السياسية- متابعات:

مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، وفي ظل الانقسامات المتزايدة، سياسياً وشعبياً، يعود إلى الواجهة طرح انفصال ولايات عن الاتحاد لتصبح ذات سيادة.

مؤخراً، دعا أنصار للحزب الجمهوري في تكساس إلى إجراء استفتاء، بشأن انفصال الولاية عن الولايات المتحدة، في عام 2023.

وأشارت وثيقة المجلس التشريعي في تكساس إلى أن الحكومة الفيدرالية تنتهك حقوق تكساس “في الحكم الذاتي المحلي”، والتي تحتفظ بالحق في “الانفصال عن الولايات المتحدة”، بينما يرى مؤيدو الانفصال أن الموارد الطبيعية الموجودة في تكساس جعلت بلدهم من أكبر اقتصادات العالم، وهذا يخوّلهم تولي أمورهم بأيديهم.

وفي الحديث عن الانقسام الحزبي العميق في الولايات المتحدة، يرى الحزب الجمهوري في تكساس أن الرئيس جو بايدن هو الرئيس “بالإنابة”، لأنه “لم يفز بطريقة قانونية”. كما ينص برنامج الحزب، المعتمد حديثاً، على أنه يجب على تكساس التصويت على الانفصال.

واقعية الحديث عن تفكك الولايات المتحدة أو دعوات الانفصال
دعوات الانفصال ونظريات تفكُّك الولايات المتحدة نابعة، في مجملها، من الانقسام الذي تعيشه، وخصوصاً بين أحزابها السياسية، بشأن كثير من الملفات، حتى إن تود جيتلين، أستاذ علم الاجتماع في جامعة كولومبيا، يقول إن “أميركا كانت دائماً منقسمة”، مضيفاً: “أعطني لحظة في التاريخ الأميركي لم نكُن فيها منقسمين بعمق”.

بطبيعة الحال، تتعدَّد عناصر هذا الانقسام اليوم، والأمر لم يعد مرتبطاً بشمال وجنوب، أو بأبيض وأسود، ولم يعد مرتبطاً فقط بالانقسام بين ديمقراطي وجمهوري، بل وصل الانقسام الحاد إلى داخل الحزبين.

في تكساس تحديداً، هناك عدد لافت من الأميركيين لا يحبّون الاتجاه الذي تسير فيه الولايات المتحدة في مجموعة واسعة من القضايا، مثل الهجرة والسيطرة على الأسلحة وتغير المناخ.

ويزعم موقع “الحركة القومية” في تكساس أن نحو نصف مليون في تكساس يدعمون عملها من أجل “جعل تكساس دولة مستقلة مرة أخرى”. وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قال السيناتور، تيد كروز، إن “الولاية قد تنفصل، إذا أصبح الوضع في الولايات المتحدة ميؤوساً منه”.

هذه ليست المرة الأولى التي تُطرح فيها فكرة انفصال ولاية تكساس، لكنّ اليوم هناك عوامل أساسية تعطي دعوات الانفصال هذه تأثيراً جدياً، أبرزها أولاً، على صعيد الانقسام الاجتماعي، وما شهدته الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة من عنصرية وحركات مضادة لها.

وثانياً على الصعيد الطبقي، المتعلق بالشق الاقتصادي بين الولايات وداخل الولايات نفسها، ولاسيما أن البلاد تعيش أزمة اقتصادية، ومستويات تضخم قياسية، تنعكس شرخاً بين طبقة غنية جداً وطبقة وشريحة أوسع فقيرة.

وثالثاً، يشعر المواطن الأميركي بأن النظام السياسي مختلّ، ولا يحاكي تطلعاته، أو احتياجات البيئة الخاصة، والتي يوجد فيها.

هذا كله يُعَدّ سبباً في توجُّه شرائح المجتمع الأميركي نحو الاعتراف بوجود انقسام، وتأييد حالات الانفصال، بمعنى أن كل طرف يختار هويته الاجتماعية ويتقوقع داخلها.

 

الحديث عن تفكك الولايات المتحدة

يبدو أن الدعوات تصبح أكثر تكراراً عندما يحتل ديمقراطي البيت الأبيض، ولا ننسى أننا في عهد بايدن الديمقراطي. والولاية، المعروفة بتأييدها للجمهوريين، غالباً ما ترتفع فيها أصوات المطالبات بالاستقلال للضغط على المنافس الديمقراطي، ولاسيما أن المناخ السياسي العام يساعد على زيادة البلبلة والضغط على بايدن وفريقه، مع اقتراب الانتخابات النصفية.

إلا أنه، في الوقت نفسه، أظهر استطلاع رأي أجراه مركز السياسة في جامعة فيرجينيا، خلال شهر أيلول/سبتمبر 2021، نتائج مفاجئة، إذ وافق نحو نصف ناخبي دونالد ترامب، و40% من ناخبي جو بايدن في الرئاسيات الأميركية لعام 2020، على الاقتراح القائل إن الولايات المتحدة ينبغي لها أن تتفكّك.

بعض الأميركيين يعتقد أن الحياة في البلاد لم تعد ممكنة، في ظل وجود الطرف الآخر. والحديث هنا عن الانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين، بحيث نلاحظ أن كل طرف لم يعد ينظر إلى الطرف الآخر على أنه خصم سياسي، بل كونه عدواً. لذلك، خلال الفترة الماضية، يظهر كثيراً الحديث عن أن الديمقراطيين يشكّلون خطراً على الولايات المتحدة. وفي المقابل، هناك من يقول إن الجمهوريين هم الخطر.

هذا يشير إلى أن الصراع يتحوّل من صراع وانقسام سياسيَّين، إلى صراع وجودي بين خيارات متناقضة ومتواجهة فيما بينها. كما يرى كل طرف أن خياراته الاجتماعية والسياسية لا يمكن أن تصبح واقعاً إلّا عبر إلغاء الطرف الآخر. وهذا، في حد ذاته، مؤشر على التوجه نحو استخدام القوة لفرض هذه الخيارات. ولا شك في أن أحداث الكابيتول كانت جرس إنذار لما يمكن أن تصل إليه الأمور.

 

الانقسام الحزبي

هناك من يتحدث عن كون الولايات المتحدة ليست أمّة، مؤكدين أنه لا تجمعها قصة وطنية أو إجماع وطني ولا حتى هوية. وبالتالي، يرون أن موضوع تفككها هو حتمية تاريخية بمرور الزمن.

ويمكن هنا العودة إلى مقال للمتخصّص بدراسات الأمن القومي، ديفيد ريب، والذي جاء بعنوان “الانفصال القومي باهظ الثمن، لكنّه يستحقّ كل بنس”. ويحثّ فيه “أميركا الحمراء (الجمهوريين) على التفكير في الاستقلال لنفسها، اقتصادياً وثقافياً، وما يتطلّبه الأمر للوصول إلى ذلك الهدف”. ويتساءل: “ما الذي تَبقّى، ويمكن للأغلبية العظمى من المواطنين الأميركيين التجمّع حوله؟”.

أيضاً، يتبنى بعض الأصوات، التي تتحدث عن التفكك أو الانفصال، منطقاً مُغايراً يتعلق بأن الانفصال قد يكون حلاً لمنع حدوث حرب أهلية، تأسيساً على تصاعد منسوب العنف وخطاب الكراهية المجتمعية، على خلفية كثير من القضايا المحلية، التي يدور حولها الانقسام.

وطبعاً، هناك جزئية الضرر وخسارة الموارد، إذ إنّ هناك كُثُراً، في تكساس، يعتقدون أن الحكومة الفيدرالية أضرّت بحق الولاية في الحكم الذاتي المحلي، نظراً إلى ما تتمتع به من موارد، ولاسيما في مجال الطاقة. وهنا، تأتي دعوات الانفصال من خلفية، مُفادها أن تكساس قادرة على أن تكون دولة منفصلة، فيما يتعلق بمواردها تحديداً.

الجدير ذكره أن الدعوات إلى الانفصال ليست جديدة في تكساس وعدد من الولايات الأخرى، وعلى رأسها كاليفورنيا الديمقراطية، لكن أهمية المطالبة اليوم، هي بالنسبة إلى التوقيت، في عصر الاستقطاب المتزايد.

كما أن المستوى السياسي، وحتى المستويين الأميركيَّين، العسكري والأمني، تأخذ هذه الدعوات بصورة جدية، وخصوصاً أنها يمكن أن تخلق صراعاً مسلَّحاً بين ميليشيات وعصابات وحركات، في ظل أزمة موازية تعيشها الولايات المتحدة، من ناحية انتشار السلاح.

 

مواقع التواصل

يظهر جلياً في منصات التواصل الاجتماعي حجم الانقسام الأميركي، ليس فقط لناحية ظهور هذا الانقسام، وإنما لناحية التكتيكات والعمل الممنهج على استهداف الطرف الآخر، والتحشيد للمطالبات بالاستقلال.

هذا الأمر يشمل كثيراً من الملفات، التي يتحول النقاش بشأنها، في منصّات التواصل، من القضية نفسها، إلى محاولة تحميل الطرف الآخر المسؤولية عنها. ويُظهر استطلاع للرأي، نشره مركز بيو للأبحاث، أن “ثلث التغريدات من البالغين في الولايات المتحدة سياسية”.

على سبيل المثال، ملف ارتفاع أسعار الوقود، الذي تحول إلى قضية سياسية بامتياز في إطار الاستغلال الحزبي، ويُستخدم حتى في موضوع انفصال تكساس، إذ يتبنى الجمهوريون خطاباً يحمّل الإدارة الحالية المسؤولية.

وهذا الأمر لا يقتصر على خطاب عامّ، وإنما تنخرط فيه صفحات رسمية وحسابات لناشطين، وحتى وسائل إعلام وصحف أيضاً، عبر حساباتها المتعدّدة.

جانب آخر يمكن الحديث عنه في منصات التواصل، يتعلق بالانقسام الأميركي، وهو مصطلح “غرف الصدى” (echo chambers). وهذا الأمر بات أكثر وضوحاً لدى اليمين الأميركي. وهنا، يتم تصميم مساحات في منصات التواصل، أو حتى يتم استحداث منصات جديدة، مثل “غاب” و”ميوي” و”تروث سوشيال”، بحيث إن مرتادي هذه المنصات هم ممن لا يريدون الاستماع إلى الآخر. وبالتالي، هم يستمعون فقط، في هذا المساحات، إلى خطاب يشبه خطابهم، ووفق توجهات تقارب توجهاتهم، وهذا ما يشبه النمط العشائري، فكل معسكر له قيمه وأنماط استهلاك خاصة به.

وهذا الأمر بات يصل حتى إلى ملفات السياسة الخارجية، والتي باتت جزءاً من الاستقطاب السياسي، والتوظيف الداخلي؛ ملفات مثل روسيا وإيران والصين، بات موقف الولايات المتحدة تجاهها مرتبطاً بهوية الرئيس الحزبية.

 

هل تستطيع الولايات الانفصال عن الاتحاد؟

على الرغم من الحديث الدائم عن الانفصال، فإن الشكوى من الحكومة الوطنية شيء، والمطالبة بالاستقلال شيء آخر، لأنهم، في تكساس، يعرفون صعوبة تحقيق هذا الأمر والتعقيدات التي ستواجههم. على سبيل المثال: العملة والجيش والتنقل بين الولايات والدستور وغيرها.

القانون واضح. إن تكساس لا تترك الاتحاد. فعندما دخلت تكساس الاتحاد “دخلت في علاقة لا تنفصم”، كما جاء في حكم المحكمة، الذي أضاف أن “الاتحاد بين تكساس والولايات الأخرى كاملٌ ودائم وغير قابل للانفصال، مثل الاتحاد بين الولايات الأصلية. ولم يكن هناك مكان لإعادة النظر أو الإلغاء، إلّا من خلال الثورة أو بموافقة الولايات “.

ويرى أستاذ القانون والحكومة ومدير الدراسات الدستورية في جامعة تكساس في أوستن، أن الحديث عن انفصال تكساس هو “مواقف سياسية”، و”ليس اقتراح سياسة حقيقية”. وأضاف أنه “يمكن لتكساس إعلان استقلالها اليوم إذا أرادت ذلك، لكن هذا يعني الحرب”.

وفي السياق نفسه يؤكد الأستاذ في كلية الحقوق، في جامعة جورج ميسن، فرانسيس باكلي، أن الانفصال “غير مرجَّح الآن”، لكن في حال حدث الانفصال “فقد يحدث في حال تولى الحزب الجمهوري الرئاسة في عام 2024”.

أمّا أستاذ التاريخ في جامعة تكساس، وكبير المؤرّخين في جمعية ولاية تكساس التاريخية، والتر بوينجر، فيؤكد أن “الانفصال غير قانوني”، مشيراً إلى أن “الأمر لم ينجح بالنسبة إلى تكساس لتكون دولة مستقلة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر وأربعينياته، ولم ينجح الانفصال في عام 1861، ولن ينجح الآن”.

  • المصدر: الميادين نت
  • المادة الصحفية تم نقلها من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع