في 24 من تشرين الثاني/نوفمبر 2020
صور ملتقطة عبر الأقمار الصناعية تظهر جانباً من الأضرار التي لحقت بأحد الخزانات في محطة توزيع المنتجات البترولية التابعة لشركة أرامكو في مدينة جدة في 24 من تشرين الثاني/نوفمبر 2020

 

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن إبعاد النيران عن هذه الآبار والمنشآت النفطية وتأمين الملاحة البحرية، أهم من هدف الرياض التي تريد التمسك بالورقة الانسانية والاقتصادية في محاولة لزعزعة الأمن اليمني واضعاف موقف “أنصار الله”، خصوصاً أن الامارات تشاركها في الخوف من انتقال النيران إلى أرضها من جديد، وهنا ترتفع احتمالات ضغوط أميريكية أكبر في سياق تجديد الهدنة حالياً، والتي يشكل موضوع الرواتب مفتاحها الوحيد.

 

* المصدر : موقع المنار