الصهيونية الدينية.. إلى أين تقود “إسرائيل”؟
تشير استطلاعات الرأي إلى ازدياد قوة الصهيونية الدينية التي باتت تنخر بنيان الكيان.
شرحبيل الغريب*
مرت “مسيرة الأعلام” في مدينة القدس هذا العام كما خطط لها، للتغطية على ضعف حكومة نفتالي بينيت التي لم تعد تمتلك أي أغلبية في الكنيست الإسرائيلي، وأصبحت آيلة للسقوط والانهيار في أي لحظة، ولكي تثبت أنها حكومة قوية وتحافظ على الأمن وحقوق اليهود المتطرفين، سمحت للمسيرة بالمرور في المسجد الأقصى، لكن في الوقت ذاته، وضعت نفسها في مأزق ليس بالبسيط بعد أن ظهرت بشكل مأزوم حين حوّلت القدس إلى ثكنة عسكرية لتثبت أن القدس موحّدة وعاصمة لـ”إسرائيل”.
تمرير “مسيرة الأعلام” يعدّ إنجازاً كبيراً سجّلته الجماعات الإسرائيلية الدينية المتطرفة أمام حكومة نفتالي بينيت بإجبارها على الموافقة على تنظيم المسيرة بشكل استفزازي في المسجد الأقصى، لتثبت الأحداث أن هذه الحكومة أصبحت أسيرة لرغبات اليمين الإسرائيلي وجماعاته العنصرية المتطرفة، وتكشف عن سباق التطرف داخل “إسرائيل” بشكل غير معهود.
يحاول قادة الاحتلال الإسرائيلي في خطاباتهم الجنوح نحو التطرف بشكل دائم تجاه الفلسطينيين في محاولة لإرضاء القوى اليمينية الحريدية التي تسيطر على الكنيست وكذلك القوى الدينية الصهيونية، بهدف كسب جمهور المستوطنين الذين تنامت لديهم مشاعر التطرف وأصبحت سمة بارزة في “إسرائيل”.
دعوات الجماعات الإسرائيلية المتطرفة لم تتوقف عند “مسيرة الأعلام”، بل سبقتها دعوات متكررة، كان آخرها دعوات منظمة “لاهافا” الإسرائيلية المتطرفة لهدم قبة الصخرة المشرفة وبناء الهيكل المزعوم، ودعوات ذبح القرابين، وبعدها دعوات جديدة تحت ما يسمى “عيد الأسابيع” والدعوة إلى تنظيم اقتحامات جماعية لانتهاك حرمة المسجد الأقصى.
استطلاعات الرأي الإسرائيلية تشير إلى ازدياد قوة ما يسمى الصهيونية الدينية في “إسرائيل”، هذا اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي أصبح ينخر بنيان كيان الاحتلال الإسرائيلي، ويتحكّم في سياسات حكوماته المتعاقبة، بل وأصبحت أبرز سماته انتهاك المقدسات الإسلامية في القدس، ولا يترك قادة “إسرائيل” أو حتى المعارضة فيها مناسبة إلا ويتحدثون فيها عن الاستيطان أو بناء الهيكل المزعوم، أو يشنون هجوماً على العرب والفلسطينيين، وكأن شعار هؤلاء تطرف أكثر لتنال رضا الجمهور الإسرائيلي أكثر.
تاريخياً.. الجماعات الإسرائيلية المتطرفة جاءت أساساً من جذور منظمات إرهابية عنصرية، بعضها مدرج في قوائم الإرهاب العالمية، وتحاول الولايات المتحدة كما أعلنت مؤخراً نيتها رفع إحدى هذه المنظمات التي يطلق عليها منظمة “كاهانا” من قوائم الإرهاب رغم أنها تعد الأكثر تطرفاً في “إسرائيل”، وللاقتراب أكثر من التطرف الصهيوني وامتداداته وتأثيراته التي تنعكس يومياً بعد يوم على المشهد ، ثمة أسئلة مهمة تطرح نفسها، من يغذي هذا التطرف؟ ومن يستفيد منه؟ وإلى أين يسير المشهد داخل “إسرائيل”؟
التطرف في “إسرائيل” بدأ تدريجياً يزداد في السنوات الأخيرة ويتغلغل في النسيج الإسرائيلي إلى أن انتقل أخيرا إلى دوائر صنع القرار، ويتجسد ذلك في حزب كاديما الذي يتزعمه نفتالي بينيت، وحزب الصهيونية الدينية بزعامة بنيامين نتنياهو الذي يعد الحزب الأكثر تطرفاً في المعارضة الإسرائيلية، ويمثل ائتلافاً لثلاث مجموعات صهيونية شديدة التطرف، وجميع هذه التشكيلات يمثلون قواعد للمستوطنين اليهود وتبلغ نسبتهم أكثر من 15% داخل “إسرائيل”.
التطرف سمة موجودة في الفكر الصهيوني الأسطوري بالأساس، ولو عدنا إلى أدبيات الصهيونية أواخر القرن الـ19 لوجدناها تتحدث عن تفرد الشعب اليهودي وتميزه بين شعوب الأرض، إذ إنهم مكروهون من المحيط، واقتراحهم بناء دولة يهودية لهم لم يكن عبثاً أو من فراغ بل جاء على قاعدة أنهم يفضلون فكرة التميز والتفرد وفق عقيدتهم.
تعزز وتطور الفكر الصهيوني لدى اليهود أكثر في هذا الاتجاه بعد خوض “إسرائيل” سلسلة من الحروب بدعم غربي وانتصارها على الدول العربية، وهو ما خلق شعوراً لديهم أنهم الدولة المنتصرة دوماً، الأمر الذي عزز لديهم النزعة العنصرية العرقية المتطرفة أكثر، والتي شكلت قاعدة لنمو وتنامي التطرف تدريجياً في “إسرائيل”.
هناك تيار جديد ظهر في السنوات الأخيرة داخل الحركة الصهيونية يسمى ” الحردلية” وهو مزيج من القومية الصهيونية والحريدية الدينية، لكن بفكر استيطاني متطرف ويمثلون بنية صهيونية متكاملة متطرفة لا تبالي بالقانون ولا تعطي احتراماً أو اعتبارات لأي من القوانين الدولية، ويعملون لهدف واحد متمثل في حسم الصراع مع الفلسطينيين بالقوة.
الصهيونية الدينية تمثل التيارات الدينية داخل الحركة الصهيونية، تتبنى شعارات تدعو إلى هدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم، وتتخذ من إبادة العرب منهجاً وديناً، ونواة هذه الأحزاب “حزب مزراحي” الذي تأسس عام 1902م في المجر وأنشأ فرعه في فلسطين فيما بعد، واتخذ شعاراً له (أرض إسرائيل لشعب إسرائيل وفقاً لشريعة إسرائيل) ، وتفرعت منه عدة أحزاب يمينية متطرفة، وحركة (كاخ) التي أسسها الصهيوني مائير كاهانا الأب الروحي للإرهاب والتطرف، ومنظمة “لاهافا” التي تتطلع لإبادة الشعب الفلسطيني كضرورة لمنع انصهار اليهود في المجتمع الفلسطيني، وتدعو إلى هدم المسجد الأقصى وتفكيك قبة الصخرة المشرفة.
الواقع السياسي داخل “إسرائيل” وحالة الانقسام السياسي التي تعيشها على مدار عقدين من الزمن وبشكل غير مسبوق تفضي إلى تصاعد مؤشر التطرف، وهو ما يدفع البيئة السياسية الإسرائيلية لأن تكون أسيرة ورهينة بيد التيارات اليهودية الدينية المتطرفة، بل وتعطيها مساحة لأن تؤثر وتلعب دوراً كبيراً في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، حتى أصبحت لها هيمنة ونفوذ قوي خاصة في القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية.
إلى أين سيقود التطرف المشهد في “إسرائيل”؟
في الأدبيات اليهودية يقولون إن خراب الهيكل الثاني جاء بسبب التطرف والكراهية الداخلية، ومن الملاحظ إسرائيلياً في الفترة الأخيرة ارتفاع حدة النقاش الداخلي والتي تقول إن تصاعد حالة التطرف التي باتت تتعزز في السنوات الأخيرة يمكن أن تفضي إلى خراب “إسرائيل”، وعزز هذا الطرح تصريحات متعددة لزعيم المعارضة الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو الذي بات يتحدث عن خراب مشروع “إسرائيل” سابقاً بعد 80 عاماً بسبب ما سماه حالة الاحتراب الداخلي، وغيره من القيادات الإسرائيلية الذين تحدثوا في الاتجاه نفسه.
“إسرائيل” اليوم وهي تعيش حالة غير مسبوقة من التطرف تحت عنوان الصهيونية الدينية تعيش في الوقت نفسه حالة من الاحتراب الداخلي، وهي بالمناسبة حالة لا علاقة لها بالصراع مع الفلسطينيين أو حتى مع العرب، إذ إن حالة الانقسام الداخلي وازدياد الكراهية الداخلية ما بين التيارات الإسرائيلية اليمينية واليسارية وباقي الشرائح الإسرائيلية تفضي إلى حالة عنوانها ثنائية القطبية، ومثل هذه الحالة تفضي إلى مزيد من التطرف الآخذ في الازدياد، وهذا أكثر ما يقلق “إسرائيل” تجاه مستقبلها.
* المصدر : الميادين نت
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع