ما قصة الخلافات الحدودية بين بين طاجيكستان وقرغيزستان؟
السياسية – رصد :
كانت طاجيكستان وقرغيزستان جزءاً من جمهوريات الاتحاد السوفييتي، ولكن بعد انهياره في العام 1991 وانفصال الجمهوريات السوفييتية، ظهرت الخلافات الحدودية التي تحولت إلى أحداث عنف في بعض السنوات اللاحقة.
وتستضيف الدولتان قواعد عسكرية روسية، وتُعدان حليفتين مقربتين من موسكو، إلا أن اتفاقات الحدود بينهما تتسبب في أزمات بين فينة وأخرى.
ويشهد ثلث الحدود المتعرجة بين طاجيكستان وقرغيزستان، البالغ طولها 1000 كم، نزاعات متكررة بين الجانبين. وتتمثل أسباب النزاع في القيود المفروضة على إمكانية الوصول للمياه والأراضي التي يعتبرها السكان المحليون ملكاً لهم، وكثيراً ما أدت تلك الخلافات إلى اشتباكات عنيفة في الماضي.
لكن يثير تصاعد وتيرة الاشتباكات المتكررة بين طاجيكستان وقرغيزستان في العامين الأخيرين، مخاوف من اندلاع صراع أوسع بين البلدين لن يستطيع أحد السيطرة عليه.
فقبل الاشتباك الأخير، وقعت اشتباكات عنيفة على الحدود المتنازع عليها بين البلدين في 3 يونيو/حزيران 2022، حيث اتهمت طاجيكستان، جارتها قرغيزستان بإثارة الاشتباك الحدودي؛ بعد أن عبر جنودها بالقرب من قرية “فوروخ” الطاجيكية، وهو ما أدى إلى تبادل إطلاق النار، لكن في النهاية اتفق الجانبان على وقف إطلاق النار.
وفي 27 يناير/كانون الثاني 2022، وقع تبادل لإطلاق آخر للنار بين قوات حرس الحدود الطاجيكية والقرغيزية بسبب غلق أحد الطرق. وقالت السلطات القرغيزية حينها إن مواطنين طاجيكيين أغلقوا طريقاً بين مقاطعة باتكين وقرية إسفانا القرغيزية. وعلى الرغم من أن حرس الحدود من كلا الجانبين نجحوا في فتح الطريق، اندلع القتال بعدها قبل أن تتدارك الدولتان تحوله لصراع أكبر.
وفي واحد من أسوأ الاشتباكات الحدودية بين البلدين منذ سنوات، اندلع اشتباك عنيف في 28 أبريل/نيسان 2021 على إثر تبادل إلقاء الحجارة بين الجانبين، بسبب حقوق المياه والحق في تركيب كاميرات مراقبة. وبحسب تقارير، تطورت الاشتباكات إلى تبادل لإطلاق النار، وجرى الاتفاق على عقد هدنة وسحب القوات، ولكن إطلاق النار استمر لفترة، ليسفر في النهاية عن مقتل العشرات وإصابات أكثر من 300 شخص.
“ترسيم حدودي غير عادل”
تعد الأزمة المتكررة بين طاجيكستان وقرغستان، نتيجة طبيعية لعدم ترسيم الحدود بشكل عادل ومتكامل بين الجمهوريات التي انفرط عقدها من الاتحاد السوفييتي في عام 1991، حيث ظلت قرغيزستان وطاجيكستان، تتنافسان منذ ثلاثة عقود على مصادر المياه والحدود، لتنفجر الخلافات فيما بينهما من حين لآخر.
ويدفع هذا الصراع روسيا دوماً إلى محاولة إطفاء الحرائق لدى جيرانها تجنباً لحرائق جديدة في محيطها السوفييتي السابق.
وبعد تمكّنها من وقف الحرب في جنوب القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورنو قره باغ في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تحاول موسكو مجدداً لعب دور الوساطة في الصراع بين قرغيزستان وطاجيكستان، مدفوعة أيضاً بمخاوف من تمركز أمريكي في المحيط الروسي بعد الانسحاب من أفغانستان.
وخلال شهر مايو/أيار الماضي، دخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقوة على خط الوساطة بين بيشكك ودوشنبه، وبعد مباحثات مع الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن، في 8 مايو/أيار، اتصل بوتين هاتفياً بالرئيس القرغيزي صدر جباروف، وأعرب عن استعداده للمساعدة في تثبيت استقرار الأوضاع على الحدود مع طاجيكستان، داعياً جباروف إلى زيارة موسكو لحل الخلاف الذي يشتعل مراراً.
وساهم ترسيم الحدود غير المكتمل بين جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، في تعقيد كل شيء، ما أدى إلى تفاقم النزاعات حول مصادر المياه. واشتد هذا الصراع في العقود الأخيرة، فقد عانت آسيا الوسطى من مشاكل حادة مع نقص الموارد المائية. وتضاعفت كمية المياه المستهلكة مرتين في الأعوام الخمسين الأخيرة في المناطق الحدودية التي تعتمد أساساً على الزراعات المروية. ومع تقادم البنى التحتية لشبكات الصرف وتوصيل المياه، وتضاعف عدد السكان مرات عدة، ازدادت أزمة نقص المياه.
هل تكون هذه الاشتباكات مؤشراً لتراجع “هيبة” موسكو في جمهوريات الاتحاد السوفييتي؟
أجبرت ظروف التاريخ والجغرافيا جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز على أن تبقى تابعة لموسكو بشكل أو بآخر حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، رغم خروجها من القفص الروسي الحديدي الذي ظلت تكتوي به لقرون سواء بنسخته القيصرية أو السوفييتية، وذلك لأن من تمرد على موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لاقى عقاباً فورياً.
فالنخب الحاكمة في هذه الدول، (كلها دول إسلامية باستثناء جورجيا وأرمينيا)، هي ربيبة الثقافة السوفييتية الروسية، ولم يكن أغلبها يعلم لغة ثانية غير الروسية، و(بعضها الروسية لغته الأولى)، ولا حضارة إلا حضارة موسكو، وهم يحتاجون لدعم روسيا في مواجهة شعوبهم، ومخاوفهم من تصاعد المطالبات بالديمقراطية أو إعلاء الهوية الوطنية القائمة على الإسلام.
في حين أن الاشتباكات الحدودية بين قرغيزستان وطاجيكستان لا ترتبط ارتباطاً مباشراً بالحرب في أوكرانيا، إلا أنها قد تكون مؤشراً على تراجع هيمنة موسكو، وقدرتها على توجيه دول المنطقة.
فقد وقع الاشتباك، على الرغم من أن روسيا تتمتع تقليدياً بعلاقات جيدة مع كلا البلدين، ويقول المحللون إن الغزو الروسي قد غيّر تماماً ميزان القوى في منطقة كانت لسنوات ساحة تنافس بين روسيا والصين وتركيا والغرب وإيران، تفوقت فيها موسكو تقليدياً.
وأثارت الحرب الروسية في أوكرانيا قلق قادة دول آسيا الوسطى، الذين طالما قبلوا بنفوذ موسكو الاقتصادي والسياسي القوي.
كانت الدول السوفييتية الخمس الساب- كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان- متحفظة على تأييد الحرب التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كما أن عزلتها الجغرافية واعتمادها المستمر على روسيا في طرق التصدير والمساعدة الأمنية وأسواق العمل جعلتها مترددة أيضاً في إدانة تصرفات بوتين.
خوفاً من أن تنقلب موسكو على آسيا الوسطى، كما اقترح بعض الشخصيات الروسية البارزة بالفعل، حاول قادة المنطقة التحوط في مواقفهم إزاء أزمة أوكرانيا، بطرق قد تجدها موسكو مزعجة، حسبما ورد في تقرير لموقع قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية.
على سبيل المثال، لم تقف أي دولة في آسيا الوسطى إلى جانب موسكو في 2 مارس/آذار أو 24 مارس/آذار عند التصويت على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أدانت الغزو الروسي لأوكرانيا. وإما سجلت رسمياً امتناعهت عن التصويت أو ببساطة لم تصوت على الإطلاق. وبعد فرض العقوبات الغربية، رفض أعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU) مثل كازاخستان وقرغيزستان قبول الرسوم الجمركية من روسيا بالروبل.
كيف يمكن إنهاء هذه الأزمة؟
أخيراً، ومن أجل حل الأزمات المتكررة بين طاجيكستان وقرغستان، لا بد من ترسيم عادل للحدود بين الدولتين بإشراف دولي، لكن يقول محللون إن ترسيم الحدود عملية مكلفة تحتاج وقتاً طويلاً في مناطق ذات طبيعة جغرافية صعبة.
فطوال ثلاثين عاماً، لم يتمكّن البلدان إلا من ترسيم نحو 500 كيلومتر من أصل 980 كيلومتراً، وهناك أكثر من سبعين نقطة حدودية خلافية يقطنها مزيج من السكان وتتداخل فيها الأراضي الزراعية والتجمّعات السكانية، فالحدود في الحقبة السوفييتية كانت فقط لرسم الحدود الإدارية في بلاد واحدة. فيما ينطلق البلدان في إثبات حقوقهما الحدودية من خرائط مختلفة للحقبة السوفييتية منذ انضمام البلدين إلى الاتحاد وانفصالهما عنه.
المصدر : عربي بوست
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع