كواليس جهود الكيان الصهيوني للخروج من المأزق الاستراتيجي
السياسية – رصد:
شهدت إيران في الأسابيع الأخيرة عدة أعمال عنيفة ودموية، من بينها اغتيال صياد خدائي أحد عناصر الحرس الثوري الإيراني أمام منزله. كما أدى انفجار في منطقة “بارشين” إلى مقتل مهندس شاب يعمل في منشأة دفاعية.
على الرغم من عدم توافر السبب الكامل والرسمي والمؤكد لتورط الكيان الصهيوني في هذه الأحداث المأساوية، إلا أن هناك أدلةً تشير من الناحية التحليلية إلى تورط الصهاينة.
التقدم الاستراتيجي للمقاومة
إن إلقاء نظرة على تطورات السنوات الماضية، يظهر بوضوح أن محور المقاومة في المجال الاستراتيجي متقدم کثيراً علی الكيان الصهيوني.
نقدم فيما يلي بعض الأمثلة على هذا التفوق الذي أدى إلى تغيير في تشكيل المعركة، أو علامة على هذا التغيير في المستقبل:
- تفعيل جبهة الجولان: منذ سنوات لم ترد أنباء جادة عن الجولان في الأدبيات الاستراتيجية للكيان الصهيوني. يعود آخر جهد منظم ومكثف لتحرير هذه المنطقة من سوريا إلى حرب 1973. وبعد ذلك، لم يواجه الكيان الصهيوني مشكلةً أمنيةً هجوميةً من هذه المنطقة، ما يشكل تهديدًا لمصالحه الوجودية أو الحيوية. أما الآن، فإن الكيان الصهيوني مهدد بشدة من قبل هذه المنطقة على الجبهة الشمالية للكيان، وقد يؤدي ذلك إلى تغييرات جادة في الاستراتيجية العسكرية للكيان الإسرائيلي.
- المقاومة في الضفة الغربية والأراضي 1948: على عكس بعض المفاهيم التي أصبحت باطلةً الآن، فإن المقاومة في الضفة الغربية لها جذور قوية. ظهرت علامات مهمة على هذه المقاومة خلال عملية سيف القدس. والآن أيضًا، الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية يصبّ جام غضبه المقدس علی الصهاينة من خلال العمليات الاستشهادية. علاوةً على ذلك، انتشرت المقاومة حتى في الأراضي المحتلة عام 1948، حيث اعتقد النظام الصهيوني أنه نسي هويته الفلسطينية. وتلعب المخاوف بشأن المقاومة خارج غزة في فلسطين، دورًا بارزًا في تقرير تقييم الأمن القومي للكيان الصهيوني الصادر في أوائل عام 2022.
- القدرة الدفاعية لحزب الله وحماس: قيل الكثير عن القدرة الصاروخية للمقاومة في لبنان وغزة، والتي تلعب دورًا مهمًا في تعزيز القدرة العسكرية للمقاومة ضد الكيان الصهيوني. حتی أننا لا نريد الحديث هنا عن الخبرات العسكرية لحزب الله عبر الوجود الميداني في سوريا، مثل تجربة الحرب الأهلية وإدارة القوات الكبيرة والعمليات الهجومية على الأرض وغيرها، الأمر الذي أعطی المصداقية لتهديد حزب الله بالهجوم على منطقة الجليل شمال فلسطين المحتلة.
إن ما يمكن أن يغير ساحة المعركة الآن أكثر من أي وقت مضى، هو القوة الدفاعية لحزب الله. وقد أدلى السيد حسن نصر الله ببعض التصريحات الواضحة في هذا الصدد، وأشار المسؤولون العسكريون في الكيان الصهيوني مرارًا إلى هذا التحديث للقدرة الدفاعية.
ويمكن رؤية مؤشرات على هذه القوة في غزة، مع الكشف عن صواريخ تطلق من على الكتف، والتي تم الكشف عنها مؤخرًا للمرة الأولى، على الرغم من أنها خطوة صغيرة إلى الأمام. ويمكن لهذه القوة في حزب الله والمقاومة الفلسطينية أن تمهد الطريق لتحقيق ردع نسبي. ردعٌ سيمنع، إلى جانب شكل من أشكال المعاقبة(فرض تكاليف على العدو)، حدوث أضرار جسيمة.
- القدرة النووية الإيرانية: أدى زيادة تخصيب اليورانيوم في إيران إلى 60٪ عملياً إلى تغيير معادلات الكيان الصهيوني. إن دراسة أدبيات النخب العسكرية والأمنية للكيان، الذين يحاولون التحليل في جو أكثر واقعيةً، تظهر بوضوح أنهم غير قادرين على شن هجوم عسكري حاسم على إيران، کما أن طاولة المفاوضات مع إيران، لن تخدم مصالحهم في أحسن الأحوال.
من الواضح أنهم مجبرون على الاختيار من بين الخيارات غير المرغوب فيها المتاحة في هذا الصدد، وعلى الرغم من الإشادة بترامب لانسحابه من الاتفاق النووي، أوضح بعض مسؤولي الکيان في وقت لاحق أن هذه الخطوة كانت خاطئةً، لأنها جعلت السلوك النووي الإيراني لا يمكن السيطرة عليه.
وهذا يعني أنه في المجال الاستراتيجي النووي، لم يتمكن الكيان الصهيوني من تحقيق هدفه المنشود ضد إيران، ولا يزال يعتبر التهديد الإيراني من حيث الطاقة النووية في مجال التهديدات الوجودية. بالطبع، هذا بينما صرحت إيران مرارًا وتكرارًا أنها لا تنوي امتلاك سلاح نووي.
ويمكن إضافة العديد من الحالات الأخرى إلى هذه القائمة، بما في ذلك القدرة الصاروخية والطائرات المسيرة المتزايدة لإيران، والتطورات الجديدة مثل أنصار الله والحشد الشعبي في المعادلات الإقليمية وغير ذلك.
بالطبع، الجدير بالذكر أن الكيان الصهيوني يحاول أيضًا الضغط على المقاومة، من خلال اتفاقيات أبراهام مع بعض الدول العربية، أو توجيه بعض التحركات السياسية المدنية في المنطقة.
الكيان الإسرائيلي؛ دفاع أم هجوم؟
إن واقع المعارك متعددة المستويات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحلفائها ضد الكيان الصهيوني، يظهر أن هذا النظام يدافع عن نفسه أكثر مما هو في موقع هجومي.
وبناءً على ما تقدم، فإن يد إيران والمقاومة على المستوى الاستراتيجي للمعركة أعلى من الكيان الصهيوني، وبالتالي يحاول الكيان وضع الهجمات التكتيكية على جدول الأعمال لمواجهة محور المقاومة.
وعلى المستوى الاستراتيجي، يهدف الكيان إلى تدمير القدرة النووية الإيرانية وتقليص قدرتها الصاروخية بشكل كبير، ولكن بسبب عدم قدرته المثبتة على تحقيق هذه الأهداف، فإنه يوجه لها فقط ضربةً غير حاسمة من خلال العمليات التكتيكية.
ومن المثير للاهتمام أن هذا الأمر يثيره حتى وسائل الإعلام والمحللون التابعون للكيان أيضًا. على سبيل المثال، تحدث عاموس يدلين، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، قبل وقت قصير عن قدرة الكيان العسكرية على مهاجمة إيران.
أو قال مسؤول في الكيان الصهيوني منتصف شهر كانون الأول 2021، في برنامج تلفزيوني علی القناة الإسرائيلية الثانية عشرة في اعتراف نادر: إن “اغتيال محسن فخري زاده العالم النووي الإيراني رفيع المستوى، لم يؤد الى النتيجة المرجوة وهي إبطاء برنامج إيران النووي”.
في الواقع، إن هجمات الكيان الصهيوني في المنطقة، هي في الغالب استجابة للظروف والتحديات التي يواجهها الكيان في الداخل والمناطق المحيطة.
في المعركة بين إيران والکيان الصهيوني، مثل أي معركة أخرى، هناك هجوم ودفاع؛ وخاصةً أن طبيعة هذه المعركة غير متكافئة في كثير من المجالات.
إيران ومحور المقاومة على المستوى الاستراتيجي وضعوا الكيان الصهيوني في ظروف معينة. هذا بينما يحاول الكيان الصهيوني، بسبب حاجته لإثبات تفوقه وتعويض تخلفه على المستوى الإستراتيجي، اعتبار الإجراءات والعمليات التكتيكية على أنها ذات تأثير إستراتيجي، وهذا مخالف لواقع ومنطق الدراسات الإستراتيجية، ومتأصل في العمليات النفسية.
يواجه الكيان الصهيوني حالياً أزمة انهيار حکومي، ومن ناحية أخرى تعززت قدرة فصائل المقاومة أكثر من أي وقت مضى، وامتدت العمليات الاستشهادية الفلسطينية هذا العام إلى الأراضي المحتلة عام 1948.
وفي هذا الوضع، يقوم الكيان بتصدير أزماته للخروج من هذا المأزق الاستراتيجي، ويحاول ببعض العمليات المنفعلة صرف الرأي العام عن تحدياته الداخلية.
المصدر: الوقت التحليلي
المادة الصحفية نقلت حرفيا عن المصدر