السياسية:

أدى مزيج من الأزمات؛ مثل الغزو الروسي لأوكرانيا والتضخم وارتفاع الأسعار، إلى تفاقم المخاطر الاقتصادية العالمية، بيد أن ثمة عنصراً رابعاً يمكن أن يجعل هذا المزيج قابلاً للانفجار، ألا وهو ارتفاع ديون اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. فما هي أزمة الديون هذه وكيف تنعكس على المنطقة العربية؟

أزمة الديون.. تحذير من صدمة مالية عالمية جديدة
في ظل التضخم وموجة ارتفاع الأسعار التي تجتاح العالم، وما تلا ذلك من رفع لسعر الفائدة، باتت دول كثيرة عاجزة عن خدمة وسداد ديونها. وهو ما دفع صندوق النقد الدولي إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من صدمة مالية عالمية ثالثة.

وحذرت كريستالينا جورجيفا، رئيسة صندوق النقد، من أزمة ديون عالمية مع اتجاه البنوك المركزية الرئيسية في العالم إلى زيادة أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم، وهو ما يزيد أعباء خدمة الديون للدول ذات الأوضاع المالية السيئة، مثل معظم الدول العربية.

ونقلت وكالة Bloomberg الأمريكية عن جورجيفا قولها، أثناء مشاركتها في مؤتمر بالعاصمة الأمريكية واشنطن: “ما نراه الآن هو أزمة تلو أزمة، واحتمال حدوث صدمة مالية عالمية ثالثة بعد الجائحة ومع الحرب الروسية في أوكرانيا”.

وأشارت بلومبيرغ إلى أن ارتفاع الأسعار في العالم دفع البنوك المركزية إلى زيادة أسعار الفائدة بوتيرة سريعة. وفي الولايات المتحدة يركز مسؤولو مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) على زيادة أسعار الفائدة بشدة لكبح أقوى موجة تضخم منذ أربعة عقود، وهو ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار.

في الوقت نفسه، راكمت الدول النامية خلال السنوات الماضية قروضاً بنحو ربع تريليون دولار أمريكي، وهو ما يهدد بانحدار هذه الدول إلى سلسلة إفلاسات تاريخية، كما حصل في سريلانكا مؤخراً.

تقول جورجيفا إن الدول التي ليست لديها إيرادات دولارية لكنها مضطرة لخدمة ديونها تواجه “صعوبة مزدوجة” في التعامل مع الأزمة، مضيفة أن حوالي 30% من الدول النامية والصاعدة تعاني من أزمة ديون أو قريبة من ذلك.

ماذا عن الدول النامية؟
وكانت قد حثت من قبل الصين وغيرها من اقتصادات مجموعة العشرين لتسريع تخفيف أعباء الديون عن عدد متزايد من الدول المثقلة بالديون محذرة من أن عدم القيام بذلك يمكن أن يتسبب في “دوامة هبوط” مدمرة.

وقالت جورجيفا لرويترز إنه من المهم تحريك ما يعرف باسم “الإطار المشترك” الذي أقرته مجموعة العشرين ونادي باريس للدائنين الرسميين في أكتوبر/تشرين الأول عام 2020 والمتوقف إلى حد كبير لمعالجة الديون. وفشل هذا الإطار في تحقيق نتيجة واحدة حتى الآن. وقالت: “هذا موضوع لا يمكننا التراخي بشأنه”.

وأضافت أن ما يقرب من ثلث دول الأسواق الناشئة وما يزيد مرتين على تلك النسبة من الدول منخفضة الدخل تعاني من ضائقة ديون مع تدهور الوضع بعد قيام الاقتصادات المتقدمة برفع أسعار الفائدة.

ويحذر النقد الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية من اضطرابات اقتصادية عنيفة واحتمالات التخلف عن سداد الديون في العديد من الدول العربية، بفعل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتراكمات أضرار كورونا وسياسات الاقتراض غير المسبوقة التي اتبعتها بعض البلدان مثل مصر.

إذ قد تشهد دول عربية اضطرابات جديدة وحدوث أزمات سياسية واجتماعية، لكن الوضع سيكون “انتقامياً” من الفئات التي هوت للفقر؛ إذ تفصل أشهر قليلة تونس عن التخلف عن سداد الديون، بينما أضحت أزمة لبنان أكثر كارثية من غيرها.

وجرت تحركات سريعة في عدة عواصم خليجية خلال الأيام الأخيرة من مارس/آذار الماضي، لتقديم دعم سخي مباشر وغير مباشر إلى مصر، التي تعرضت لانكشاف مالي ومعيشي بعد فترة قليلة من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتسببها في هروب مليارات الدولارات من الأموال الساخنة المستثمرة في الديون الحكومية وسوق المال.

وشهد الدين المصري تزايداً حاداً خلال العقد الماضي، ويُنتظر أن يصل إلى مستويات قياسية مع نهاية العام الحالي. وبينما لا تزال الأسواق تشعر بآثار جائحة كوفيد-19 والتأثير المضاعف لحرب روسيا ضد أوكرانيا، فسوف تتفاقم المشكلة التي يواجهها الاقتصاد المصري.

ويُتوقع أن يستغرق التعافي سنوات، وسوف يتحمل عشرات الملايين من المصريين العبء الأكبر في ظل ارتفاع الأسعار بصورة شديدة.

بنهاية العام المالي 2020/2021، وصل إجمالي الدين المصري إلى 392 مليار دولار. يتضمن ذلك 137 مليار دولار هي قيمة الدين الخارجي، وهي أكبر بأربعة أضعاف من الدين في عام 2010 (33.7 مليار دولار). ويتضمن كذلك 255 مليار دولار هي قيمة الديون الداخلية، وذلك وفقاً للبنك المركزي المصري، وهو ما يعادل تقريباً ضعف الدين المحلي في 2010.

كذلك تكشف الأرقام الصادرة عن صحيفة Daily News Egypt المصرية الناطقة بالإنجليزية، عن أن الحكومة تتوقع أن تقترض 634 مليار جنيه (34 مليار دولار) من السوق المحلي في الربع الأخير من العام المالي 2021/2022.

الدول العربية مهددة بمصير مشابه لسريلانكا
ويمثل خروج الأوضاع عن السيطرة في سريلانكا جرس إنذار للدول التي تعاني من أزمة ديون خانقة، فالديون المتراكمة أدت إلى انهيار الأوضاع؛ حيث تقول صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، إن الأزمة المالية والسياسية في سريلانكا، المدفوعة بمزيج من المديونية المرتفعة وارتفاع التضخم وسوء الإدارة الاقتصادية بالبلاد، تقدم عبرة لعدد من البلدان المُثقَلة بالديون، والتي أصبحت الآن عرضة بشكل متزايد للالتقاء الأخير بين نقص الغذاء والتضخم ورفع أسعار الفائدة الأمريكية.

وتمر بلدان عربية مثل لبنان وتونس ومصر والسودان واليمن بالفعل بأزمات ديون عسيرة، وتسعى هذه الدول للحصول على المساعدة الدولية لتقديم قروض أو إعادة هيكلة ديونها، التي تعاني في رد ديونها وبالكاد تحاول بعضها أن لا تتخلف عن السداد تواجه الإفلاس مثل سريلانكا.

في حالة سريلانكا، ساهمت جائحة كورونا -التي أتت على عائدات العملة الصعبة من السياحة- والتضخم العالمي، في دفع اقتصاد البلاد إلى حافة الهاوية، لكنَّ موقفها المالي غير المستقر كان قد ترسَّخ قبل ذلك، نتيجة تراكم ديون الإنفاق على البنية التحتية والتخفيضات الكبيرة للضرائب التي استنفدت عائدات الحكومة، فضلاً عن فرض حظر على الأسمدة الكيماوية بما قلَّص الناتج من المحاصيل.

وتخلَّفت البلاد عن سداد ديونها في مايو/أيار الماضي، وتركها النقص الحاد في العملة الأجنبية عاجزة عن تأمين إمدادات الطاقة. وارتفع التضخم في المواد الغذائية بقوة إلى 80.1% الشهر الماضي.

الكارثة قادمة
يقول البنك الدولي، إن نحو 60% من بلدان العالم الأشدّ فقراً إما أنها في حالة مديونية حرجة بالفعل أو معرضة لمخاطر عالية تهدد ببلوغها. وبلغت أعباء خدمة الديون في البلدان متوسطة الدخل أعلى مستوى لها في 30 عاماً، وشهدت أسعار النفط ارتفاعاً مطرداً، وارتفعت أسعار الفائدة في مختلف أنحاء العالم.

وفي ظروف كتلك، تبين لنا التجارب التاريخية أن حدوث مفاجأة أخرى هو كل ما يلزم لإشعال الأزمة. لقد ألقت الحرب الأوكرانية على الفور بظلال قاتمة على الآفاق المستقبلية للعديد من البلدان النامية التي تعتبر مستورداً رئيسياً للسلع الأولية أو تعتمد اعتماداً كبيراً على السياحة أو التحويلات.

ففي مختلف أنحاء إفريقيا، على سبيل المثال، أخذت تكاليف الاقتراض الخارجي في الارتفاع: ارتفعت فروق العائد على السندات بواقع 20 نقطة أساس في المتوسط. وفجأة أصبحت حسابات البلدان المتعلقة بارتفاع الديون، ومحدودية الاحتياطيات، والمدفوعات التي سيحل استحقاقها قريباً مختلفةً تماماً.

وبحسب مارسيلو استيفاو، مدير عام الاقتصاد الكلي والتجارة والاستثمار في البنك الدولي، فعلى مدى 12 شهراً القادمة، يمكن أن يعجز ما يصل إلى 12 اقتصاداً نامياً عن سداد ديونه، وهذا عدد كبير، ويعني أكبر موجة من أزمات الديون في الاقتصادات النامية خلال جيل.

وإذا وقعت هذه الأزمات، فإنها ستُحدث تحولاً في المشهد العالمي. فقبل ثلاثين عاماً، كانت الاقتصادات النامية مدينة بمعظم ديونها الخارجية لحكومات أخرى -أي دائنين ثنائيين رسميين- وجميعها تقريباً أعضاء في نادي باريس. ولكنَّ الأمر ليس كذلك اليوم: ففي نهاية عام 2020، بلغت ديون الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل المستحقة لدائنين تجاريين خمسة أمثال ما كانت عليه للدائنين الثنائيين.

وفي هذا العام، لن يذهب سوى 5 مليارات دولار إلى الدائنين في نادي باريس من بين نحو 53 مليار دولار سيتعين على البلدان منخفضة الدخل سدادها من مدفوعات خدمة ديونها العامة والمضمونة من قبل الحكومات. أضف إلى ذلك أن معظم ديون الاقتصادات النامية تنطوي الآن على أسعار فائدة متغيرة؛ مما يعني أنها قد ترتفع فجأة، كما هو الحال بالنسبة لأسعار الفائدة على ديون بطاقات الائتمان.

المصدر: عربي بوست