السياسية- متابعات:

أحمد الحسني

على رغم كلّ جهود وقف القتال، لا تزال المعارك على أشدّها بين القوات الموالية للإمارات، وتلك التابعة لحزب «الإصلاح» في محافظة شبوة، وسط دخول عسكري علني من أبو ظبي على خطّ المواجهة، من أجل إعادة إمالة الكفّة لصالح ميليشياتها، التي كانت تقهقرت أمام خصومها، قبل أن تستعيد زمام المبادرة مساء أمس. وتبدو هذه المعارك مصيرية وحاسمة بالنسبة لطرفَيها؛ فإذا ربِحها المدعومون إماراتياً كان ذلك بمثابة الخطوة ما قبل الأخيرة لإخراج «الإصلاح» من المشهد نهائياً، أمّا إذا تمكّن الأخير من الصمود والاحتفاظ بمكاسبه، فسيمثّل هذا تحدّياً جدّياً للإمارات، التي لم تحتمل مقاسمتها نفوذها في شبوة

في تطوّرات لم تكن متوقَّعة بالنسبة إلى الرياض وأبو ظبي، اشتعلت المواجهات في شبوة، بين القوات الموالية للإمارات، وتلك المحسوبة على حزب «الإصلاح». مواجهاتٌ غيّرت من ملامح الخارطة السياسية والعسكرية التي وضعها «التحالف» قبل أشهر، وبموجبها تَشكّل ما يسمى «المجلس الرئاسي» الذي تتقاسم النفوذ داخل تركيبته الدولتان. وإلى ما قبل معارك عتق، كانت القرارات المتعلّقة بتغيير القيادات السياسية والعسكرية تُتّخذ بالتوافق بين السعودية والإمارات، لكن التطوّرات الأخيرة خلطت الأوراق، خصوصاً أن المعارك لم تكن بإشراف ورعاية وتخطيط من قِبَل العاصمتَين الخليجيتَين، بل اندلعت نتيجة قرار قيادات عسكرية وأمنية محلّية، فضّلت مواجهة المشروع الإماراتي – السعودي الجديد، ورفضت تسليم مواقعها لقيادات بديلة تنخرط في هذا المشروع.

وعلى غير عادة المعارك التي شهدتها أبين وعدن خلال السنوات القليلة الماضية بين ما يسمى «المجلس الانتقالي الجنوبي» و«الشرعية»، والتي كانت تشتعل بدفْع من الإمارات وتُخمد باتّفاق بين الأخيرة والسعودية، فإن معركة شبوة بدت مفاجئة بالنسبة إلى أبو ظبي، التي انصبّ تركيزها أخيراً على تحشيد قواتها للسيطرة على منابع وخطوط إمداد النفط فقط، فيما التغييرات العسكرية والأمنية للقيادات المناهضة للإمارات، تُركت لمحافظ شبوة الموالي لها، عوض العولقي.

على أن هذه المعركة لم تفرض واقعاً عسكرياً جديداً خارج ترتيبات الرياض وأبو ظبي فحسب، بل إنها هزّت تماسك ما يسمى «المجلس الرئاسي»، الذي اشتدّت حدّة الانقسام داخله، إلى درجة أن رئيسه، رشاد العليمي، لم يستطع إقناع نوابه بعدم التصعيد ووقْف التعزيزات العسكرية إلى شبوة، خصوصاً منها التي يدْفع بها عضوا المجلس أبو زرعة المحرمي وعيدروس الزبيدي، لمساندة القوات الموالية للإمارات، أو تلك التي يستدعيها عضو «الرئاسي»، سلطان العرادة، من مأرب لدعم التشكيلات الموالية لـ«الإصلاح».

ومع دخول المعركة يومها الثالث، تبدو الكلمة فقط للميدان، حيث لم تستطع البيانات السياسية ولا اللجنة المكلَّفة التوسُّط، وقف الاقتتال. وعلى الرغم من أن اللجنة ضمّت وزير الدفاع محسن الداعري، ووزير الداخلية إبراهيم حيدان، غير أنها فشلت في التوصّل إلى اتّفاق لإنهاء الحرب، أو حتى إرساء هدنة تسمح للطرفَين بانتشال جثث القتلى من الشوارع ومعالجة الجرحى، علماً أن حصيلة الضحايا بلغت بحسب إحصائيات غير رسمية 150 ما بين قتيل وجريح.

في هذا الوقت، وفي محاولة لاستدراك وضعها بعد تقهقر القوات الموالية لها المتمركزة في المطار وفي مبنى المحافظة، شنّت الإمارات، بطيرانها المسيّر، سلسلة غارات استهدفت معسكر «القوّات الخاصة» الذي يقوده عبد ربه لعكب، إضافة إلى مواقع أخرى. ونجحت هذه الغارات في فكّ الحصار عن مطار عتق، وأعادت إمالة الكفّة لصالح أبو ظبي، وصولاً إلى استعادة الأخيرة السيطرة على مركز المحافظة مساء أمس. وإلى ما قبل الغارات بساعات، كانت الخارطة العسكرية تشير إلى تَقدُّم القوات المناهضة للإمارات، ممثَّلة في «اللواء 21 ميكا»، و«الثاني جبلي»، و«لواء حماية المنشآت»، و«لواء 163»، و«القوات الخاصة»، و«قوات الأمن»، إضافة إلى مجاميع قبلية، في معظم أنحاء عتق، فيما تتمركز التشكيلات التابعة لأبو ظبي ممثَّلة بـ«دفاع شبوة» و«العمالقة» في المطار ومبنى السلطة المحلّية.
وتبدو المعركة الدائرة في شبوة فاصلة ومصيرية بالنسبة إلى طرفَي الصراع، وعلى ضوء نتائجها سيرتسم مشهد سياسي وعسكري جديد، الأمر الذي يفسّر حجم الحشود المتضادّة بين الطرفَين، والتي تتدفّق إلى شبوة من عدن وأبين وحضرموت ومأرب. وبرأي مراقبين، فإن انتصار الطرف المؤيّد للإمارات سيفتح الباب على معركة أخرى حاسمة في وادي حضرموت، كانت أبو ظبي تحضّر لخوضها ضدّ قوات «المنطقة العسكرية الأولى»، المعقل الأخير لـ«الإصلاح» في الجنوب.

ومن أجل هذه المعركة، أسّست الإمارات عدداً من الألوية إضافة إلى «النخبة الحضرمية»، كمكوِّن قبَلي وعسكري رديف للقوات الموالية لها. ولهذا السبب تحديداً، يتعامل «الإصلاح» مع مواجهات شبوة على أنها معركة وجودية بالنسبة إليه، وهزيمته فيها بمثابة الخطوة ما قبل الأخيرة لإخراجه من المشهدَين السياسي والعسكري نهائياً.

  • المصدر : “الاخبار” اللبنانية
  • المادة الصحفية تم نقلها من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع