السياسية:

“نموذج للسفينة الفاشلة”، هكذا أصبحت توصف “أكبر مدمرة في العالم”، بعد أن وضعت البنتاغون في موقف محرج، حيث كلفته 4.4 مليار دولار، ولكنها أخفقت في مهمتها الأساسية، فما أسباب فشل هذه المدمرة الباهظة التكاليف، وهل تستطيع البحرية الأمريكية تدارك خطئها الجسيم؟

وتعتبر “يو إس إس زوموالت” السفينة الرئيسية بين ثلاث مدمرات من فئة زوموالت، نموذجاً للمشروعات باهظة التكاليف التي استندت لمقاربات غير واقعية، والآن تحاول البحرية الأمريكية إيجاد وظيفة لهذه الفئة من السفن، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.

ما الهدف من صنع أكبر مدمرة في العالم بهذه التكلفة الباهظة؟
وسُمِّيت “يو إس إس زوموالت” بهذا الاسم تيمناً بالأدميرال إلمو زوموالت، أصغر قائد عمليات بحرية في تاريخ الولايات المتحدة. والسفينة عبارةٌ عن مدمرة صواريخ مُوجّهة، مما يعني أن غرضها الرئيسي هو توفير الدعم المضاد للطائرات لأسطول البحرية الأمريكية.

وبدأ بناء السفينة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2008. ثم أُطلِقَت في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013، وبدأت البحرية الأمريكية في استخدامها شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2016.

وتمتلك البحرية الأمريكية مدمرتين أخريين من فئة مدمرات زوموالت، يو إس إس مايكل منصور ويو إس إس ليندون جونسون.

وبلغت تكلفة يو إس إس زوموالت، أول مدمرة بُنِيَت من المدمرات الثلاثة، نحو 4.4 مليار دولار. مما جعلها أغلى مدمرةٍ في تاريخ البحرية آنذاك.

أكبر مدمرة في العالم

وتساوي تكلفة أكبر مدمرة في العالم ضعف تكلفة أقوى سفن البحرية، مثل المدمرات من فئة أرلي بيرك وفقاً لوكالة Associated Press الأمريكية.

بينما بلغت تكلفة المدمرات الثلاثة معاً على مستوى الأبحاث والتطوير نحو 22.4 مليار دولار، وفقاً لوكالة Bloomberg الأمريكية.

وليست “يو إس إس زوموالت” فقط أكبر مدمرة في العالم، بل هي واحدةً من أكبر السفن السطحية الموجودة حالياً.

وبلغ من ضخامة السفينة أن شركة General Dynamics الأمريكية، مالكة حوض بناء السفن Bath Iron Works الذي تكفّل ببناء المدمرة، قررت تشييد منشأةٍ بتكلفة 40 مليون دولار لمجرد استيعاب عملية بناء السفن الضخمة.

قادرة على الصمود أمام البحار الهائجة وقوتها تعادل حاملة طائرات
ويُقال إن قوس السفينة “الشبيه بالسكين” يزيد ثباتها في البحار المائجة، مقارنةً بغيرها من السفن السطحية، مثل المدمرات والطرادات، وفقاً لموقع Defense News الأمريكي.

وتستطيع المدمرة التي يبلغ طولها 182 متراً استيعاب طاقمٍ يصل إلى 158 شخصاً على متنها، وفقاً لموقع Naval Technology الأمريكي. وتصل سرعتها إلى 30 عقدة، مع إزاحةٍ تصل إلى 16 ألف طن.

وتعمل السفينة بعنفات غازية من طراز رولز رويس MT30 ومولدات توربينية من طراز رولز رويس RR4500، وفقاً لموقع AeroWeb الفرنسي.

وتُنتج زوموالت طاقةً تُقدّر بـ78 ميغاواطاً، أي ما يعادل الطاقة التي تولدها حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية، بحسب القيادة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ.

وتضم مستشعرات أكبر مدمرة في العالم أيضاً راداراً متعدد الوظائف بحسب موقع Naval News البريطاني. وتحتوي كذلك على 80 وحدة إطلاق عمودي لأنواع معينة من الصواريخ.

لماذا فشلت في تأدية دورها المفترَض؟
لكن مدمرات زوموالت واجهت العديد من المشكلات في المعدات، على الرغم من ارتفاع تكلفتها. حيث تعطّلت “يو إس إس زوموالت” في قناة بنما بعد وقتٍ وجيز من دخولها الخدمة عام 2016. فيما فشلت السفينة الثانية من هذه الفئة، يو إس إس مايكل منصور، أثناء التجارب البحرية في العام التالي.

وأشار تقريرٌ من مجلة Military Watch Magazine البريطانية إلى أن مدمرات زوموالت “عانت من سوء وظائف الأسلحة، وتعطُّل المحركات، وضعف أداء قدرات التخفي، وغيرها من أوجه القصور”.

وأردفت المجلة: “يمكن القول إنها فشلت بالكامل تقريباً في تحقيق الدور الأصلي المطلوب من سفينةٍ حربية مدمرة متعددة الأغراض. بينما يُثير تجاوزها للتكلفة تساؤلاتٍ حول جدوى البرنامج من الأساس، حتى لو تمكنت المدمرات من تأدية الغرض المطلوب منها”.

إذ تفتقر هذه المدمرات إلى العديد من الخصائص الضرورية مثل الصواريخ المضادة للسفن، والطوربيدات المضادة للغواصات، وصواريخ الدفاع الجوي بعيدة المدى، وفقاً لما كتبه الخبير العسكري سيباستيان روبلين في مقاله لمجلة National Interest الأمريكية عام 2021.

سلاحها الفتاك الباهظ الثمن لم يعد يصنع
وصف روبلين تلك المدمرات بأنها تمثل “مفهوماً طموحاً وفاشلاً في الوقت ذاته”.

وأشار روبلين إلى أن أسلحة المدمرات لم تكن رخيصة. إذ تبلغ تكلفة القذيفة المدفعية الموجهة للهجوم الأرضي بعيد المدى نحو 800 ألف دولار، أي بنفس سعر صاروخ كروز الجوال، لكن إنتاج تلك الذخائر توقف بنهاية المطاف لاعتبارها باهظة الثمن بدرجةٍ لا تستحق الإنتاج.

وأوضح روبلين أن المدمرة زوموالت أُنتِجَت بناءً على تقديرات “غير واقعية” اعتمدت على الحد الأدنى للتكاليف، لكنها تجاوزت الميزانية بـ50% في نهاية المطاف.

اقتراح بتحويلها إلى سفينة صواريخ نووية
ودفع الأداء المخيب للآمال البحرية الأمريكية إلى دراسة العديد من الاحتمالات المتاحة لمدمرات زوموالت، ومن بينها إعادة تجهيزها كـ”سفن مطاردة متخصصة”. وأوضحت Military Watch Magazine في عام 2018 أن هذه الفكرة كانت ستعني “التضحية بالقدرات المعقدة المضادة للطائرات والغواصات، مقابل دورٍ متخصص بعيد المدى لمواجهة السفن”.

ودرست البحرية الأمريكية عام 2018 إعادة توظيف مدمرات فئة زوموالت لتصبح سفناً حربية نووية، حيث طرح قائد القيادة الاستراتيجية الأمريكية، الجنرال جون هايتن،فكرة إعادة تجهيز المدمرات بصواريخ جوالة نووية في العام نفسه.

هل تنقذ الصواريخ فرط صوتية أكبر مدمرة في العالم؟
لكن البحرية الأمريكية قررت مطلع العام الجاري تجهيز السفن بصواريخ فرط صوتية بحلول 2025، وفقاً لتقرير موقع USNI News الأمريكي. ومن المقرر أن تدمج شركة Lockheed Martin تلك الصواريخ في السفينة، بحسب مجلة Military & Aerospace Electronics الأمريكية.

في حين أفاد قائد عمليات البحرية، الأدميرال مايك غيلداي، لموقع Breaking Defense الأمريكي في فبراير/شباط 2021 بأن السفن من فئة زوموالت ستكون أول مختبرٍ للتقنية فرط الصوتية.

وقال: “يتركز اهتمامنا الآن على إضافة النظام إلى مدمرات زوموالت، حتى نثبت فاعليته وننشره سريعاً، قبل توسيع نطاقه”.

المصدر: عربي بوست