السياسية- متابعات:

 

توازياً مع الارباك الذي تعيشه إدارة البيت الأبيض بما يتعلق زيارة الرئيس إلى عدد من المنطقة ومن بينها السعودية وكيان الاحتلال والتي انعكست على تحديد موعد الزيارة، اعتبرت صحيفة هآرتس العبرية ان “الزيارة لإسرائيل مرتبطة من البداية بزيارة السعودية وعديمة الأهمية بحد ذاتها. وفق السياسة الخارجية، يعد هذا إضاعة لوقت الرئيس”. مشيرة إلى ان “سياسة الواقع تملي قرارات بايدن، فعليه التأكد من أن السعودية ستدفع ثمن زيارة الرئيس مسبقا”.

النص المترجم:

يبدو أن في الكيان الصهيوني”جهات رفيعة” تعتقد أن “إسرائيل” هي مركز الكون والاعتبار الرئيسي في أي عملية اتخاذ قرار للرئيس الأمريكي. بالنسبة لهذه الجهات، لا يستطيع جو بايدن النوم لقلقه على مصير حكومة بينيت. “لا يهمني ما يحدث في السعودية. ولكننا مضطرون لمساعدة نفتالي”، هكذا يعتقدون بأنه يقول لمستشاريه. وإلا لا يمكن توضيح التفسير الغريب لتأجيل زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط، وهي زيارة لم يعلن عنها على نحو نهائي، التي كانت تدور من البداية حول السعودية فقط.

فعلياً، لا توجد للولايات المتحدة مصلحة في الدفع قدماً بزيارة للرئيس الأمريكي إلى “الكيان الصهيوني” ومناطق السلطة الفلسطينية. كانت الزيارة لإسرائيل مرتبطة من البداية بزيارة السعودية وعديمة الأهمية بحد ذاتها. وفق السياسة الخارجية، يعد هذا إضاعة لوقت الرئيس وحرف اهتمامه عن الحرب في أوكرانيا وعن سياسته أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعن إقامة وتوسيع تحالفات في المحيط الهادئ.

التضخم وانتخابات منتصف الولاية القريبة في الولايات المتحدة، إضافة إلى قرارات المحكمة العليا فيما يتعلق بالإجهاض ورخص السلاح التي يتوقع اتخاذها في حزيران الحالي، تتطلب اهتمام الرئيس بالشؤون الداخلية الأمريكية. زيارة واسعة للشرق الأوسط في موعد قريب من عقد قمة الناتو وقمة “جي 7″، تعني غياب عشرة أيام عن واشنطن، الأمر الذي لا يمكن للرئيس أن يسمح لنفسه به في هذه الفترة بالتحديد.

الزيارة للسعودية جددت استخدام مصطلح “سياسة الواقع”، سواء استهدفت التبرير أو معارضة زيارة الرئيس. “سياسة الواقع” في السياسة الخارجية هي مقاربة فلسفية وعملية تستند إلى مبدأ أساسي واحد، وهو أن على الدولة السعي لتحقيق أو الدفع بمصالحها على أساس اعتباراتها الذاتية وهياكل ومعادلات قوة في المنظومة الدولية وليس على أساس حسابات أخلاقية. ميكافيلي رسم منطق سياسة الواقع لضمان نجاح حكم الأمير في السياسة الداخلية؛ وبسمارك ترجم ذلك إلى سياسة خارجية؛ وريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر وآخرون حولوا ذلك إلى مقاربة عامة.

أهمية السعودية في سلم أولويات ومصالح الولايات المتحدة في حالة تراجع مستمر. واعتبارها حليفة لأمريكا هو في إعادة تقييم منذ سنوات. أمامنا رئيس أقسم، وحتى الآن أوفى بقسمه، بأن يحول محمد بن سلمان إلى شخص مجذوم.

أمامنا رئيس قرر ألا يدعو فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا إلى قمة الدول الأمريكية التي افتتحت أمس في لوس أنجليس، سواء لأنها غير ديمقراطية أو لأنها تخرق حقوق الإنسان بشكل دائم. ولكنه يفحص بجدية زيارة السعودية وإجراء لقاء مع بن سلمان. يبدو أنها سياسة واقعية صارخة، تعادل قرار نيكسون زيارة الصين في 1972.

زيارة بايدن للسعودية لها مبررات بارزة في سياسة الواقع:

أولاً، بن سلمان نفسه: صحيح أنه بعيد عن أن يكون ديمقراطياً ليبرالياً، لكنه من المرجح في ظل غياب تدخل خارجي دراماتيكي أن يحكم السعودية في العقود القادمة

ثانياً، لأمريكا مصلحة واضحة في استمرار وقف إطلاق النار في اليمن، حيث ورطت السعودية الولايات المتحدة هناك خلافاً لمصلحتها.

ثالثاً، رغم التوتر وحركة البندول الجامحة للأزمات المؤقتة في العلاقات، إلا أن السعودية ما تزال حليفة رئيسية لكبح نفوذ إيران العنيف والذي يضعضع الاستقرار في المنطقة، وهذه مصلحة واضحة لأمريكا.

رابعاً، السعودية منتجة كبيرة للنفط. وفي ظل غياب فنزويلا وإيران عن سوق النفط العالمية، أصبحت السعودية مصدر تعويض النفط الروسي الذي يخضع لعقوبات متشددة.

خامساً، التطبيع بين السعودية و”الكيان الصهيوني” يخدم توجه أمريكا للانفصال عن الشرق الأوسط، ونقل التركيز والموارد إلى حوض المحيط الهادئ وكبح الصين.

سادساً، إقامة وترسيخ منظومة تحالفات في آسيا تقتضي رسالة استقرار والتزام بالتحالفات من قبل الولايات المتحدة في أماكن أخرى. وإنه في عالم يشكك بالسياسة الأمريكية بعد عهد ترامب، تعد هذه رسالة مهمة.

إذا كانت سياسة الواقع تملي قرارات بايدن، فعليه التأكد من أن السعودية ستدفع ثمن زيارة الرئيس مسبقا، وهو ثمن يجب أن يشمل إعلان السعودية عن نيتها إنتاج المزيد من النفط حتى لو كانت قدرتها محدودة، وأن تتجنب رفع الأسعار. ومجرد الاستعداد يعطي إشارة تهدئة للأسواق، حسب الأمريكيين. على السعودية أيضاً التأكد من إبعاد روسيا عن اتفاقية سقف إنتاج “الأوبيك”، وهو الاتفاق الذي يمنع زيادة الإنتاج. في نهاية المطاف، سيطلب منها إظهار إشارات حقيقية على استعدادها للتطبيع مع إسرائيل. هذه العلاقة قد تؤدي إلى شبكة علاقات إقليمية تعطي وزناً موازياً لإيران، دون وجود كبير لأمريكا. وإذا أجرى بايدن زيارة للسعودية وإسرائيل في نهاية تموز المقبل، بعد أن يتم دفع الثمن المذكور أعلاه بالكامل، فسيكون هناك منطق وفائدة لسياسة الواقع. ولكن التنازل عن اعتبارات أخلاقية وعدم تحقيق أي شيء، سيعتبر فشلاً كان يمكن تجنبه بإلغاء الزيارة.

  • المصدر : “الخنادق” اللبناني
  • المادة الصحفية تم نقلها من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع