السياسية – متابعات :

بقلم: أكرم كريف*” البريطاني الناطق بالفرنسية, ترجمة: أسماء بجاش

يعيش السودان موجة احتجاجات عارمة منذ بضعة أسابيع, مطالبين بإسقاط نظام الرئيس عمر البشير وإنهاء المشاركة العسكرية في حرب اليمن.

فمنذ أواخر مارس من العام 2015، كان الجيش السوداني والميليشيات “التطوعية” جزء من الحرب التي تشنها قوات التحالف العربي المنضوية تحت راية أغنى دولة عربية والمتمثلة بالمملكة العربية السعودية  ضد أفقر دولة عربية.

ومن جانبها, أرسلت الخرطوم إلى ساحة الحرب اليمنية مفرزة من قوات الدعم السريع، المجندة في الأصل من قبائل دارفور العربية التي تحولت مع حلول العام 2016 من الوصاية الاستخبارتية إلى الجيش السوداني.

هذا الاسم المنمق – قوات الدعم السريع – يخفي في الواقع الاسم الأصلي لميليشيات “الجنجويد” التي دخلت التاريخ جراء ارتكابها الاعمال الوحشية, ناهيك عن أن دورها العملياتي غير الواضح.

ووفقاً لأحد الخبراء طلب عدم ذكر اسمه, فإن العمل الموكل لهذه المفرزة يكمن في حراسة القواعد الإماراتية في اليمن أو تلك القواعد السعودية الواقعه في المناطق الحدودية في جيزان ونجران, والتي تعتبر بمثابة أهداف دائمة في مرمى نيران المليشيات الحوثية.

لم تقتصر مهمة قوات الدعم السريع السودانية على حماية القواعد العسكرية لدول التحالف العربي فحسب, بل كانوا في بعض الأحيان يتمترسون في المواقع الأمامية خلال العمليات الهجومية الرئيسية لاحتلال الأرض، وبمعنى أخر يمكن أن نصف دور هذه القوات بأنها كانت بمثابة وقود المدفعية في المعركة.

في عددها الصادر في أواخر ديسمبر المنصرم, نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تفاصيل عن تجنيد الآلاف من الأطفال في صفوف الميليشيات والقوات المرسلة من الخرطوم للمشاركة في إحلال السلام في اليمن, حيث أشارت الصحيفة إلى أن الرياض استقطبت منذ بداية الصراع في العام 2015 ما يقرب 14 الف مقاتل من هذه الميليشيات والذين يتلقون مبالغ ماليه كمكافأة تسجيل بلغت قيمتها 10 آلاف دولار.

وبشكل تقريبي, يبدو أن جميع المقاتلين السودانيين أتوا من اقليم دارفور الذي دمرته الحرب, ففي هذا الاقليم قُتل ما يقرب من 300 الف شخص, في حين نزح 1.2 مليون آخرين, وذلك على مدار 12 عاماً جراء احتدام الصراع وبسبب تضاؤل الأراضي الصالحة للزراعة وغيرها من الموارد النادرة و الشحيحة.

كما تشارك هذه المليشيات أيضاً بشكل كبير في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا وفي الصراعات الخفية في منطقة وسط الساحل “عمليات البحث عن الذهب في تشاد والنيجر، والاتجار بجميع أنواعه والهجرة غير الشرعية”.

أوامر عن بُعد:

كانت بعض العائلات متلهفة إلى الحصول على المال، حيث قاموا بتقديم الرشاوي  لضباط الميليشيات من أجل السماح لأبنائهم بالانخراط في صفوفها.

فالكثير من هؤلاء الاطفال تتراوح أعمارهم ما بين 14 – 17 عاماً, وفي مقابلات مع خمسة من المقاتلين العائدين من اليمن وآخر كان على وشك المغادرة اليها فإن هؤلاء الأطفال يمثلون 20٪ على الأقل من تعداد الجنود في وحداتهم, بينما قال اثنان آخران لصحيفة إن الأطفال يمثلون ما يزيد  من 40 % من اجمالي أفراد الميليشيات.

على الأرض, تعتبر هذه المليشيات من ذوي التدريب الضعيف, وفي المقابل يواجه هؤلاء المقاتلين الواقع القاسي للحرب وعدو رفيع المستوى, مع استقالة كاملة من الحلفاء الاثرياء السعوديون أو الإماراتيون.

ولكي يبقوا على مسافة آمنة من خطوط القتال, يعمل المسؤولون السعوديون أو الإماراتيون على اصدار الأوامر للمقاتلين السودانيين من خلال أجهزة التحكم عن بُعد، وأمرهم بالهجوم أو الانسحاب عن طريق أجهزة اللاسلكي وأنظمة تحديد المواقع  “جي بيه إس” الموجودة بحوزة  الضباط السودانيين المسئولين عن كل وحدة, وهذا بحسب ما افاد به افراد تلك المليشيات.

قال محمد سليمان الفضيل البالغ من العمر 28 عاما, وهو من قبيلة بني حسين والذي عاد من اليمن في نهاية العام الماضي أن القادة السعوديون يصدرون اوامرهم لنا من خلال الهواتف وأجهزة التحكم, كما أضاف انهم لم يحاربوا معهم, بتاتاً, ومن دوننا، لتمكن الحوثيون من اجتياح المملكة العربية السعودية بما في ذلك منطقة مكة.

وعلى أية حال، لا يمكن إنكار أن القوات السودانية كانت سبباً في تمديد المجهود الحربي لقوات التحالف العربي في اليمن, حيث كان تواجدهم بمثابة  جدار عازل للقوات السعودية والإماراتية من الخسائر التي كان من الممكن أن تحدث تأرجح كبير في الرأي العام واختبار صبر العائلات في الداخل.

شهادة أخرى يدلي بها أحمد ذو 25 عاما والمنحدر من قبيلة أولاد زيد الذي خاض معركة شرسة بالقرب من ميناء الحديدة هذا العام, حيث أشار من خلالها أن ما يفعله السعوديون هو اصدار الاوامر من خلال الهاتف ثم الانسحاب, فهم يعاملون السودانيين كما لو كانوا حطباً يشعلون بهم نيرانهم.

وفي الوقت نفسه، ينكر مسؤولي التحالف العربي أي استخدام للجنود الأطفال في حرب اليمن, حيث صرح المتحدث باسم قوات التحالف العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية “تركي المالكي” في بيان إن دول التحالف العربي تقاتل من أجل إعادة الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، كما اشار ايضاً إلى أن قوات التحالف تحترم جميع القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني, بالإضافة إلى عدم إشراك الأطفال في القتال, مشيراً إلى أن الادعاءات بوجود أطفال في صفوف القوات السودانية ادعاءات وهمية وغير مبررة.

مقابل 418 يورو في الشهر:

يتم أرسل الجنود السودانيين بواسطة رحلات جوية تابعة للسلاح الجوي السوداني من الخرطوم أو من نيالا في اقليم دارفوار إلى أحد مراكز تدريب المشاة في السعودية, ومن جانبه أشار احد المقاتلين أن عددهم وصل إلى 8000 مقاتل.

ففي هذه المعسكرات يقدم السعوديون الزي العسكري والأسلحة الأميركية للمقاتلين, حيث يقضون فترة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع  في هذه المعسكرات يتعلمون من خلالها التدريبات الأساسية لتعلم ومعرفة كيفية التعامل مع الأسلحة، ولكن في الغالب لا يوجد أي تكتيكات أو استراتيجيات.

ووفقاً لشهادة أحد رجال الميليشيات السابقين أفصح لصحيفة نيويورك تايمز، يتم تقسيمهم إلى وحدات مكونه من 500 إلى 750 مقاتلاً قبل إرسالهم إلى اليمن.

أجرت صحيفة نيويورك تايمز حوار مع المقاتل “حجر” احد المقاتلين الذين عادوا من اليمن في العاصمة السودانية  الخرطوم:

غادرا حجر إلى اليمن وهو في سن 14 عاماً, حيث عاد منها في نوفمبر من العام 2017, يروي حجر حيثيات العمليات القتالية المحتدمة في اليمن, إذ أشار إلى أن وحدته فقدت 20 مقاتل أثناء عمليات نقلهم البري إلى أحدى المخيمات القريبة من مدينة عدن الجنوبية، كما خسروا ايضاً  22 آخرين في المعركة الأولى و 35 في المعركة الثانية, وبشكل عام فقد فقدوا 180 مقاتل خلال ستة أشهر.

يواصل حجر حديثه عن الفترة التي قاضاها في اليمن, فالخوف لم يفارقه لحظة, والرعب كان السمة التي تخيم على المشهد, كما أشار إلى أن الضباط السودانيون كانوا يسمحون له بالاتصال بوالديه من وقت لآخر, وبعودته سالماً فالجميع في اسرته  يشعرون بالسعادة, فقد ساهم في بناء منزل للعائلة واشترى عشرة من الابقار.

مثله الكثيرين, حيث يقاتل معظم السودانيين الذين ذهبوا إلى اليمن من أجل الحصول على المال, إذ كانوا يتقاضون رواتبهم بالريال السعودي، وهو ما يعادل نحو 480 دولار في الشهر للمقاتل المبتدئ الذي يبلغ من العمر 14 عاما, في حين كان ضابط الجنجويد من ذوي الخبرة يتقاض 530 دولارا في الشهر.

كما يتلقوا مبالغ اضافية تتراوح ما بين 185 و 285 دولار, أي ما يعادل ما بين 161 و 248 يورو, كمكافآت للفترات التي اشتداد فيها ضراوة العمليات القتالية, وبالنسبة للبعض فقد كانوا يتقاضونه على طول امتداد فترة خدمتهم.

يتم ايداع مرتبات هذه المليشيات في بنك فيصل الإسلامي السوداني والمملوك بشكل جزئي من قبل السعوديين, وفي نهاية الدورة التي تمتد سته أشهر يحصل كل مقاتل على مكافأة تجنيد لا تقل عن 700 ألف جنيه سوداني أي ما يعادل 10 آلاف دولار.

ومن جانبه, أشار أحمد الذي ينحدر من قبيلة أولاد زيد ذات النفوذ في المناطق المتاخمة للجنوب الليبيي من اقليم دارفور, إلى أن بعض الضباط السودانيين كانوا يقولون لهم: ” لا تقاتلوا أكثر من ما تتقاضونه، لا تقاتلوا أكثر مما يدفع لكم.

كما اشتكى جميع المقاتلين من الصواريخ والألغام الحوثية, حيث وصفوا الخسائر البشرية, ففي المفرزة التي ينتمي اليها محمد سليمان تتراوح الخسائر البشرية ما بين 135 مقاتل إلى ما يقرب من  200 مقاتل في وحدة أحمد. وعند عودتهم إلى ديارهم، تمكنوا من شراء الماشية أو سيارة كورية الصنع أو محل بقالة صغير.

رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية بابكر الصديق الأمين, التعليق على عدد القوات التي تم نشرها في اليمن أو عن المكافآت التي يتلقونها, مشيراً إلى أن السودان يقاتل من أجل  مصلحة السلام والاستقرار في المنطقة.

ومن جانبه, هدد وزير الدفاع السوداني في مايو من العام الماضي, بالانسحاب من الصراع، معلناً أن الخرطوم عملت على إعادة تقييم مشاركتها في ضوء “استقرار ومصالحة السودان, حيث  يرى الدبلوماسيين هذا التصريح بمثابة مطالبة مبطنه للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بتوفير المزيد من المساعدات المالية لتحسين الاقتصاد السوداني المتعثر.

* أكرم كريف صحفي مستقل متخصص في قضايا الدفاع والأمن, يدير الآن موقع الويب الخاص بمعلومات menadefense.net حول الدفاع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ عام 2011.