تحرك تركي أردني مريب تجاه سوريا
السياسية – رصد:
شغلت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول المنطقة الآمنة المتابعين للملف السوري خلال الساعات الماضية ،صحيح أن طرح المنطقة الآمنة بعمق 30 كم ليس جديداً وكان قد تم تجاوزه من خلال معارضة روسية للمشروع التركي والوصول إلى تفاهمات في صيغة آستانة إضافة إلى معارضة أمريكية جزئية تنطلق من الحفاظ على تماسك حلفائها الأكراد ولكن الجديد في الموضوع هو توقيت طرحه الحالي في ظل تشابك عالمي يكاد يصل إلى أقصاه بعد الحرب الأوكرانية والتوتر الأمريكي الصيني المتصاعد حول تايوان، وهذا التوقيت يطرح طيفاً من التساؤلات:
أولاً، الهروب إلى الأمام وتصدير المشاكل إلى الخارج؟
تعاني تركيا من استقطاب سياسي حاد وتتفاقم الصراعات بين الأقطاب السياسية مع اقتراب مجموعة من الاستحقاقات الدستورية فضلاً عن الانشقاقات التي حدثت في حزب العدالة والتنمية والتي أضعفته في وجه معارضيه، اليوم وبعد أقل من 24 ساعة على تصريح أردوغان حول المنطقة الآمنة خرج كليجدار اوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري بتصريح لافت قال فيه” إن اردوغان يخطط للهرب مع حاشيته تاركاً التفاصيل للساعة العاشرة مساء اليوم و واعداً بكشف الوثائق”!
كما أن تركيا تواجه صعوبات اقتصادية متنامية حيث فشلت حكومة العدالة والتنمية (التي جاءت على حصان الاقتصاد) في مواجهة العديد من المشاكل وعلى رأسها البطالة والتنمية المستدامة ومكافحة الفساد إضافة إلى فشلها في وقف تدهور الليرة التركية أمام الدولار حيث تجاوزت اليوم حاجز 16 ليرة لكل دولار. فيما أزمة اللاجئين السوريين أيضا ترخي بظلالها على المجتمع التركي وأحزابه السياسية في ظل رفض متنامي لوجودهم.
ثانياً، تفاهم إقليمي أم تنافس؟
ما زالت تركيا تمسك بورقة التنظيمات التكفيرية وجماعة الاخوان في المنطقة “بالشراكة مع قطر” ورغم الخسارة التركية لنفوذها في مصر وتونس وأماكن أخرى فما زالت تدفع بقوة باتجاه استعادة الخسائر وتحقيق مكتسبات في مختلف ساحات الإقليم المتوترة والاستثمار في المشكلات رغم ما ظهر من انفتاح على الإمارات والسعودية (اللتين تعتبران الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً).
الانفتاح الأخير على الدول الخليجية المؤثرة وتسوية المشاكل معها ربما جعلت أردوغان يعتقد أن الفرصة سانحة لمزيد من التوسع الإقليمي دون أية معارضة تذكر لا سيما أن وزير خارجيته حط في القدس لأول مرة منذ 15 عاماً للتباحث مع الإسرائيليين والتنسيق معهم.
ثالثاً، الحرب الأوكرانية ومنعكساتها هل تركيا أقرب لأمريكا أم روسيا؟
أعطت الحرب الأوكرانية تركيا إمكانات جيوسياسية عالية للمناورة على جميع الأطراف ما سمح لها بتحقيق مكاسب من كافة الأطراف سواء من روسيا أو الولايات المتحدة الطرفين الرئيسين في أوكرانيا، فقد أعطتها روسيا الدور السياسي الأبرز حيث كانت مكان التفاوض إضافة إلى ميزات تفضيلية في النفط والغاز والقمح وبدورها تركيا أخذت موقفا متمايزاً عن الناتو حيال روسيا، كما أنها عززت مكانتها في الناتو من جهة أخرى وامتلكت أوراق مناورة كبيرة لاسيما مع طلب فنلندا والسويد الانضمام إلى الناتو، ومعارضة تركيا لهذا الانضمام من بوابة دعمهما لمجموعات إرهابية (حزب العمال الكردستاني ومتفرعاته) ومن هذا الباب يمكنها تغيير الموقف الامريكي تجاه المنطقة الآمنة في مقايضة براغماتية تحفظ مكاسب الطرفين.
كما أن عينها الأخرى على الانشغال الروسي في أوكرانيا وإمكانية حدوث فراغ ناتج عن الانكفاء الروسي في سورية لصالح العملية الخاصة في أوكرانيا حيث يمكنها ملىء هذا الفراغ مع ضمان عدم حصول تصادم مع الروسي في هذه المرحلة وفرض وقائع جديدة على الأرض السورية.
رابعاً، هل ينفصل التصعيد في الشمال عن التصعيد في الجنوب؟
أشار وزير الخارجية السورية إلى أصابع “إسرائيلية” في الاغتيالات التي تحدث في درعا جنوباً في محاولة لضرب مسار المصالحات الذي اعتمدته الحكومة السورية في المناطق التي نجح الجيش السوري وحلفاؤه في استعادتها، كما أن “إسرائيل” زادت في الفترة الأخيرة من استهدافاتها في العمق السوري تحت عنوان إبعاد النفوذ الإيراني.
تصريحات الملك عبد الله الثاني ملك الأردن لم تكن بعيدة عن جو التوتير في الشمال حيث اعتبر “أن الوجود الروسي في جنوب سورية كان يشكل مصدر تهدئة وهذا الفراغ سيملؤه الإيرانيون ووكلاؤهم مما سيخلق تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”، وجاءت في نفس السياق تصريحات مدير الإعلام العسكري الأردني الذي قال حرفياً: “إن تهريب المخدرات أصبح ممنهجاً والجيش يخوض حرباً حقيقية على الحدود مع سورية”، متهماً تنظيمات إيرانية باستهداف الأمن الوطني الأردني من خلال الحدود السورية الأردنية!
التصريحات الأردنية كما التركية جاءت نابعة من وضع داخلي قلق لاسيما بعد وضع الأمير حمزة بن الحسين شقيق الملك قيد الإقامة الجبرية. ودفعت هذه التصريحات العديد من المراقبين للتساؤل هل أنها مقدمة لإحياء غرفة الموك من جديد؟
خامساً، خمر جيد للصديق وبندقية صيد لابن آوى
وجّه المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ وين بين نصيحة للمسؤولين الامريكيين بالاستماع إلى أغنية صينية قديمة مشهورة تقول: “عندما يأتي صديق، نرحب به بأفخر النبيذ، وعندما يأتي ابن آوى نرحب به ببندقية الصيد”.
ربما ليس فقط المسؤولين الأمريكيين بحاجة الى الاستماع إلى هذه الأغنية، ربما المسؤولين الأتراك أيضا وكذلك “الاسرائيليين” على ايقاع عالم يتغير بتسارع.
يوسف غانم
كاتب سوري
المصدر: الخنادق