السياسية – رصد:

لقمان عبد الله

عشيّة زيارة جو بايدن إلى السعودية، تتصاعد حدّة الجدل الداخلي الأميركي حول تداعيات انخراط واشنطن في الحرب على اليمن، في ظلّ تَكشّف معطيات جديدة حول طبيعة هذا الانخراط، وتجدّد المطالبات بإيقافه. وبمعزل عمّا سيؤول إليه ذلك الجدل، فالواضح أنّ واشنطن أحدثت تغييراً في سياستها حيال الملفّ اليمني، عبر الدفع نحو إرساء تهدئة طويلة الأمد، تُتيح لها ضمان الحدّ الأدنى من مصالحها ومصالح حلفائها، بما يُتيح لهم طيّ صفحة النزاع المندلع منذ عام 2015

على أعتاب زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى السعودية، والتي ستشكّل الحرب على اليمن بنداً رئيساً على جدول أعمالها، تتسارع الخطوات الأميركية في سبيل وضع حدّ لهذه الحرب، ولكن وفق شروط واشنطن المرتكزة في الأساس على منع تهديد «الجيش واللجان الشعبية» للملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب، وحظر وصولها إلى الموارد النفطية والغازية، والتحكُّم بالاقتصاد اليمني ككلّ. وعلى رغم تلك الجهود، تُثير جولة بايدن جدلاً حادّاً في الداخل الأميركي، حيث تَكشف التجاذبات حجم انخراط الولايات المتحدة في الصراع، والذي كانت صنعاء دأبت على تفنيده منذ بدايته.

 

وفي هذا الإطار، يؤكد تقرير جديد أصدره مكتب محاسبة الحكومة الأميركية، واطّلعت عليه منظّمة «هيومن رايتس ووتش»، أنّ الولايات المتحدة تتعمّد غضّ الطرف عن استخدام أسلحتها لارتكاب جرائم ضدّ المدنيين في اليمن، وهو ما يدحض ادّعاءات الإدارات المتعاقبة حول مراقبة استخدام الأسلحة واتّخاذ إجراءات لحماية المدنيين. وكشفت المنظّمة أن مسؤولين أميركيين يحاولون إجراء تنقيحات على التقرير قبل نشره لإخفاء بعض المعلومات، مُطالِبةً بنشره كاملاً من دون تعديل. وفي السياق ذاته، قدّم أكثر من 60 عضواً في الكونغرس الأميركي (وهو عدد غير مسبوق، يعكس اتّساع دائرة الأصوات المناهضة للحرب)، منتصف الأسبوع الجاري، مشروع قرار يدعو الإدارة إلى وقف تبادل المعلومات الاستخبارية مع التحالف السعودي – الإماراتي، وإنهاء جميع أشكال الدعم اللوجستي لعملياته بما في ذلك توفير الصيانة وقطع الغيار، فضلاً عن حظر القيادة أو التنسيق أو المشاركة في تحرّكات «التحالف»، من دون إذن قانوني محدَّد مسبق من الكونغرس.

 

ولم تُخفِ الولايات المتحدة، منذ بداية الحرب، دورها الفعّال في مؤازرة السعودية والإمارات في المجالات كافة، وهو ما تجلّى مثلاً في تبنّي الموقفَين السعودي والإماراتي بالكامل في المحافل الدولية والإقليمية، بل وتجاوُزهما في كثير من المحطّات، كما في مفاوضات الكويت عام 2016. وتَنظر واشنطن إلى الحرب على أنها تؤثّر على مصالحها في منطقة حيوية لأمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية، وخاصة في مضيق باب المندب، وهو المدخل الجنوبي للبحر الأحمر الذي توليه الولايات المتحدة اهتماماً بالغاً، بالنظر إلى أن من بين أهمّ أهدافها هناك منع نفوذ أيّ قوة دولية منافِسة (روسيا، الصين) أو إقليمية خصمة (إيران)، وضمان أمن “الكيان الصهيوني”، وضمان تدفّق الغاز والنفط لحلفائها الأوروبيين عبر البحر الأحمر. على أنّ فشل «التحالف» في تحقيق أهدافه من الحرب، وكذلك التحوّل العالمي الناتج من الحرب الأوكرانية، أدّيا إلى دفع الأميركيين إلى تبنّي مقاربة مختلفة، عبر انتهاج سياسة تخفيض التصعيد العسكري، والتشجيع على الهُدن العسكرية والإنسانية، ومن ثمّ التأسيس عليها في إرساء الحلّ الشامل، وتعزيز حضور واشنطن العسكري المباشر لحماية مصالحها في البحرَين الأحمر والعربي وتأمين باب المندب.

ومن هنا، يُفهَم إعلان البحرية الأميركية، بالتزامن مع بدء الهدنة الأولى مطلع نيسان الماضي، تولّيها قيادة تشكيل بحري من السفن، أَطلقت عليه اسم «فرقة العمل المشتركة البحرية 153»، سيكون مسرح عمليّاته البحر الأحمر، بالتعاون مع شركاء دوليين وإقليميين. وعلى أثر ذلك، جرى الحديث عن هذا الإجراء بوصفه خطوة أميركية أحادية الجانب، لا تنفصل عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وتستهدف في الوقت ذاته إيران، من خلال التضييق على أذرعها «العنيفة» في المنطقة، خصوصاً أن القائد الأميركي الحالي لـ«الفرقة 153» أشار إلى أنها تستهدف، على نحوٍ مباشر، التهديدات البحرية التي يثيرها «الجيش واللجان الشعبية» جنوبي البحر الأحمر. وسبق إنشاءَ الفرقة المذكورة تشكيل ثلاث فرق أخرى، هي «فرقة 250» التي أنشئت عام 2002 وتنتشر سفنها في بحر العرب، حيث تضطلع بمهام ما يسمّى «مكافحة الأعمال الإرهابية في البحار». تلتها «الفرقة 152» التي أنشئت عام 2004 لتعمل في مياه الخليج تحت شعار «مكافحة الإرهاب». أمّا «الفرقة 151»، التي أنشئت عام 2009، فقد جاءت استجابة للتصاعد الشديد لنشاط القرصنة في خليج عدن، وقبالة السواحل الصومالية المُشاطئة للمحيط الهندي.

  • المصدر: “الاخبار” اللبنانية
  • المادة الصحفية تم نقلها من المصدر  ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع