السياسية- متابعات:

 

تتواصل المحادثات بين روسيا وتركيا في شأن كيفية إخراج الحبوب الأوكرانية، بما يمكن أن يسهم في درء شبح المجاعة الذي يهدّد العالم، من دون أن يتصاعد منها الدخان الأبيض إلى الآن. وعلى رغم حديث أنقرة عن أن التوصّل إلى اتفاق في هذا الشأن صار «أقرب من أيّ وقت مضى»، إلّا أن الأنباء الآتية من موسكو لا تزال تدور في الدائرة نفسها، وسط تقديرات بأن كييف تماطل في القيام بالمطلوب منها، من أجل استثمار الأزمة في محاولة استدراج تدخّل غربي مباشر لصالحها، من بوّابة «فكّ حصار» موانئها. وإذ يظلّ احتمال إبرام اتفاق وارداً، فإن روسيا تَعتبر أنه لن يكون كفيلاً، وحده، بإنهاء الأزمة؛ ذلك أن ثمّة، من وُجهة نظرها، سبباً رئيساً ثانياً لما يجري، متمثّلاً في العقوبات الغربية ضدّها

تنفّس العالم الصعداء في الأيام الماضية، بعد الحديث التركي عن إمكانية التوصّل إلى اتفاق بين روسيا وأوكرانيا بشأن تصدير شحنات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، بما من شأنه أن يدرأ شبح مجاعة تتعالى التحذيرات العالمية منها. وفيما كان يُتوقّع أن تتمّ بلورة الخطوط العريضة للاتفاق خلال لقاء وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، نظيره التركي، مولود تشاووش أوغلو، في أنقرة، قبل يومين، جاء إعلان الجانب الروسي أن المحادثات لم تصل بعد إلى النتيجة المرجوّة، ليبدّد ذلك التفاؤل.

وكان وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، قد أوضح دور بلاده في محاولة معالجة هذه الأزمة، بقوله، قبيل لقاء لافروف – تشاووش أوغلو، إنه «تتواصل حالياً الأعمال الهادفة إلى تحديد مَن سيقوم برفع الألغام (في الموانئ الأوكرانية)، ومَن سيقوم بنقل (الحبوب)، ومَن سيقوم بإنشاء الممرّ (الآمن)، ومَن الذي سيرافق (الناقلات). ونلعب في المرحلة الجارية دور التنسيق». وبحسب مصادر مطّلعة تحدّثت إلى صحيفة «إزفيستيا» الروسية الإثنين الماضي، فإن الصيغة الأوّلية التي وضعتها موسكو مع كييف وأنقرة، لإخراج السفن الأوكرانية المحمّلة بالحبوب من ميناء مدينة أوديسا المطلّة على البحر الأسود، تقتضي بـ«قيام العسكريين الأتراك بإزالة الألغام من المنطقة القريبة من الساحل في محيط أوديسا، تمهيداً لإخراج السفن من الميناء إلى المياه الإقليمية للبحر الأسود، حيث ستُرافقها سفن روسية حتى البوسفور لضمان المرور عبر البحر الأسود بأمان، ومنع وقوع استفزازات».

ووفق القراءة الروسية لأزمة نقص الأغذية عالمياً، فإن ثمّة سببَين رئيسَين لما يجري، أوّلهما الألغام المزروعة من قِبَل كييف مقابل ميناء أوديسا، والتي تعطّل حركة السفن هناك. وفي هذا الصدد، شدّد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، على أنه «يجب على أوكرانيا أن ترفع الألغام المزروعة في مداخل موانئها، بما يسمح للسفن، بعد تأكّد عسكريينا من عدم نقلها الأسلحة إلى أوكرانيا، بدخول الموانئ وتحميل الحبوب، ثمّ، بمساعدتنا – إذا لزِم الأمر -، يتمّ التوجّه نحو المياه الدولية».

وفي الاتّجاه نفسه، دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، كييف، إلى التوقّف عن تأخير عملية تصدير الحبوب الأوكرانية. ولفت لافروف إلى أن «العسكريين الروس يعلنون عن ممرّات آمنة يمكن لأيّ سفينة تحمل حبوباً استخدامها من دون التعرّض لأيّ تهديد، لكن شريطة أن يقوم الأوكرانيون بإزالة الألغام من السواحل الخاضعة لسيطرتهم».

والجدير ذكره، هنا، أن موسكو أعلنت، في أكثر من مرّة، أن ميناءَين كبيرَين على بحر آزوف سيطرت عليهما القوات الروسية، جاهزان لاستئناف شحنات الحبوب. وحول الدور التركي، اعتبر لافروف أن «محاولات الزملاء الأتراك إقناع كييف بضرورة التوقّف عن إطالة هذه العملية أمر إيجابي للغاية»، مبدياً أمله في أن «يدرك الأوكران أنه لا بديل من حلّ هذه القضية على هذا الأساس على وجه التحديد».

 

وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عرض أخيراً على أوكرانيا عدّة خيارات لاستئناف تصدير الحبوب، بما في ذلك من ميناء أوديسا على البحر الأسود، شرط أن تضْمن كييف سلامة السفن. لكن وفق المحلّلين الروس، فإن أوكرانيا «تُقابل هذا العرض الروسي بتعنّت، واتّهام موسكو بمحاصرة ميناء أوديسا».

ويرى الكاتب غيفورغ ميرزايان، في صحيفة «فزغلياد»، أن «أوكرانيا تحاول الترويج لفكرة فكّ حصار ميناء أوديسا من أجل حلّ مشكلتَين: أوّلاً، تسويغ استلام صواريخ مضادّة للسفن (ستكون، بحسب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أفضل ضمان لسلامة مرور السفن)؛ وثانياً، جرّ السفن الحربية الغربية إلى التدخّل من بوّابة فكّ حصار ميناء أوديسا بالقوّة».
أمّا السبب الثاني للأزمة الحالية، من وُجهة نظر موسكو، فيتمثّل في العقوبات الغربية المفروضة على روسيا. وبينما ترفض الأخيرة الاتّهامات المُوجَّهة إليها بالمسؤولية عن أزمة الغذاء العالمية وخطر المجاعة القادمة، فهي تُحمّل الغربيين مسؤولية نقص الإمدادات بسبب إجراءاتهم المعادية ضدّها. وفي هذا الإطار، شدّد الكرملين، أكثر من مرّة، على أنه «من أجل تزويد الغرب بالحبوب الروسية، يجب تغيير العقوبات التي تعيق هذا الأمر».

كذلك، اعتبر المتحدّث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن «أزمة الغذاء العالمية بدأت بالفعل، والسبب الأهمّ القرارات الخاطئة للحكومات والدول، وليس الأزمة الأوكرانية». وأشار بيسكوف إلى أن «كمّية الحبوب الأوكرانية أقلّ ممّا تتحدّث عنه كييف، وبالتالي تأثيرها ليس كبيراً على أسواق الحبوب الدولية». وفي الاتجاه نفسه، بيّن مدير مكتب «منظّمة الأغذية والزراعة العالمية» (الفاو) في روسيا، أوليغ كوبياكوف، أن «الحبوب الأوكرانية العالقة في موانئ البحر الأسود تشكّل 0.2% من إجمالي إنتاج الحبوب في العالم. أي أنها أقلّ من 1% من الحبوب في السوق الدولية العالمية».

ويبقى اللافت، في خضمّ ذلك، هو ما كشفه يفغيني باليتسكي، المسؤول المُعيَّن من قِبَل روسيا عن المناطق التي سيطرت عليها الأخيرة في زاباروجيا الأوكرانية، في شأن نقل حبوب من المنطقة إلى شبه جزيرة القرم قبل تصديرها إلى الشرق الأوسط، إلّا أن الكرملين أعلن أنه لا يمكنه تأكيد تصريح باليتسكي.

  • المصدر: “الاخبار” اللبنانية