ماذا عن مسيّرات ما بعد كاريش؟
السياسية – رصد :شارل أبي نادر*
لا شك أن إقفال ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان وانهاء مشكلة استخراج الغاز، كما تتمنى “اسرائيل”، يشكّل اليوم بالنسبة لها أهمية كبرى، وذلك لأسباب مختلفة، بأساسها المادية منها ثم الأمنية، واستطرادًا، ما يتعلق بانخراطها فيما ارتبطت به ضمن استراتيجية واشنطن لتأمين غاز لأوروبا بديل عن الغاز الروسي، وهذا ما ظهر مؤخرًا بشكل واضح من الحراك السياسي والإعلامي والأمني داخل الكيان، حول أهمية هذا الملف وكيف تم اعطاؤه أولوية في المتابعة والمعالجة على أكثر من صعيد داخل “اسرائيل”.
ولكن ما حصل ربطًا بموضوع إطلاق حزب الله سربًا من المسيرات الاستكشافية فوق كاريش، والذي يطال مبدئيًا هذا المشروع الملحّ بالنسبة لـ”اسرائيل” ( كاريش وغازه)، يفتح الباب بشكل أوسع على هذا الملف الحساس، خاصة بعد أن تبين لاحقا إقدام حزب الله على اطلاق – قبل المسيّرات الاستطلاعية – واحدة أو أكثر من المسيّرات غير الاستطلاعية ربما، والتي لم يعلن عنها العدو بداية، في محاولة منه لِابقاء الأمر طي الكتمان، لما في ذلك من إحراج وتأثير سلبي على مسار استخراج الغاز الذي يخوضه حاليًا بالنسبة للداخل الاسرائيلي، وبالنسبة للشركات العاملة مع الكيان أو للشركات المهتمة للعمل لاحقًا معه.
هذا الباب الذي فُتح انطلاقًا من حفلة المسيرات بمرحلتيها العلنية والخفية، سوف يحظى بمستوى غير بسيط من الاهتمام والمتابعة على صعيد أغلب مفاصل الكيان، الامر الذي يمكن أن نستنتجه أولًا من الكلام الأخير لوزير حرب العدو بني غانتس عندما زعم أن مسيّرات كاريش هي انتاج ايراني، وثانيًا من كلام مسؤول أمني إسرائيلي آخر حول ذلك لموقع “واينت” العبري، حين قال بأن “إسرائيل ستعمل على تقوية التعاون في المنطقة ضد إيران، وستعمل ايضا على تقوية سلاحي الدفاع الجوي والبحرية”، مضيفا: “نحن نتجهز لأن لا يكون اتفاق نووي مع إيران، وإذا حصل، بأن لا يكون اتفاقًا سيئًا من الناحية العملية”.
هذه المقاربة الاسرائيلية اللافتة في ادخال ايران والاتفاق النووي ضمن مسار “حفلة مسيرات كاريش”، تحتاج عمليًا لبعض التفصيل الدقيق للاهتمامات الإسرائيلية حاليًا، والتي بدت حقيقة أشبه بهواجس حساسة تفترض طرح التساؤلات التالية:
1 – لماذا زعم غانتس أن هذه المسيرات من انتاج ايراني؟ وذلك بعد أن فشلت وحداته في منع وصول ودخول المسيّرات الى بقعة عمل السفينة في كاريش، بالرغم من اسقاطها لاحقًا وبطرق فوق العادية، بعد استعمال قاذفات استراتيجية ومنظومات الدفاع الجوي الأكثر تطورًا؟
2 – أي ارتباط يراه مسؤولو العدو الأمنيين والعسكريين، بين حفلة المسيّرات في كاريش وبين الإتفاق النووي مع إيران، واستطرادًا بين تلك “الحفلة” وبين ضرورة العمل على أن لا يكون هناك اتفاق، وفي حال حصل، أن لا يكون سيئًا؟
طبعًا، من الناحية العملية، من غير المفترض أن يكون هناك ارتباط بين الإتفاق النووي الإيراني من جهة، وبين ملف ترسيم الخطوط البحرية بين لبنان وبين “اسرائيل” على حدود فلسطين المحتلة من جهة أخرى. فمسار التفاوض غير المباشر بين الطرفين كانت كل عناصره ونقاطه واضحة بشكل كامل، وفريق التفاوض اللبناني الرسمي: العسكري والهندسي والقانوني، عمل بحسب توجيهات رئيس الجمهورية اللبنانية وتحت سقف المعطيات المرتبطة بالحدود القانونية والتقنية والعلمية لخطوط الفصل بين المياه الاقتصادية الخالصة لكل من لبنان أو لفلسطين المحتلة، ولا علاقة للملف النووي الايراني بكل ذلك لا من قريب ولا من بعيد.
في الواقع، تدخل اشارة بني غانتس هنا الى “ايرانيّة” المسيّرات لتأتي كتبرير للفشل في منعها من الوصول إلى البقعة البحرية المحميّة في كاريش، وليكون كل هذا التردد الاسرائيلي في مقاربة واستيعاب حفلة المسيّرات، هو حقيقة لإخفاء مستوى مرتفع من التوتر ومن الخوف، لما يمكن أن تكون أهدافًا جدّية مرتقبة لمسيّرات حزب الله، أو حتى لصواريخه في مناطق داخل الكيان، هي أبعد من كاريش، وهنا بيت القصيد في هذا الحراك والخشية الاسرائيلية.
فكاريش بالنهاية، عبارة عن حقل بحري، خالٍ من المدنيين ومن المنشآت المدنية الاسرائيلية – ما عدا السفينة اليونانية وتجهيزاتها – انما الاخطر بالنسبة للعدو هو أن تكون أهداف مسيّرات حزب الله الأخرى، هي في داخل الكيان، حيث تتداخل الأهداف العسكرية مع المنشآت المدنية أو الرسمية، وحيث الوجع اكبر واكبر عند إنفجار بعض النماذج من المسيّرات المذخرة.
من هنا كان التصويب الاسرائيلي باتجاه أن مسيّرات حزب الله على كاريش هي من انتاج ايراني، ومن هنا ايضا، كان التصويب الإسرائيلي على وجوب منع العودة للاتفاق النووي مع ايران، أو على وجوب منع حصول اتفاق سيئ، حيث المفهوم الاسرائيلي للاتفاق “السيء” هو عدم المساس بالقدرات الإيرانية الصاروخية أو المسيّرة.
* المصدر :موقع العهد الإخباري
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع