السياسية – رصد : شارل أبي نادر*

تحدّث العميد في لواء احتياط الاحتلال الإسرائيلي تسفيكا فوغل عن تعاظم القوة لدى حزب الله في لبنان وحركة “حماس”، على صعيد القدرات العسكرية وكذلك النفسية، وقال فوغل في مقابلةٍ مع “القناة 13” العبرية إنّ “إيران تتحول لتصبح نووية، وحزب الله وحماس مستمران في التعاظم، ونحن مستمرون في قول إنّها السنة الأكثر هدوءاً”، وعقّب قائلاً: “نسينا أنّنا لا نتجول في إسرائيل كما نريد، ومستوى الأمن الشخصي انخفض، لقد أهملنا النقب، وفي الشمال (المناطق الفلسطينية المحتلة الحدودية مع لبنان وسوريا) لا نستطيع التنقل كما يجب”، مضيفاً: “هندسة الوعي هذه لا تسري علي، والواقع يصرفنا كل يوم على وجوهنا”.

عطفًا على هذه التصريحات، صدرت تصريحات أخرى ايضًا لنفس الضابط الاسرائيلي السابق (فوغل)، كانت قد نقلتها صحيفة “يسرائيل اليوم” في منتصف اذار من العام 2019 حين كان يشغل في خدمته الفعلية وظيفة رئيس أركان المنطقة الجنوبية في جيش العدو، وقال فيها إن “”إسرائيل” فقدت منذ فترة طويلة روح القتال، وفقدت أيضاً الشجاعة لتحقيق الانتصار في المعارك”. واضاف  ” حركة حماس تعي جيداً أن القبة الحديدية لا تنجح بشكل كامل في إسقاط الصواريخ، ولذلك تقوم دائماً بمفاجأة “إسرائيل” تحت مبرر أن الصواريخ أطلقت عن طريق الخطأ”، وتابع فوغل: “هناك فرق كبير بين قيادات الأمس وقيادات اليوم في “اسرائيل”، إن قيادات اليوم تفعل كل شيء حتى لا تدخل الحرب وتخسرها، واستمرار عجز القيادة في “إسرائيل” سيعجل بقدوم اليوم الذي ستقوم به حركة “حماس” بتدمير دولة “إسرائيل””.

كذلك، تحدث مؤخرًا اللواء احتياط في قوات الاحتلال الإسرائيلي عاموس يدلين، عن جبهات مقلقة في المواجهة مع إيران وحزب الله، مشيرًا إلى أنّ “الأمر المقلق والذي لم يعيروه انتباهاً كافياً في “إسرائيل”، هو موضوع مشروع دقة الصواريخ الخاصة بحزب الله”.

هذه الظاهرة اللافتة مؤخرا داخل كيان العدو الاسرائيلي، لا يمكن المرور عليها بسهولة وتجاوزها واعتبارها من قبيل الصدفة أو اعتبارها ظاهرة طبيعية عادية، حيث إن أغلب الجنرالات السابقين في جيش العدو يصوّبون دائما، في الاعلام أو من خلال مراكز الابحاث والدراسات الأمنية أو الاستراتيجية الاسرائيلية، على الخطر المتصاعد من حزب الله وحماس على الكيان. أغلب هؤلاء العسكريين السابقين كانوا من أصحاب الوظائف الحساسة أو المؤثرة لدى جيش الكيان، ومن الطبيعي أن يكونوا ما زالوا على تواصل وتنسيق أمني أو مخابراتي مع الأجهزة العسكرية والأمنية الصهيونية، وبالتالي، من المفترض الاستنتاج أن لهؤلاء دورا معينا يلعبونه من خلال هذه التصريحات الاستثنائية التي يستحيل أن تسمح قيادة العدو بخروجها على لسان “شلة” من مسؤوليها الأمنيين والعسكريين السابقين دون موافقتها أو دون دفع وتوجيه منها”.

* فكيف يمكن تفسير ذلك؟ وماذا يمكن أن يكون الهدف وراء هذه التصريحات الحساسة؟

في الواقع، هناك أكثر من تفسير لهذه الظاهرة ومنها:

أن تكون عبارة عن رسالة تهديد وراءها حكومة العدو، وتختار عبر هذا الأسلوب اعطاء الأمر  نسبة كبيرة من الجدية، دون أن تكون هي في الظاهر مسؤولة مباشرة عن هذا التهديد، حيث قد تجد في تبنيها ذلك، مسؤولية حساسة مباشرة ليست اليوم بوارد تحملها أو المجاهرة بها.

التفسير الآخر، قد يكون عبارة عن رسائل تحذير للحكومة الاسرائيلية من هؤلاء القادة السابقين أصحاب الخبرات العسكرية والأمنية، والذين يجدون من مواقعهم السابقة أنهم يملكون رؤية أمنية أو استعلامية، تضاهي أو ربما تفوق ما يملكه القادة الحاليين للعدو، وهذا التحذير من هؤلاء يحمل في طياته توجيهًا أو حثًا من قبلهم لحكومتهم، بأن تأخذ المبادرة قبل فوات الأوان، وتعمد الى اتخاذ اجراء عسكري أو أمني، لمحاولة ايجاد حل لهذه الأخطار التي تتراكم ضد “اسرائيل”، من حزب الله أو من “حماس” أو من ايران، أو الأغلب من الثلاثة مجتمعين، كون المواجهة المقبلة، بمجرد اندلاعها ستكون واسعة، وسوف ينخرط فيها حكمًا الأطرافُ الثلاثة المذكورون وبنسبة كبيرة.

اذا ذهبنا أكثر لناحية أن يكون التفسير عبارة عن تهديد مخفي لحزب الله ولحركة “حماس” وتكون حكومة العدو وراءه، أصبح من غير المستبعد أن يكون هناك ترابط بينه (التهديد) وبين ما تشهده المنطقة بالكامل من توتر، من فلسطين المحتلة إلى الخليج، وما يلمح إليه أغلب الأطراف عن احتمال حصول مواجهة واسعة، الكل يُجمع أنها أصبحت واردة أكثر من السابق، وخاصة من كان من هؤلاء سابقًا متحفظًا على امكانية حصولها.

لناحية الاشتباك بين “اسرائيل” وحزب الله، هناك عدة معطيات ترفع من امكانية حصول هذه المواجهة، وعلى الأقل ما يمكن أن يكون مرتبطًا بمشكلة ترسيم الحدود البحرية، ومشكلة وصول الباخرة اليونانية التي سوف تحاول أن تستخرج الغاز من حقل كاريش المتنازع عليه مع لبنان، بالاضافة لتهديدات حزب الله الجدية عن حتمية قيامه بكل ما يلزم لمنع الباخرة المذكورة من استخراج الغاز من الحقل المذكور.

لناحية حركة “حماس” أو حركة “الجهاد” الاسلامي والتي نفذت مناورة “عزم الصادقين”، فقد وصلت المقاومة الفلسطينية اليوم إلى مستوى مهم من القدرات، يجعلها في مصاف جيش كامل الإمكانيات الأمر الذي يستوجب إجراء كل الأعمال ذات الصفة العسكرية التي تتطلبها المواجهة المفتوحة ضد العدو، ومنها المناورات بشكل عام، وهذا سبب من أسباب التصويب الاسرائيلي، وخاصة من قبل المسؤولين الأمنيين والعسكريين السابقين على خطورة وجدية قدرات المقاومة الفلسطينية اليوم.

الأمر الثاني الذي يقرب امكانية حصول مواجهة بين “اسرائيل” والمقاومة الفلسطينية، هو أنه في المرحلة الأخيرة وصل مستوى التحدي بين المقاومة الفلسطينية وبين العدو الى درجة غير مسبوقة، خاصة بعد سلسلة العمليات التي تعرض لها العدو في أكثر من منطقة محتلة، وبعد التعاون الكامل بين كافة مكونات المقاومة والشعب الفلسطيني، وهذا الأمر استدعى من الطرفين اتخاذ كل الاجراءات التي تترجم وضعية الاستنفار والاشتباك المرتفع المستوى، والذي قد يظهر أو يُترجم أو ينتهي بمواجهة عسكرية.

وأخيرًا، يمكن من عنوان المناورة “عزم الصادقين” تلمس الجدية والصدق والالتزام لدى المقاومة الفلسطينية بمواجهة كل أشكال الاعتداء على الشعب الفلسطيني في كافة المناطق المحتلة. وأصبح واضحًا أن المقاومة الفلسطينية هي على قدر المسؤولية الكاملة لناحية الالتزام بتنفيذ تهديداتها ضد العدو في حال استمراره في تنفيذ جرائمه في القدس وفي جنين خاصة ومحيطها وبشكل عام في أغلب الأراضي المحتلة. لذلك، من الطبيعي أن تتابع المقاومة ترسيخ المعادلات التي أرستها بعد “سيف القدس”، لأنها وصلت إلى مستوى من القدرات يعطيها الإمكانية لكي تتابع التحدي والمواجهة، ولأنها لا يمكن أن تتراجع في ظل ما حصلت عليه مؤخرًا من ثقة داخلية من كل الأطراف ومن دعم وثقة خارجية من أطراف محور المقاومة. وهذا يشكل مسؤولية وطنية وعربية واسلامية لن تفرط بها ولن تتجاهلها، الأمر الذي سوف يدفعها لكي تذهب حتى النهاية في تهديدها للعدو، وفي الالتزام بالمعادلات التي ثبتتها في عملية “سيف القدس”.

* المصدر :موقع العهد الإخباري

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع