السياسية:

لعله الاكتشاف الأكثر إثارة في سلسلة اكتشافات الكواكب السيارة الخارجية، أي أنها خارج مجموعتنا الشمسية، لأنها المرة الأولى التي يكتشف فيها العلماء كوكباً مكوناً كلياً من الماء. إنه كوكب الماء، وأطلق عليه علماء “جامعة مونتريال” الكندية اسم “تي أو أي 1452 ب” TOI- 1452 b، مع الإشارة إلى أن “تي أو أي” TOI هي تسمية لفئة الكواكب التي تستطيع أن تستضيف ماء على سطحها، وليس كوكب الماء “تي أو أي 1452 ب” ببعيد عنا، إذ يستقر في “كوكبة التنين”، وهي جزء من مجرتنا “درب التبانة” يشاهد في القسم الشمالي من السماء حينما تكون صافية.

“ماء. ماء. ماء/ ماء في كل مكان، لكن ليس من نقطة للشرب”، إنه الوصف الشهير من “أنشودة البحار القديم” لشاعر الحقبة الرومانسية الثانية الشهير صامويل تايلور كوليردج، تصف الكلمات سفينة توقفت في محيط شاسع، يرجح أنه المحيط الهادئ، وقد ضربها الظمأ وقضى على الأحياء فيها. في علوم الفضاء، يروج أنه لو ألقي أي جسم من الفضاء إلى الأرض، فالأرجح أن يسقط في المحيط الهادئ الذي تفوق مساحته كل الأراضي البرية على الكوكب الأزرق. كل هذا الماء على الأرض، لكنه لا يشكل سوى واحد في المئة من كتلة كوكبنا، على الرغم من أنه يغطي 70 في المئة من سطح الكرة الأرضية. كيف يكون الحال في كوكب سيار شبيه بالأرض، لكن كتلة الماء فيه تصل إلى 30 ضعف ما يحتويه كوكبنا الأزرق، وفق ما ورد في صحيفة “اندبندنت”؟ لم يفت ذلك الأمر على تشارلز كادييه، طالب الدكتوراه في فيزياء الفضاء الذي شارك في البحث، فذكر أن ذلك الكوكب المكتشف “يشكل أفضل مرشح بين الكواكب الخارجية التي تحتوي الماء، كي يكون الكوكب المحيط”، أي أنه كله مسطح مائي متصل كأنه محيط هائل.

إذاً، فلنعد برهة إلى أول حكاية الكواكب السيارة الفضائية الخارجية التي يشار إليها بمصطلح “إكزوبلانيت” Exoplanet. لقد اكتشف أولها في عام 1992، فأثار ضجة هائلة إذ حرك خيالات أسطورية وفنية وعلمية عن وجود حياة وحضارة في كوكب ما، غير الأرض.

من كل تلك الضجة، ربما يفيد استعادة أن علماء الفضاء يشددون على مسألة وجود الماء في أي كوكب سيار يكتشف خارج الأرض، لأن الحياة وفق ما تعرفها حضارة البشر، لا تكون إلا مع الماء، بالتالي راج مصطلح “جدائل الذهب” منذ ذلك الاكتشاف الأول، ويشير إلى أن كوكب سيار يدور حول نجم (أي شمس) بمسافة لا تكون قريبة فيتبخر الماء، ولا تكون نائية فيتجمد. ويقع “تي أو أي 1452 ب” ضمن “جدائل الذهب”، في المسافة التي تفصله عن شمسه.

لنتذكر أيضاً “تي أو أي 1452 ب” ليس بعيداً كثيراً من الأرض التي يفوقها في الحجم والكتلة. لا تفصله عنها سوى مئة سنة ضوئية، مع الإشارة إلى أن السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة، مع سيره بسرعة تقارب 300 ألف كيلومتر في الثانية.

ويزيد في تشويق اكتشاف هذا الكوكب المائي وأهميته علمياً، أنه يدور ضمن نظام نجمي ثنائي، أي أنه يدور حول شمسين في آن معاً. واستطراداً، يزيد هذا الدوران “المزدوج” من صعوبة المقارنة بين كوكب “تي أو أي 1452 ب” وكوكبنا الأزرق الذي يدور حول شمس واحدة. وكذلك يؤدي ذلك الأمر نفسه إلى إضفاء أبعاد جديدة على إمكانية استضافة ذلك الـ”إكزوبلانيت” المائي لأشكال أو أنواع حيّة، على الرغم من أن وجود الماء يدعم ذلك الاحتمال.

نشر البحث عن اكتشاف “تي أو أي 1452 ب” في “المجلة الفلكية” [استرونوميكال جورنال Astronomical Journal] العلمية الشهيرة.

المصدر: اندبندنت عربية