السياسية:

أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية “WMO” تقريراً عن التغير المناخي عام 2021، تضمن أن هناك تراجعاً واضحاً وبالغ الخطورة، في عدد من المؤشرات المهمة التي يتابعها العالم في تقدير الموقف من التغير المناخي، حيث شهدنا زيادة الانبعاثات المضرة، وارتفاع مستويات المياه خلال العقدين الماضيين، وارتفاع درجة الحرارة وأكسدة المحيطات، مما يقلل من قدرتها على استيعاب الغازات دون الإضرار بالحياة البحرية.

وانتقد سكرتير عام الأمم المتحدة بشدة فشل الإنسانية في التصدي لظاهرة التغير المناخي، وتقدم بخمسة اقتراحات لتسريع معدلات التحول إلى استخدام الطاقة الأقل ضرراً، بالتركيز على التحول إلى الطاقة المتجددة، والتوسع في توفير تلك التكنولوجيات النظيفة ومواردها، وزيادة معدلات الاستثمار الخاص والعام في الطاقة النظيفة، ووقف كل الدعم لمنتجي ومستخدمي الوقود الحفري، الذي وصل الآن إلى 11 مليون دولار في الدقيقة.

وإذا كانت كل هذه المؤشرات الدولية سلبية ومؤشراً لمخاطر جمة، فوجب التنويه أن تداعيات كل هذا على الشرق الأوسط بالغة القسوة، وأن وضع المنطقة في هذا الصدد أخطر من مناطق أخرى، حيث شهدت مدن كبرى في المنطقة ارتفاعاً في درجات الحرارة وصل أحياناً إلى 50 درجة مئوية، في الدوحة والخرطوم على سبيل المثال، وليس الحصر، وكان متوسط معدلات ارتفاع درجة الحرارة في الشرق الأوسط ضعف المتوسط عالمياً، وهناك مؤشرات واضحة على أن الدول الخليجية ستعاني ندرة شديدة في المياه خلال الخمسين عاماً المقبلة، على الرغم من جهودها وإنفاقها في هذا المجال، وتداعيات التغير المناخي على سواحل شمال أفريقيا والتوترات المائية بين مصر والسودان وإثيوبيا وصلت إلى مجلس الأمن الدولي أخيراً، وما زالت محل خلاف.

ومع ارتفاع درجات الحرارة عامة، شهدنا ارتفاعاً في درجات حرارة البحار، أدى إلى أعاصير في باكستان وإيران وشبه الجزيرة العربية، وساعدت على انتشار الجفاف وتقلص مصادر المياه في المنطقة، بخاصة في المشرق العربي، وهناك خطر حقيقي على الأمن المائي في الشرق الأوسط، والمياه المتاحة فيها وصلت إلى مستويات منخفضة للغاية، مقارنة مع عديد من المناطق الأخرى بالعالم، إضافة إلى غياب التوزيع العادل للمياه بين الشعوب في المنطقة، فمعدلات استخدام إسرائيل للمياه أكثر من ضعف استخدام الفلسطينيين.

وللجفاف وندرة المياه انعكاسات على الصحة العامة والأمن الغذائي. ويرى الخبراء أن نهري الفرات ودجلة قد يختفيان كلياً خلال القرن الحالي. وأكدت اللجنة الحكومية الأممية المعنية بالتغير المناخي في تقريرها لعام 2022، أن ارتفاع درجات الحرارة يهدد الأمن العام، وأن الشرق الأوسط يتضمن 12 من أكثر 17 دولة معرضة للقصور المائي، ومن اللافت للنظر أن تركيا تتحكم في أكثر من 90 في المئة من مياه الفرات و44 في المئة من نهر دجلة، ومنذ عام 2020 قطعت 60 في المئة من مياه الفرات إلى العراق، مما كان له تداعيات على الأمن الغذائي والمائي في العراق وسوريا، كما حجزت السدود الإيرانية المياه عن روافد نهر ديالى في شمال شرقي العراق التي تغذي المحافظة بأكملها، ونتج من ذلك فقدان 70 في المئة من قدراتها المائية بكل ما يترتب على ذلك من مشكلات إنسانية واجتماعية، وتخلص الدراسات أن 12 مليوناً من سكان سوريا والعراق يفقدون المياه والغذاء والكهرباء نتيجة للتغير المناخي، وأن التصحر انتشر بشدة فيهما، كما ارتفعت تكلفة المياه 30 في المئة في الأردن خلال العقد الماضي.

ومنذ عام 2020، هناك اهتمام دولي متزايد بالوصول إلى درجات الانبعاث الصفري من الغازات الضارة، بخاصة ونحن على أبواب مؤتمر المناخ “COP-27” الذي سينعقد في مصر خلال نوفمبر (تشرين الثاني) من هذا العام، الذي يعقبه المؤتمر التالي في الإمارات، وهو ما انعكس على مواقف عدد من دول المنطقة في هذا الخصوص، بإعلان السعودية الوصول إلى انبعاثات وطنية صفرية عام 2060، وتحديد الإمارات عام 2050 لتحقيق هذا الغرض، واتخاذ مصر قراراً بالإعلان قريباً عن أهدافها والتزاماتها في هذا الخصوص، بعد أن كانت قد تأخرت في تحديد موقفها قبل اجتماع المؤتمر السابق في غلاسكو.

ويعلم الكل أن منطقة الشرق الأوسط مليئة بالنزاعات وتشهد توترات سياسية عديدة، وهي في غنى عن تفاقمات إضافية نتيجة للتغير المناخي، سواء كان ذلك لنقص في كميات المياه المتاحة أم الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للشعوب، مما يخلق مبرراً إضافياً للنزاعات بين دول المنطقة، أو ذخيرة حية للتيارات المتطرفة.

ومن ثم، فعلى المجتمع الدولي وحكومات المنطقة التعامل مع التغير المناخي على أنه خطر على الأمن القومي والاستقرار، وله تداعيات اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة والتعقيد في الشرق الأوسط، وقد تولد تداعيات تتجاوز المنطقة إلى ساحات الجوار، وهو ما يتطلب توفير مساندة ودعم خاص للتعامل مع تداعياته، والتحول للطاقة النظيفة، بخاصة الفقر المائي، بما في ذلك توفير تمويل دولي من المؤسسات المالية في الدول الصناعية بخاصة، وكذلك من البنك الدولي.

وعلى قادة وشعوب الشرق الأوسط اتخاذ قرارات وتبني سياسات حكيمة، توازن بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية الآنية والتقديرات والمتطلبات الاستراتيجية طويلة الأجل والسياسات الإصلاحية الهيكلية، التي تساعدها على الإسهاب بإيجابية في عدم تفاقم أزمة التغير المناخي، بما في ذلك بلورة قواعد إقليمية للتعامل مع مصادر المياه وضبط تدفقها، وتأسيس بنوك مائية، ومصادر تمويلية إقليمية للإسهام في الانتقال إلى التكنولوجيا النظيفة والاستخدام الأكفأ للمياه، والرفع من كفاءة الإنتاج الزراعي تأميناً للأمن الغذائي.

أرجو أن ينال هذا الموضوع الاهتمام اللازم صيانةً لصحة شعوب المنطقة، ولنتجنب إضافة قضايا إنسانية وحياتية جديدة للنزاعات السياسية المتعددة التي تهدد الأمن والأمان والاستقرار.

بقلم: نبيل فهمي وزير الخارجية المصري السابق
المادة الصحفية نقلت من موقع اندبندنت عربية وتعبر عن راي الكاتب